واشترط أن يكون ممَّن له رهبة(1) ورغبة في مناسكه؛ لأن الفاسق لا يُؤمَن على أداء ما يلزمه في ذلك، فكان ذلك وجهاً لكارهه، ذلك، ألا ترى أن في جملة ما يؤديه النية؟ وهي مما لا يُوقف عليها من غير جهته، على أن ما ذكرنا لو جعل وجهاً للمنع من جواز حجه عن الغير لم يتعذر، وإن كان ذلك غير محفوظاً عن أصحابنا.
__________
(1) ـ في (ب): رغبة ورهبة .(47/10)
باب القول في المرأة الَّتِي تحيض عند الميقات، أو عند دخولها مكة
إذا حاضت المرأة عند الميقات، أو وردته حائضاً، تحرم كما يحرم غيرها، فتغتسل(1)، وتَطَّهَر وتلبس ثياباً نظيفة، ثُمَّ تهل بالحج، وتحرم على ما بيناه، فإن طهرت قبل دخولها مكة، تَطهرت، ودخلت مكة، وقضت مناسكها، وإن دخلت مكة وهي في حيضها، لم تدخل المسجد، فإن طهرت قبل الخروج إلى منى، تطهرت، وطافت، ثُمَّ خرجت إلى منى، وإن بقيت حائضاً إلى وقت الخروج إلى منى خرجت وأجرت الطواف إلى حين انصرافها من منى، ولا ضير فيه. وجميعه منصوص عليه في (الأحكام) (2)، وهو مما لا خلاف فيه.
والأصل فيه حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: لما بلغنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذا الحليفة، ولدت أسماء بنت عميس محمدَ بن أبي بكر، فأرسلتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي، واستثفري بثوب، واحرمي. وروى ابن أبي شيبة(3) ـ بإسناده ـ عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها وهي حائض أن تقضي المناسك كلها، غير أنَّها لا تطوف بالبيت.
وفي حديث زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام في الحائض أنَّها تُعْرِّف، وتنسك مع الناس المناسك كلها، وتأتي المشعر الحرام، ترمي الجمار، و تسعى بين الصفا والمروة، ولا تطوف بالبيت حتَّى تطهر. وروى ابن أبي(4) شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن يزيد بن هارون، عن الحسين بن علي عليهم السلام، قال: تقضي الحائض المناسك كلها إلاَّ الطواف بالبيت.
مسألة [في المرأة تهل بعمرة تمتعاً إلى الحج، فلم تطهر حتى وقت الخروج إلى منى]
__________
(1) ـ في (ب): تغتسل.
(2) ـ انظر الأحكام 1/301 ـ 302 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/296 وإسناده: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، به.(48/1)
قال: وإن دخلت متمتعة بالعمرة إلى الحج، فلم تطهر إلى حين الخروج إلى منى، رفضت عمرتها،ورفضها لها أن تنوي أنَّها قد رفضتها، وتفرغت منها لغيرها، ثُمَّ تغتسل، وتلبس ثياب إحرامها ، ثُمَّ تهل بالحج، وتسير إلى منى، فتؤدي فرض/265/ حجتها(1)، فإذا تطهرت بعد انصرافها من منى، طافتـ وسعت لحجها، ثُمَّ طافت طواف الزيارة، وقد كمل حجها، وعليها دم تريقه بمنى لما كان من رفضها لعمرتها.
وهذه الجملة منصوص عليها في (الأحكام) (2).
والأصل فيه: ما روي من أن عائشة وردت مكة حائضاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي معتمرة، فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله وآله وسلم، فقال: ((دعي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتشطي، وأهلي بالحج)) ففعلت. وقلنا: أنَّها تنوي رفضها، والانصراف عنها، لقوله عليه السلام: ((دعي عمرتك)) وأقل ذلك أن تنوي الانصراف عنها، وتأخذ في عمل الحج. وقلنا: إنها تؤخر السعي إلى أن تطهر؛ لأن السعي مرتب على الطواف، وليس لها أن تطوف وهي حائض، فأما إذا كانت طافت، ثُمَّ حاضت، كان لها أن تسعى وهي حائض، لا خلاف في ذلك. وأوجبنا عليها الدم؛ لرفضها العمرة؛ لأنها(3)لم تتم ما أحرمت له فلزمها الدم، دليله المحصر.
