قال: ولو أنَّه اشترى صيداً، أو أخذه، فنتفه، أو قصه، فالواجب عليه أن يعلفه، ويقوم عليه(1) حتَّى ينبت جناحاه، ثُمَّ يرسله، وعليه لما نتف صدقة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(2) و(المنتخب)(3). قلنا: إنَّه إنه نتفه، أو قصه، فالواجب عليه أن يعلفه، ويقوم عليه حتَّى ينبت جناحاه، ثُمَّ يرسله؛ لأن الواجب عليه أن لا يضر به؛ بدلالة أنَّه يحرم عليه صيده، ويجب عليه أن يدفع عنه الضر الذي فعله به، بدلالة ما أُجمع عليه من وجوب إرساله عليه إن اصطاده، وإعادته إلى ما كان عليه. وقلنا إنَّه يتصدق بشيء لنتفه على مقدار ما كان من ضرره، وهو قول أبي يوسف؛ لأن عِظَم ذلك الضرر الذي فعل، قد لزمه، بدلالة أنَّه إن لم يعد إلى ما كان عليه، فلا خلاف أنَّه يضمنه، وكذلك إذا عاد خلافاً لأبي حنيفة؛ ولأنا إذا أوجبنا لإفزاعه صدقة على ما مضى، فالأولى أن توجب للنتف والقص؛ إذ هما أعظم ضرراً من الإفزاع، وقد بينا أن الأصل في جميع هذا المجرى قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((لا يُنَفَّرُ صيدها)).
مسألة [في المحرم يصطاد صيداً ثم يرسله الحلال)
قال: ولو أن محرماً اصطاد صيداً، ثُمَّ أخذه منه حلال، فأرسله، لم يكن عليه فيه شيء، ولكن عليه صدقة بقدر إفزاعه. وهذا منصوص عليه في (المنتخب) (4).
وتحصيل المذهب أنَّه لا جزاء على المحرم، ولا ضمان على المرسل.
__________
(1) ـ في (ب): به.
(2) ـ انظر الأحكام 1/327 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ انظر المنتخب 101 وهو بلفظ قريب.
(4) ـ انظر المنتخب 102 وهو بلفظ قريب.(45/44)


ووجه قولنا أنَّه لا جزاء على المحرم؛ لأنَّه قد عاد ـ أعني الصيد ـ على(1) ما كان عليه، ولم يستهلكه، فيجب ألا يكون عليه الجزاء، كما أنَّه لو كان هو المرسل [وأما ظمانه] (2) فقد اختلف فيه؛ فقال أبو حنيفة: إن كان اصطاده وهو محرم، فأخذه حلال، فأرسله، فلا ضمان عليه، وإن كان اصطاده وهو حلال، فأرسله، ضمن. وقال الشافعي: لا يضمن المرسل على القول الذي تقول أن إرساله واجب على المحرم، وقال أبو يوسف، ومحمد: لا يضمن في شيء من الأحوال، مثل قولنا.
ووجه ما ذهبنا إليه ما بيناه فيما مضى من أنَّه لا يجوز إمساكه بوجه من الوجوه، وأن سبيله في إمساكه سبيل الغاصب، فإذا ثبت ذلك، لم يلزم المرسل ضمانه؛ لأنَّه بمنزلة من أخرج الغصب من يد غاصبه، ورده إلى حيث استحق، وإذا لم يخالف أبو حنيفة أن المحرم إذا اصطاده في حال إحرامه، فلا ضمان على مرسله، وجب ألا يضمنه المرسل، وإن كان المحرم اصطاده قبل الإحرام، والمعنى أنَّه أزال يداً ظالمة عن الشيء، ورده إلى حيث استحق، وليس يمكنهم أن يقولوا: إنَّه أبطل ملكه؛ لأن الصَّحيح عندنا أن ملك المحرم زائل عن الصيد على ما بيناه فيما تقدم، فسبيله عندنا سبيل المسلم إذا كان في يده الخمر فأراقه غيره أنَّه لا يضمنه؛ لأنَّه فعل ما كان يلزم مَنْ كان في يديه(3) فعله بعينه، من غير أن يكون صحة فعله من شرطها النية.
فإن قيل(4): أليس لو جاء رجل فأخذ زكاة مال غيره، فأخرجها إلى الفقراء بغير إذنه، ضمنها لصاحب المال، فما أنكرتم على من قال: إن ذلك حكم المرسل للصيد؟
__________
(1) ـ في (أ): إلى.
(2) ـ ما بين المعكوفين سقط من (أ) و (ب): وظنن عليه في الهامش.
(3) ـ في (ب): يده.
(4) ـ في (أ): قال.(45/45)


