أخبرنا أبو الحسين البروجردي، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثني علي بن الجعد، حدثنا عبد العزيز بن الماجشون، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((لا جُناح في قتل خمس من الدواب: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والغراب، والحدأة)).
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا محمد بن خزيمة، حدثنا علي بن معبد، حدثنا موسى بن أعين، عن يزيد بن أبي زياد، عن زيد بن أبي نعيم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يقتل المحرم الحية، والعقرب، والفأرة الفويسقة)). قال يزيد: عَدَّ غير هذا، فلم أحفظه(1).
وروى ابن أبي(2) شيبة، حدثنا ابن فضيل، عن زيد بن أبي زياد، عن ابن أبي نعيم، عن أبي سعيد الخدري أنَّه قال: يقتل المحرم الحية والعقرب والسبع العادي والكلب العقور والفأرة.
__________
(1) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/166 وفيه حدثنا محمد بن حميد.
(2) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/351 وفيه عن ابن أبي نعم، وقال فيه: والفأرة الفويسقة فقيل له: لم قيل الفويسقة؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استيقظ بها وقد أخذت فتيلة تحر بها البيت.(44/18)
وروى ابن أبي(1) شيبة حدثنا علي بن مسهر، عن عبيد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خمس من الدواب، لا جُناح على من قتلهن، وهو محرم: الفأرة والعقرب، والغراب، والحدأة، والكلب العقور)). فلما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إباحة قتل هذه الخمسة، قلنا: إن للمحرم قتلهن على كل حال. وأما الكلب، فلم يذكر في شيء من الأخبار /216/ مطلقاً، وإنَّما ذكر مقيداً بالعقر، فلذلك قلنا: إن قتله يجوز إذا خشي عقره، وليس هو شيء يختص المحرم به؛ لأن المحرم، وغير المحرم فيه سواء؛ لأنَّه ليس من الصيد، ولا يبعد أن يكون المراد به الذئب، فإن الذئب قد يقال فيه(2): إنَّه كلب، هذا إن حصل للمحرم بإباحة قتله ضرب من الاختصاص. فإن قيل: فكيف قلتم أن الغراب يقتله المحرم، وروى أبو داود يرفعه إلى يزيد بن أبي زياد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعيم، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عما يقتل المحرم، فقال: ((الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب، ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي)).
قيل له: روي في أخبار كثيرة قتل الغراب، فيجوز أن يكون وجه الجمع بين هذين الخبرين، وبين غيره، أن المحرم مخير بين أن يرميه ولا يقتله، وبين أن يقتله، كأنه قال صلى الله عليه وآله وسلم إن شئت، فارمه، ولا تقتله، وإن شئت، فاقتله؛ ليكون ذلك جمعاً بين الأخبار، ولتصير الأخبار كلها كاللفظة الواحدة، فأما سائر السباع فلا خلاف أن للمحرم قتلها إذا عَدَتْ، وخشي ضررها وإنَّما الخلاف إذا لم يخش ضررها. قال الشافعي: يجوز قتل مالا يؤكل لحمه. وقال أبو حنيفة: لا يجوز قتلها إلاَّ أن تعدو عليه.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 3/349 وفيه عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن جبير، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله...
(2) ـ في (ب): له.(44/19)
ووجه ما ذهبنا إليه قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} وقوله تعالى: { غَيْرَ مُحِلِّي اْلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} والصيد اسم كل متوحش، الأصل الذي لا يؤخذ إلاَّ على وجه الصيد، ولا يتميز المأكول من ذلك من غير المأكول.
فإن قيل: في الآية ما يدل على أن المراد به المأكول؛ لأنَّه تعالى قال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ..} الآية، فكان التحريم من صيد البر، كمثل ما أحل من صيد البحر.
قيل له: هذا لا يجب، وذلك أنَّه لا يمتنع أن يكون المراد بآية التحليل المأكول من صيد البحر، ويكون المراد بالتحريم من صيد البر ما يتناوله الاسم على طريق العموم، بل هذا هو الواجب؛ لأنَّه لا يجب أن تحمل بعض، الآيات على بعض إذا كان الكل منها يصح أن يستقل بنفسه.
فإن قيل: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((والكلب العقور)) يشتمل الأسد، والذئب، ونحوهما.
قيل له: اسم الكلب لا يتناول هذه السباع إلاَّ على ضرب من المجاز، فلا يجوز حمل الحديث عليه، على أن وصفه بالعقور يقتضي جواز قتله لصفة زائدة.
وروى ابن أبي(1) شيبةّ، حدثنا نمير بن حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن علي عليه السلام قال في الضبع: ((إذا عدا على المحرم، فله قتله، فإن قتله من قبل أن يعدو عليه، فعليه شاة مسنة)) ولا خلاف أن المحرم لا يجوز له قتل بقر الوحش، والظبي، وكانت العلة فيهما أنهما متوحشان في الأصل، لم يَخْشَ المحرم ضررهما، والذي يدل على أن الحكم تعلق في الأصل بالتوحش أنا وجدنا بقر الوحش قد شارك البقر الأهلي في صفاته إلاَّ لتوحش، وكذلك الضبي شارك المعز في صفاته إلاَّ لتوحش، فبان بذلك صحة ما ادعيناه من تعلق الحكم به.
