وقضى علي، وابن عباس، وعمر، في الضبع بكبش(1). وقضى عمر، وعبد الله، في اليربوع بجفزة.
وروى هناد بإسناده، عن عمر، أنَّه قضى في الضب بجدي. وروى ـ بإسناده ـ عن عمر، وابن عباس، وعثمان، في الحمام بشاة، وروى نحوه، عن ابن عمر، وروى هناد بإسناده، عن عطاء، عن ابن عباس، كل حمامة سمتها(2) العرب حمامة، ففيها شاة. وروى ـ أيضاً بإسناده ـ عن عطاء، عن ابن عباس، قال في القمري، والدبسي، والحجل، واليعقوب، والحمام الأخضر، شاةً شاة، فلما وجدنا الصحابة حكموا في هذه الأشياء بما ذكرنا حكماً واحداً، ولم يراعوا اختلاف الأحوال، والأزمنة، والأمكنة، مع علمنا أن القيم تختلف باختلاف ما ذكرنا، علمنا أنهم لم يراعوا التقويم بتة، فإذا بطلت مراعاة التقويم، صح ما ذهبنا إليه من أن الواجب مراعاة الخلقة، وما جرى مجراها، ومما يكشف أنهم لم يراعوا التقويم، أنَّه لم يُروَ عن أحد منهم أنَّه حين سُئل عن قتل شيء منها، تَعرَّفَ حاله، في صغره، وكبره، وسمنه، وهزاله، ومكانه، بل أطلق القول والجواب، وكل ذلك مما يتغير به القيم، فلو كانت القيم تراعى، لكانوا يسألون عن أحولها الموجبة لتغيير قيمتها، وفي إغراضهم عن ذلك دلالة على أنهم راعوا الخلقة، وما جرى مجراها.
ومما يدل على أنَّه لا يجب أن يراعى فيها القيم، أنَّه إتلاف حيوان، أوجب إتلاف حيوان فوجب أن لا تراعى فيه التقويم، دليله القصاص بين العبدين، ويدل على ذلك أنَّها كفارة قتل يدخل فيها الحيوان، فوجب أن لا يراعى فيها القيمة، دليله كفارة القتل.
فإن قاسوا ما اختلفنا فيه على ما استُهلك من سائر الحيوان في باب الضمان، كان ذلك شاهداً لقياسنا؛ لأنَّه لما لم يكن إتلاف حيوان وجب عليه إتلاف حيوان، وجب أن يراعى فيه القيمة، وكذلك لما لم يكن الضمان ضمان الكفارة(3) وجب أن يراعى فيه القيمة.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/254 ولم يذكر عمر.
(2) ـ في (ب): تسميها.
(3) ـ في (أ): الكفارة.(45/24)
فصل [في من لزمته شاة وأحب العدول إلى الإطعام والصيام]
فإذا ثبت ما ذكرناه من أن الاعتبار في الجزاء مماثلة الخلقة، قلنا: من لزمته شاة، وأراد العدول عنها إلى الصيام، صيام عشرة أيام، وإن أراد العدول عنه إلى الإطعام، أطعم عشرة مساكين؛ لأن الله تعالى قال: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَىْ الْحَجِّ مِمَّا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وقد عُلم أن أدناه شاة، لا خلاف في ذلك، ثم قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِيْ الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}، وقيل في التفسير كاملة في معادلة الشاة، ثُمَّ جعل تعالى في كفار الظهار بدل كل يوم من الصيام إطعام مسكين بقوله تعالى: {فَمَنْ لَّمْ /238/ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مَتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِيْنَ مِسْكِيْناً}، وهكذا ورد، والسنة في كفارة شهر رمضان، ولا خلاف في فدية صوم رمضان إن إطعام مسكين يقوم مقام صيام يوم، فلذلك قلنا: أنَّه إن عدل عن الصيام إلى الإطعام، أطعم عشرة مساكين.
فإن قيل: فهلا اعتبرتم بصيام فدية الأذى، وإطعامه(1)؟
قيل له: أما الإطعام، فلا خلاف أنَّ الاعتبار فيه ما اعتبرناه؛ لأن الجميع على اختلافهم في أحكام الجزاء، لم يختلفوا أن صيام يوم، وإطعام مسكين، يقوم كل واحد منهما مقام صاحبه، فلا سؤال علينا فيه، وأما صيام الفدية فهو أيضاً، مما لم يعتبره أحد في بدل الشاة إلاَّ في الموضع الذي ورد فيه النص على أن فدية الأذى ورد حكمها مخالفاً المأصول؛ لأنا لم نجد في شيء من الأصول إطعام مسكين مقام صوم يوم واحد، فلما كان حكمه وارداً بخلاف حكم الأصول، كان الاعتبار الذي اعتبرناه أولى من الاعتبار بحكمها.
__________
(1) ـ في (ب): طعامه.(45/25)
فإن قيل: فما الدليل على أن الاعتبار الذي ذكرتم أولى من اعتبار قيمة الشاة والطعام، أو اعتبار قيمة الصيد والطعام؟
قيل له: الدليل على ذلك أنا وجدنا الجزاء الذي هو الهدي(1) لا يدخله التقويم [فكذلك الإطعام] (2) قياساً عليه، والمعنى أنَّه جزاء صيد له مَثل مطلوب، فكل جزاء صيد له مثل مطلوب لا يدخله التقويم، وأيضاً وجدنا كفارة الأذى متى عدل فيها من جنس إلى جنس، عدل بغير تقويم، فوجب أن تكون كذلك كفارة قتل الصيد؛ والعلة أنَّها كفارة [قتل](3).