قيل له: وجب الضمان في الزكاة؛ لأن عين ما أخرجه إلى الغير لم يلزم صاحب المال، بل كان له الخيار في أن يخرجه، أو يخرج غيره إن شاء، وليس كذلك حال الصيد، فإن المحرم قد تعين عليه فرض إرساله، فكان حكمه حكم الخمر التي يريقها الغير، وحكم الغصب إذا أخرجه غير الغاصب من يد الغاصب، ورده إلى حيث استحق، على أن الزكاة تفتقر إلى النية؛ ليكون بها قربة وزكاة، وليس كذلك حكم إرسال الصيد؛ لأن المحرم لا يحتاج لإرساله إلى نية، ألا ترى لو انفلت من /247/ يده وطار، أجزأه، فهو بحكم إراقة الخمر، وإخراج الغصب من يد الغاصب أشبه، على أنا إذا دللنا على أن ملك المحرم يزول عنه، فلا كلام بعده في المسألة. وأما الصدقة بقدر إفزاعه، فقد تكرر الكلام فيه في مواضع، فلا حاجة لنا إلى إعادته.
مسألة [في حكم الجماع بعد رمي جمرة العقبة والحلق، وفي حكم جماع المتمتع قبل التقصير]
قال: وإن جامع الحاج بعد ما رمى جمرة العقبة، وحلق، لم يفسد حجه، ووجب عليه دم، وكذلك المتمتع إذا جامع قبل أن يقصر، وقد طاف وسعى، فأكثر ما عليه دم.
وقال القاسم عليه السلام في المتمتع الذي يجامع بعد الطواف والسعي، وقبل التقصير، إن لم يرق دماً، فأرجو ألا يكون عليه بأس.
قال: وإراقته أحب إليَّ. ما ذكرناه أولاً منصوص عليه في (الأحكام) (1)، وما حكيناه عن القاسم عليه السلام مروي عنه في (الأحكام)(2) وروي نحوه عن النيروسي.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/313 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر الأحكام 1/313 وهو بلفظ قريب.(45/46)


و(1) تحصيل المذهب أنَّه إذا جامع بعد الرمي لا يفسد حجه، وإن لم يكن حلق، وقد ذكره أبو العباس الحسني في (النصوص)، ودل عليه كلام يحيى عليه السلام أن المتمتع إذا جامع قبل أن يقصر، وقد طاف، وسعى، فأكثر ما عليه دم؛ لأن التقصير والحلق للمعتمر بعد السعي، كالتقصير والحلق للحاج بعد الرمي، فتصريحه بأن حصول الجماع للمعتمر قبل التقصير لا يفسد عمرته، أبانه أن حصوله للحاج قبل الحلق لا يفسد حجه، وهو قول عامة الفقهاء.
وروى ذلك(2) ابن أبي شيبة ـ بإسناده ـ عن ابن عباس. وذهب محمد، وزيد، ابنا علي عليهم السلام إلى أن من جامع قبل طواف الزيارة، كان عليه الحج من قابل. وروى ابن أبي شيبة ذلك عن محمد بن الحنفية، وابن عمر(3).
__________
(1) ـ في (أ): وعند تحصيل.
(2) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/238.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/360 ـ 361.(45/47)


ووجه ما ذهبنا إليه أن هذا الوطء لم يصادف إحراماً صحيحاً، فكان حكمه كحكمه لو وقع بعد طواف الزيارة، أو يقال: هو وطء صادف حالاً يجوز فيها اللبس والطيب، فوجب أن لا يفسد الحجْ قياساً عليه إن جامع بعد طواف الزيارة، وليس لهم أن يقولوا: إن بعد طواف الزيارة لم يبق شيء من الحج؛ لأن من طاف طواف الزيارة يوم النحر يكون قد بقي عليه رمي في باقي أيام التشريق، ويكون قد بقي عليه طواف الوداع، على أن الجماع إنَّما كان مفسداً للحج من حيث أفسد الإحرام المقتضى، وكذلك إذا وقع بعد الاعتكاف، لم يجب أن يفسد الاعتكاف المقتضى كما أن من أحد تعبد الخروج من الصلاة لم تفسد صلاته، وإن صادف ذلك حال بقاء حرمة الصلاة ووجوب سجدتي السهو، وكذلك الجماع قبل فعله وإن كان لو جامع لم يفسد صلاته إذا حصل الجماع بعد الخروج من الصلاة. فأما(1) المتمتع إذا جامع قبل التقصير بعد الطواف والسعي فإن عمرته لا تفسد لما بيناه من قبل، وهو أن إحرامه قد انقضى بالطواف والسعي، والجماع إذاً لم يصادف حال الإحرام، إلاَّ أنَّه لما بقي عليه نسك وهو التقصير، أو الحلق، قلنا أنَّه يريق دماً.
ووجه ما ذكره القاسم عليه السلام من أن هذا الدم مستحب، وأنه ليس بواجب، أنَّه لم يبقَ عليه ما هو ركن للعمرة كما بقي على الحاج ما هو ركن للحج، وهو طواف الزيارة ، ويعني بالركن ما لم يتم الحج والعمرة دونه، فلما كان هذا هكذا، رأى أن الأمر في الجماع بعد سعي العمرة قبل التقصير أخف، فجعل الدم فيه استحباباً.
مسألة [في المحرم يكسر بيض النعام]
وقال: وفي بيض النعام إذا كسره المحرم، أو وطأته راحلته، في كل بيضة صيام يوم، أو طعام مسكين. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (2). وقد روى ابن(3) أبي شيبة /248/ مثل قولنا، عن ابن مسعود، وابن سيرين.
__________
(1) ـ في (ب): وأما.
(2) ـ انظر الأحكام 1/325 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/389 ـ 390.(45/48)

61 / 142
ع
En
A+
A-