فإن قيل: علتكم تنتقض بالغراب والحدأة.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/425 وفيه حدثنا ابن نمير عن حجاج.(44/20)
قيل له: إن شئنا، قلنا أن الاحتراز قد وقع منها إن كان المحرم لم يخش الضرر، وهما مما نبه الشرع على أنَّه خشي ضررهما على كل حال، وإن /217/ شئنا قلنا: تخصيص العلة، فإنه ليس يبعد على أصولنا، فنقول: إن النص خصهما من جملة القياس.
فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم أن سائر ما لا يؤكل لحمه يقاس على الحدأة، والكلب العقور؟
قيل له: المخصوص من القياس لا يجوز القياس عليه؛ لأنَّه يؤدي إلى إبطال القياس الذي وقع التخصيص منه، على أنَّه إن قيس عليه، كان قياسنا أولى؛ للحظر، والاستناد إلى الظواهر الَّتِي ذكرناها؛ ولأنه أذهب في الباب الذي وضع الإحرام عليه من توقي القتل. وحُكي عن قوم أن السبع فيه الجزاء، وإن عدا، وهذا لا معنى له؛ لأن الله تعالى قرن إيجاب الجزاء بالمنع من القتل، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ..} الآية، فإذا ثبت ذلك، وثبت أن السبع إذا عدا على المحرم أن له قتله، ولم يلزمه الجزاء. وهو قياس على الجزور، والبقر الأهلي، أنَّه غير منهي عن قتله للإحرام، وهذا قياس أولى من القياس من قاسه على الحلق للأذى في إيجابه الفدية؛ لأن القتل بالقتل أشبه ولا خلاف في أن رجلاً لو أراد قتله، فقتله دافعاً له عن نفسه، لم يضمن له شيئاً، وكذلك نقول فيمن صال عليه جمل، فقتله، أنَّه لا يضمنه، فصارت هذه الأصول شاهدة لنا.
وأما سائر هوام الأرض، فقلنا أنَّه يقتلها إذا خشي ضررها؛ لأنَّه لا خلاف فيه، وأما إذا لم يخش ضررها، وقتلها، فيجب أن يتصدق عنها بطعام على ما نص عليه القاسم عليه السلام في (مسائل النيروسي) في النملة، والبعوضة، ووجه ذلك أنَّه مما توحش، ولا يستأنس.
وروى ابن أبي(1) شيبة ـ بإسناده ـ عن ابن عمر أنَّه كان يقول في الجرادة قبضة من طعام.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/425 وإسناده حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن سفيان، عن علي بن عبد الله، به.(44/21)
وروي(1) عن محمد بن علي عليهما السلام، وعطاء، ومجاهد، وطاووس، أنهم كانوا يقولون في الجنادب والقطة(2) والجراد، والذر، إن قتله عمداً، أطعم شيئاً، وعن عمر تمرة خير من جرادة.
وروى ابن أبي شيبة ـ بإسناده ـ عن الضحاك، عن ابن عباس قال: ((في الجرادة قبضة من الطعام)) (3).
مسألة [في عصر الدماميل، ونزع الشوك، وقلع الضرس، للمحرم]
قال: ولا بأس أن يعصر الدماميل، إذا آذاه وعيها وأن يخرج من رجله الشوك، وإن احتاج لإخراجه إلى قطع شيء من جلده حتَّى يدمي الموضع، فعليه دم، وإن دمىلأثر الشوكة وإخراجها،لا للقطع، فلا شيء عليه، وإن ضرب عليه ضرسه، قَلعه وعليه دم. نص في (الإحكام) (4) على أن للمحرم أن يعصر الدماميل، ويخرج من رجله الشوك. ونص في (المنتخب) (5) على سائر ما ذكرنا إلى آخر الفصل.
قلنا: إن للمحرم(6) يعصر الدماميل، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه آله وسلم احتجم، وهو محرم، وسنذكر ما ورد فيه بعد هذا، فإذا ثبت ذلك، ثبت ما ذكرناه من جواز عصر الدماميل؛ لأن عصرها ليس أكثر من الاحتجام، وليست المدة فيها غير دم متعين، فإذا جاز إخراج الدم جاز إخراج ما فيها.
وكذلك الشوك هو دون الدم؛ لأنه شيء حصل فيه من خارج، وليس هو من جملته، فهو أولى بأن يجوز إخراجه، على أنَّه لا أحفظ في ذلك خلافاً، فأما قطع الجلد على الوجه الذي ذكر فيه، فوجه وجوب الفدية فيه ما ثبت من وجوبها في حلق الشعر، فوجب أن يثبت في قطع الجلد؛ لأن جلد المحرم قد ثبت له حرمة، كما ثبت لشعره؛ لأن كونه من جملة المحرم أوكد من كون الشعر من جملته.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/426.
(2) ـ في (أ): العظا.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/426، ولكن أخرجه عن الضحاك بإسناد، وعن ابن عباس بآخر، ولم يذكر في سند عن الضحاك، عن ابن عباس.
(4) ـ انظر الأحكام 1/297 وهو بلفظ قريب.
(5) ـ انظر المنتخب 101 وهو بلفظ قريب.
(6) ـ في (أ): للمحرم.(44/22)