قيل له: نأخذ بالأخبار جميعاً، فنقول: إن البدنة عن سبعة على سبيل الفضل، والأخذ بالزيادة، كما أنَّها لو كانت عن واحد؛ لكان أفضل، ونقول هي عن عشرة في باب الإجزاء، وما رواه مسور، ومروان، على ما عرفا من اشتراك كل عشرة في جزور، وهذا أولى من طرح بعض الأخبار ببعض.
فإن قيل: فما فائدة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((البدنة عن سبعة))؟
قيل له: فائدتان، إحداهما: بيان ما أجزأ عن عدد أجزأ عن دون ذلك العدد؛ إذ قد أنكره بعض أهل العلم، وهو زفر، فذهب إلى أن البقرة لا تجزي عن ستة.
والفائدة الثانية: التنبيه على الأفضل.
فإن قيل: فما فائدة ذكر السبعة دون ما فوقها أو [ما] (1) تحتها؟
قيل له: هذا السؤال ساقط؛لأنه يتوجه على كل عدد يشار إليه.
__________
(1) ـ سقط من (أ).(49/2)


ومن طريق النظر أنا وجدنا البقرة أعلى من الشاة، فأجزت عما لا تجزي عنه الشاة، فوجب أن تجزي البدنة عما لا تجزي عنه البقرة؛ لأنَّه أعلى منها، ويكشف أن البدنة أعلى من البقرة، كما أن البقرة أعلى من الشاة: ما أخبرنا به المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا محمد بن خزيمة، وفهد، قالا: حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، حدثنا ابن الهاد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: مثل المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي بدنة، ثُمَّ الذي أثره كمثل الذي يهدي بقرة، ثُمَّ الذي على أثره كالذي يهدي كبشاً ثم الذي لا على أثره كالذي يهدي بيضة. ولا خلاف بيننا وبين كل من أجاز البقر في الدية أن عدد البقر ضعف عدد الإبل، ولا خلاف أن البُدن أعلى من البقر في كفارة قتل الصيد، فثبت ما بيناه. وروى هناد بإسناده أن رجلاً جاء إلى ابن المسيب فقال: إن عليَّ بدنة، فأردت أن أقدم عنها صدراً أربعاً من الغنم، وأدخر ثلاثاً، فقال سعيد: ما شأن سبع؟ إنَّما هي عشر. فقال إن الناس يقولون ذلك، فقال: بيني وبين من يقول هذا مَقاسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للجيوش، جعل لكل عشرة شاة، ولكل مائة جزوراً. فأما بيان أن الشاة تجزي عن ثلاثة، فسيجيء في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى. وأما قوله إذا كانوا من أهل بيت واحد، فالأقرب عندي أنَّه قال ذلك ليكون بعضهم أقرب إلى المعرفة بأحوال البعض، فنحيط العلم بأن مقصد الجميع مقصد واحد في باب القربة، وأنه /267/ ليس فيهم من غرضه اللحم، والله أعلم.
مسألة [في سبعة اشتركوا في بدنة فضلت، ثم وجدوها](49/3)


قال: ولو أن سبعة اشتركوا في بدنة واجبة، فضلت، فعليهم أن يبدلوا بدلها، فإن وجدوها قبل أن ينحروا الثانية، فلينحروا أيهما شاءوا، وينتفعوا بثمن الأخرى، وإن اشتركوا في هدي تطوعاً، فضَلَّ عنهم، ثم وجدوه بعدما اخلفوا مكانه غيره، وجب عليهم أن ينحروهما جميعاً. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (1).
ووجه الفرق بين المسألتين هو أن البدنة إذا كانت واجبة، فضلت، كانت الثانية بدلاً عنها، فإذا وجدت الأولى، لم يجب نحرهما؛ لأنَّه لا يجب البدل، والمبدل معاً، في شيء من الأصول، بل أحدهما يجزي عن الآخر، وإذا كانت تطوعاً، فالثانية ليست بدلاً له؛ إذ هو مما لا يجب أن يكون له بدل، فكأنهم تطوعوا بالثانية ابتداءاً، فيجب أن لا يرجعوا فيما جعلوه لله تعالى، فاستوى فيه حكم الأولى والثانية.
مسألة [في أفضل الهدي]
قال: وأفضل الهدي البدنة، ثُمَّ البقرة، ثُمَّ الشاة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (2)، ومروي فيه عن القاسم عليه السلام، وقد ذكرنا ما دل عليه من الأثر، والنظر في المسألة الأولى، فلا طائل في إعادته، على أني لا أحفظ فيه خلافاً عن أحد من العلماء.
مسألة [فيمن لم يجد الهدي ما يلزمه؟]
قال: والمتمتع إذا لم يجد الهدي، صام قبل التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله، ومن خشي أن يفوته صيام(3) الثلاثة، فلا بأس أن يصوم ثلاثة أيام قبل دخوله مكة في إحرامه. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (4).
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/301 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر الأحكام 1/317 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ في (أ): صوم الأيام.
(4) ـ انظر الأحكام 1/318 وهو بلفظ قريب.(49/4)


