وذكر أبو العباس الحسني رحمه الله في كتاب الإبانة(1) أنَّه قول الشعبي. وروى هناد في (المناسك) نحو ذلك عن أبي موسى.
والعمدة فيه: ما أخبرنا به أبو العباس الحسني رحمه(2) الله تعالى، أخبرنا علي بن الهيثم السعدي، حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، حدثنا محمد بن آدم المصصي(3)، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج عن أبي الزناد(4)، عن ابن الزبير أو أبي الزبير ـ الشك مني ـ عن عائشة أن رجلاً وطئ بعيرُه بيضَ نعام، فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإطعام مسكين، أو صيام يوم.
وأخبرنا أبو العباس الحسني، أخبرنا علي بن محمد السعدي، أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال فرات علي دحيم: حدثكم الوليد بن مسلم، عن ابن جريج، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه آله وسلم قال في بيضة نعام يكسرها المحرم صيام يوم، أو إطعام مسكين. وروى ابن أبي شيبة(5)، عن حفص، عن ابن جريج، عن عبد الله بن ذكوان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن محرم أصاب بيض نعام، فرأى عليه في كل بيضة صيام يوم، أو إطعام مسكين.
فإن قيل: روى ابن أبي (6) شيبة وهناد جميعاً، عن عبيدة، عن أبي عروبة، عن مطر الوراق، عن معاوية بن قرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قضى في بيض النعام يصيبه المحرم بقيمته.
قيل له: يحتمل أن يكون قضى بذلك على المحرم إذا أصابه في الحرم لحرمة الحرم، ولم يذكر الجزاء الذي هو لهتك حرمة الإحرام تعويلاً على أن المقضى عليه قد عرف ذلك، ليكون جمعاً بين الأخبار.
فإن قيل: فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال عليه في كل يبضة ضراب ناقة، فما نتجت، أهداه إلى الكعبة.
__________
(1) ـ في (أ): الإمامة.
(2) ـ في (ب): رضي الله عنه.
(3) ـ في (ب): المصيصي.
(4) ـ في (أ): الزياد.
(5) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/389.
(6) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/389.(45/49)


قيل له: ذكر يحيى عليه السلام هذا الحديث واستضعفه، وعدل عنه إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنَّه أكثر وأشهر على ما بيناه؛ ولأن أحد من روى ذلك معاوية بن قرة، وقال في حديثه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن أفتى له علي عليه السلام بذلك: ((هلم إلى الرخصة، عليك بكل بيضة صيام يوم، أو إطعام مسكين))، فيحتمل أن يكون ما قاله عليه السلام قد صار منسوخاً؛ إذ السائل سأله قبل، ثُمَّ جاء بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما رواه معاوية بن قرة.
فإن قيل: فقد روي أن علياً عليه السلام أفتى به في ايام عمر، فلو كان منسوخاً، لم يفتِ به.
قيل له: يحتمل أن يكون نسخ تعيين الوجوب فيه، فإنه لو أخذ به، كان قد فعل أحد الواجبين، وينبه عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((هلم إلى الرخصة))، ويحتمل أن يكون أيضاً حكى الحكم فيه قبل أن ينسخ، فظن السامع أنَّه أفتى به، كما نقول ذلك فيما روى عنه علي عليه السلام أنَّه قال: ((لو كان الدين بالرأي لرأيت أن باطن الخفين أولى بالمسح من ظاهرهما، لكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح ظاهرهما))، على أن ما ذهب إليه يحيى عليه السلام أولى؛ لأن البيض مما له نفع عاجل، فاعتبار جزائه لما له نفع عاجل أولى من اعتباره بما لا نفع فيه عاجلاً، ولعله ألا يحصل آجلاً، وعلى أنَّه قياس سائر الأجزاء؛ بعلة أنَّه يجب أن يكون بما لَه نفع فيه حاصل، وهو أولى أيضاً من اعتبار القيمة؛ لأنه(1) الجزاء المنصوص عليه، وهو(2) أولى من اعتبار القيمة على ما سلف القول فيه من تقديم النص على الاجتهاد في مسألة العدول عن النهي.
مسألة [في المحرم يأكل لحم الصيد ما عليه؟]
__________
(1) ـ في (أ): لأن الجزاء منصوص.
(2) ـ في (ب): فهو.(45/50)