مسألة [في المرأة ترفض العمرة لحيضها هل عليها قضاء؟]
__________
(1) ـ في (أ): حجتها.
(2) ـ انظر الأحكام 1/302 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ في (أ): لأنها لو لم.(48/2)
قال: وعليها أن تقضي تلك العمرة الَّتِي رفضتها، ثُمَّ تحرم بها(1) من أدنى الميقات من الشجرة، وإن أحبت فمن الجعرانة، ثُمَّ تطوف، وتسعى لعمرتها، ثُمَّ تقصر ثانياً من شعرها في كل مرة قدر أنملة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(2). وقلنا: إن عليها قضاء تلك العمرة؛ لأنها قد لزمتها بإحرامها بها، لا خلاف فيه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عائشة أن تقضي ما كانت رفضته، وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العمرة الَّتِي(3) أحصر فيها، وسُميت تلك عمرة القضاء. وقلنا: تقضي من بعض هذه المواضع؛ لأنها أجمع خارج الحرم، خلافاً للشافعي حين قال: تحرم من حيث كانت ابتدأت.
ووجهه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عائشة، فاعتمرت من التنعيم، وكانت أحرمت(4) من الميقات؛ ولأن عليها أن تأتي بالعمرة، فإذا أتت بها من بعض مواقيتها، أجزتها، قياساً عليها لو كانت أوجبتها على نفسها بالنذر، أو يقال: أحرمت خارج الحرم، فوجب أن يجزيها، قياساً عليها لو أحرمت من حيث ابتدأت، وقياساً على الحج بعلة أنَّها أحرمت من بعض مواقيته. وقلنا: ثُمَّ تطوف وتسعى لعمرتها؛ إذ بهما تتم العمرة. وقلنا: تقصر ثانياً؛ لأن التقصير نسك، وقدرنا ما يقصر بقدر أنملة؛ ليكون له تأثير. وروى هناد بإسناده، عن ابن عمر أنَّه قدره بأنملة، وروى نحوه عن إبراهيم.
__________
(1) ـ في (ب): لها.
(2) ـ انظر الأحكام 1/302 ـ 303 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ في (ب): حين.
(4) ـ في (ب): اعتمدت.(48/3)
باب القول في الهدي
[مسألة كم تجزي البدنة والبقرة والشاة عنه]
(تجزي البدنة عن عشرة من المتمتعين، والبقرة عن سبعة إذا كانوا من أهل بيت واحد، والشاة عن واحد)، وهو قول القاسم عليه السلام، وكذلك القول في الأضحية إلاَّ في الشاة، فإنها تجزي عن ثلاثة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (1) و(المنتخب) (2).
والأصل فيما قلنا في الجزور والبقرة: ما أخبرنا به أبو العباس الحسني، حدثنا(3) إسحاق بن إبراهيم الحديدي، أو الحريري، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثنا الليث بن سعد، عن إسحاق بن برزخ، عن الحسين بن علي عليهما السلام، قال: أمرنا رسول(4) الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نلبس أجود ما نجد، وأن نضحي بأسمن ما نجد، والبقرة عن سبعة، والجزور عن عشرة، وأن نظهر /266/ التكبير (5)، وعلينا السكينة والوقار.
وأخبرنا أبو بكر المقري، حدثنا الطحاوي، حدثنا فهد، حدثنا (6) يوسف، عن بهلول، حدثنا عبد الله بن إدريس، حدثنا محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن محزمة ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديبية يريد زيارة البيت، وساق معه الهدي، وكان سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة.
فإن قيل: فقد روي عن جابر أنَّه قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين بدنة، البدنة عن سبعة. وروي عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الجزور عن سبعة.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/301.
(2) ـ انظر المنتخب 99، 105 وهو بالمعنى.
(3) ـ في (ب): أخبرنا.
(4) ـ في (ب): النبي.
(5) ـ في (أ): يظهر التكبير وعليه.
(6) ـ في (ب): أبو يوسف بن بهلول.(49/1)