فإن قيل: فكيف قستم على فدية الأذى، وقد قلتم أن حكمها ورد مخالفاً لحكم الأصول؟
__________
(1) ـ في (أ): الإطعام.
(2) ـ سقط من (أ).
(3) ـ سقط من (ب).(45/26)
قيل له: إنَّما أردنا بذلك حكماً واحداً، وهو تقدير الصيام، بالإطعام، والنسك ، فأما في الوجه الذي قسنا عليه، فلم نقل ذلك، كيف والكفارة كلها شاهدة لما ذكرناه ألا ترى أن كفارة القتل، وكفارة الظهار، وكفارة اليمين، وكفارة صيام شهر رمضان، متى عُدِل في شيء منها إلى جنس، لم نعتبر فيه القيمة. ومما يؤكد ما ذهبنا إليه أن اعتبارنا يستند إلى النص، واعتبارهم يستند إلى اجتهاد بعد اجتهاد، والاعتبار المستند إلى النص يجب أن يكون أقوى من الاعتبار المستند إلى الاجتهاد، كما(1) أن النص أقوى من الاجتهاد، يكشف ذلك أنا رجعنا في اعتبارنا إلى الصيام المنصوص عليه في بدل الشاة، وهم رجعوا في اعتبارهم إلى تقويم الجزاء أو الصيد على حسب الخلاف فيه، والتقويم ضرب من الاجتهاد، ثُمَّ رجعوا بعد هذا التقويم إلى اجتهاد آخر وهو تقويم الإطعام، ثُمَّ أسندوه إلى تقديره بالصيام الذي هو المنصوص عليه، فبان أن اعتبارنا وليه النص، وأن اعتبارهم وليه الاجتهاد بعد اجتهاد وليه النص، فوضح ما ادعيناه من قوة اجتهادنا، وترجيحه على اجتهادهم، ووجه آخر وهو أنا اعتبرنا الإطعام، وهو أضعف رتبة في الكفارات، بالصيام الذي هو أقوى رتبة فيها، وهم اعتبروا الصيام الذي هو الأقوى، بالإطعام الذي هو الأضعف، وهذا خلاف موضوع الاعتبار؛ لأن لاعتبار موضوع على أن يُرد الأضعف إلى الأقوى.
فإن قيل: ولم ادعيتم أن الإطعام أضعف رتبة في الكفارة من الصيام؟
قيل له: لأنا وجدنا الصيام ثبت في أغلظ الكفارات دون الإطعام وهو كفارة القتل، ووجدنا كفارة الظهار رُتب فيها الصيام على الإطعام، وكذلك كفارة الصيام عند أكثر العلماء، فدل ذلك على ما ذكرناه من قوة /239/ رتبة الصيام في الكفارات.
فإن قيل: فقد أُخِرت رتبه الصيام في كفارة اليمين عن(2) رتبة الإطعام؟
__________
(1) ـ في (أ): كما.
(2) ـ في (ب): على.(45/27)
قيل له: قد حصلت له قوة أخرى، وهي أنَّه جعل صيام ثلاثة أيام بدل إطعام عشرة مساكين، ووجدنا أيضاً في فدية الأذى قد حصلت له هذه المزية، ولا مزية إلاَّ ما ذهبنا إليه من استيفاء تقدير الإطعام منه، فصح ما ذكرناه.
فصل [فيمن لزمته بدنة أو بقرة، وأحب العدول إلى الصيام أو الإطعام]
فإذا ثبت في الشاة ما ذكرناه، وجب أن يَعدل عن البقرة ـ من أراد الصيام ـ إلى صيام سبعين يوماً؛ لأنَّه لا خلاف أن البقرة تقوم مقام سبع شياة في الهدايا عند عامة العلماء، وقد دلت الدلالة على ذلك على ما نبينه في موضعه. وجب(1) أن يَعدل عن البدنة من أراد الصيام إلى صيام مائة يوم؛ لأن الدلالة عندنا قد دلت على أن البدنة تقوم مقام عشر شياة في الهدايا نستقصي الكلام فيه في مواضعه(2) إذا أتينا إليه إن شاء الله تعالى، فإذا ثبت أن من أراد العدول في المسلمين عن الصيام إلى الإطعام، أطعم المساكين بعدد الأيام، إذ لا خلاف أن الإطعام يجب أن يكون بعدد الصيام، وقد دلت الدلالة على ذلك على ما بيناه.
مسألة [في جزاء قتل النعامة، وحمار الوحش، وبقرة الوحش، والظبي، والوعل، والثعلب، والحمام، والدبس، والقمري، والرحمة، واليربوع، والضب، والضبع].
قال: ومن قتل نعامة، فعليه بدنة. وفي حمار الوحش بقرة، وكذلك في بقرة الوحش، وفي الظبي شاة، وكذلك في الوعل، والثعلب، والحمام، وكذلك في الدبسي، والقمري، والرحمة شاة شاة. وفي اليربوع، والضب، عناق من المعز. ومن قتل ضبعاً، فعليه شاة إن قتله في موضع لا يفترس فيه، فإن(3) قتله في موضع يفترس فيه، فليس عليه فيه شيء. وهذه الجملة منصوص على بعضها في (الأحكام)(4) وعلى بعضها في (المنتخب) (5).
__________
(1) ـ في (أ): فوجب.
(2) ـ في (ب): موضعه.
(3) ـ في (ب): وإن.
(4) ـ انظر الأحكام 1/234.
(5) ـ انظر المنتخب 150 وهو بلفظ قريب.(45/28)