والأصل فيه قول الله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعْ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ..} الآية. فأما الأيام الثلاثة فرَوى فيها: ما أخبرني به أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا الناصر إلى الحق عليه السلام، عن محمد بن منصور، عن محمد بن عبيد، عن محمد بن ميمون، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن علياً عليه السلام كان يقول: ((صيام صام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة، فإن فات تسخر ليلة الحصية، وصام ثلاثة أيام بعد، وسبعة إذا رجع. وروى ابن أبي(1)، شيبة عن جابر بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام مثله.
وفي حديث زيد بن علي، عن أيبه، عن جده، عن علي عليه السلام في المتمتع لا يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام في الحج آخرهن يوم عرفة، وسبعة إذا رجع إلى أهله، ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. وروى ابن أبي شيبة(2) آخر الأيام الثلاثة يوم عرفة. وروى نحوه عن عطاء والشعبي، وسعيد بن جبير، ومجاهد وطاووس، والحسن، وعلقمة، وعمرو بن شعيب. وقلنا: إنَّه يصوم الثلاثة إن خشي فوتها قبل دخول مكة في إحرامه، وفاقاً لأبي حنيفة، وخلافاً للشافعي؛ إذ قال: لا يصومها إلاَّ بعد أن يحرم للحج، لما رويناه عن علي عليه السلام، وابن عمر، أنَّه يصوم يوماً قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، ولم يشترطا الإحرام للحج، بل الظاهر أنَّه يكون قبل يوم التروية غير محرم إذ السنة للمتمتع أن يحرم بالحج يوم التروية، ولا مخالف لهما في الصحابة، فدل ذلك على أنَّه يجزي قبل الإحرام بالحج.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِيْ الْحَجِّ}.
قيل له: معناه في زمان الحج، والمتمتع محرم في زمان الحج لعمرته، فوجب أن يجزيه صيامها، والإحرام.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/154 وأخرجه فيه 3/384، وقال فيه: حاتم بن إسماعيل.
(2) ـ أخرجه ابن أبي شيبة عنهم في المصنف 3/384.(49/5)


فإن قيل: فهذا يوجب أن يجزيه قبل أن يحرم.
قيل له: هذا لا يجب من وجوه/268/:
أحدها: أنَّه لا يكون متمتعاً قبل الإحرام، والله سبحانه أوجب ذلك على من تمتع. والثاني: أنَّه لم يوجد سبب ذلك على وجه من الوجوه، فكان كمن يزكي، ولا نصاب عنده، في أنَّه لا يجزيه إذا حصل النصاب والحول.
والثالث: أن الظاهر لو اقتضاه، لصار مخصوصاً بدلالة الإجماع، على أنا لو استدللنا بالآية، لكان وجهاً؛ لأن الله تعالى أوجبه على المتمتع الذي لا يجد الهدي، وهو إذا أحرم بعمرته، لزمه اسم المتمتع عرفاً وشرعاً، ومما يدل على ذلك أنَّه حال ثبت فيها هدي المتمتع حكماً بدلالة أنَّه لا يجوز بيعه، فوجب أن يجزي فيها صوم الثلاثة الأيام قياساً على حال إحرامه بالحج، وأيضاً هو حق وجب بسبب المال، وقد وجد أحد سببيه وهو الإحرام بالعمرة، فوجب أن يجوز فعله قياساً على جواز أداء الزكاة عند وجود النصاب الذي هو أحد سببيه.
فإن قيل: لو جاز تقديمه، جاز تقديم المبدل؛ لأن البدل لا يجوز فعله في حال لا يجوز فيها فعل المبدل.
قيل له: أما تقديم الهدي، فجائز، ألا ترى أنَّه يسوق الهدي إذا أحرم بالعمرة، وإنَّما لا يجوز نحره إلاَّ في يوم النحر لدلالته، والنحر ليس هو الهدي، وإنَّما هو حكم من أحكامه، على أنَّه لا يمتنع أن يصير(1) في حال لا يصح فيها فعل المبدل، ألا ترى أن العبد يصح منه الصيام في كفارة القتل، وكفارة الظهار؟ وإن لم يصح منه العتق، وكذلك من يحضر الجمعة لا يصح منه فعل الظهر، وإن صح منه فعل الجمعة الَّتِي هي بدل منه.
فإن قيل: هو قياس النحر في أنَّه لا يجزي قبل الإحرام بالحج بمعنى أنَّه وجب بسبب التمتع، كان ذلك منتقضاً بالهدي؛ لأن الهدي يكون هدياً قبل ذلك، وإن وجب بسبب التمتع.
__________
(1) ـ في (أ): يصح.(49/6)

70 / 142
ع
En
A+
A-