قال: وإذا أكل المحرم لحم صيد فعليه قيمته، والفدية(1)، وهو(2) صيام ثلاثة /249/ أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو دم يريقه، فإن كان هو الذي ذبحه، أو أمر بذبحه، لزمه مع ذلك الجزاء. وهذا منصوص عليه في (المنتخب) (3).
وتحصيل المذهب: أن القيمة تجب إذا أكله في الحرم؛ لتنصيص يحيى عليه السلام في غير موضع من (الأحكام) و(المنتخب) على أن القيمة تجب لحرمة الحرم دون حرمة الإحرام، فأما إذا أكله خارج الحرم وهو محرم، فالذي يلزمه الكفارة الَّتِي ذكرها(4).
ووجه ما ذهبنا إليه أنَّه انتفع بما حظر الإحرام الانتفاع به، فوجب أن يلزمه الفدية، قياساً على من انتفع باللبس، والطيب.
فإن قيل: إن ذلك من ذبيحة المحرم، وهي عندكم ميتة، فكيف قلتم أنَّه محظور بالإحرام، وهو محظور على غير المحرم أيضاً؟
__________
(1) ـ في (ب): مع الفدية.
(2) ـ في (ب): هي.
(3) ـ انظر المنتخب 103 وهو بلفظ قريب.
(4) ـ في (ب): ذكرناها.(45/51)


قيل له: يمكننا أن نجعل الدليل في الصيد الذي ذبحه الحلال خارج الحرم، ثُمَّ يلحق به غيره باعتبار ثانٍ، أو لأن أحداً لم يفصل بينهما، على أن الذي ذكروه لا يمنع أن يكون محظوراً بالإحرام، وأن يلزم فيه الفدية؛ لأن الشيء الواحد قد يحصل له وجهان من الحظر، ألا ترى أنَّه لو لبس مخيطاً من جلد خنزير، أو كلب، أو ميتة، لم يخرج من أن يكون قد أتى ما حظره الإحرام، وكانت الفدية لازمة، وإن كان لبس هذه الأشياء محظوراً على غير المحرم، وكذلك لو تطيب بطيب معجون بخمر، فبان سقوط اعتراضهم، وصحة قياسنا. وأما وجه إيجاب القيمة إذا أكله في الحرم فهو(1) أنه استهلك ما منع استهلاكه لحرمة الحرم، فوجب أن يضمن قيمته، دليله الصيد إذا قتله في الحرم، والشجر إذا عضده فيه، وهذا مما قد مضى القول فيه. ووجه إيجاب الجزاء عليه إذا كان قتله، أو أمر بقتله وهو محرم ما سلف القول فيه، فلا وجه لإعادته، على [أن] (2) إيجاب الجزاء لا خلاف فيه.
مسألة [في المحرم يرمي صيداً في الحل فيموت في الحرم، والعكس]
قال: ولو أن محرماً رمى صيداً في الحل، فأصابه، فطار حتَّى مات في الحرم، كان عليه الجزاء دون القيمة، وإن أصابه في الحرم، فطار حتَّى مات في الحل، فعليه الجزاء والقيمة معاً. وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(3).
__________
(1) ـ في (أ): أن.
(2) ـ سقط من (أ).
(3) ـ انظر المنتخب 104 وهو بلفظ قريب.(45/52)


أما إلزامه الجزاء لكونه محرماً على الوجهين جميعاً فلا إشكال فيه. وأما القيمة، فالمراعى لإيجابها وقوع القتل وهو في الحرم فمتى حصل أحد الأمرين، لزمت القيمة؛ لأنَّه يكون قد قتل صيداً في الحرم، أو جنى عليه وهو في الحرم جناية أدت إلى القتل، والجنايات الواقعة على الصيد في الحرم إذا أدته إلى القتل، كان سبيلها سبيل القتل كما بيناه في الحلال والحرام إذا دل غيره على قتل صيد في الحرم، فأما إذا لم يقع القتل، ولا الجناية المؤدية للصيد إلى القتل وهو في الحرم، وإنَّما وقعا، والصيد خارج الحرم، فيجب أن لا تلزمه القيمة؛ لأنَّه يكون قتل صيداً في غير الحرم، فإذا ثبتت هذه الجملة على الأصول المتقدمة المبينة في كتابنا هذا، وجب ما ذكرناه من أنَّه إذا رمى صيداً في الحل، فأصابه ثُمَّ طار، ومات في الحرم، فلا قيمة عليه؛ لأن الجناية وقعت في الحل، وطيرانه بعد ذلك حتَّى يحصل في الحرم ليس من فعل الرامي، وكذلك موته فيه، ويجب ـ أيضاً ـ ما ذكرناه بعد ذلك من أنَّه إذا أصابه في الحرم، فطار حتَّى مات في الحل، فعليه القيمة؛ لأن الجناية المؤدية إلى التلف وقعت والطير في الحرم، فوجب أن يلزمه القيمة.
مسألة [في المحرم يخلى كلبه فيقتل صيداً في الحرم]
قال: ولو أنَّه خلى كلبه على ظبي في الحرم، فلحقه الكلب خارج الحرم، وقتله، فعليه القيمة مع الجزاء، وكذلك(1) إن خلى كلبه عليه في الحل، فلحقه في الحرم، وقتله، فعليه القيمة مع الجزاء. وهذا منصوص عليه في (المنتخب) (2).
__________
(1) ـ في (أ): وكذلك إذا.
(2) ـ انظر المنتخب 100 وهو بلفظ مقارب.(45/53)

62 / 142
ع
En
A+
A-