أن لا يفعله.
فإن قيل: فكيف قلتم أنَّه إن أعاد الطواف أجزاه، وقد حكى يحيى عليه السلام عن قوم أنهم قالوا: يعيد، ويذبح إن أمكن ذلك؟
قيل له: إنه أنكر قول من قال بوجوب إعادة الطواف، والذبح، وذلك كما قال لا معنى له، وإنَّما يقول: إنَّه إن عاد فلا ذبح عليه، فوجب عليه أحد الأمرين الإعادة أو الدم.
مسألة [فيمن طاف أكثر من سبعة أشواط]
قال: ولو أن رجلاً غلط، فطاف ثمانية أشواط، رفض الثامن إن شاء، ولم يكن عليه شيء. وهذا منصوص عليه في (المنتخب) (1).
ووجهه أن الدخول في الثامن لا يوجبه عليه، كما يقول فيمن دخل في صلاة غير واجبة، ثُمَّ قطعها، أو في صوم غير واجب، فقطعه، أنَّه لا شيء عليه، والمعنى أنَّه عبادة ليس من شرط صحتها الإحرام. المحفوظ على أنَّه إذا دخل في الطواف /202/ ونوى طوافاً واحداً، فإن نيته تكون لسبعة أشواط، فإذا طاف الثامن بغير عقد نية له، فيجب أن لا يكون له حكم، ويكون بمنزلة من سعى في موضع الطواف لحاجته في أنَّه لا يكون طائفاً، فوجب أن يكون وجوده كعدمه.
مسألة [في تقديم الحلق على الذبح]
قال: ولو أنَّه نسي، فحلق قبل الذبح، فليس عليه شيء.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب) (2). وهو قول أبي يوسف، ومحمد، والشافعي، والأصل فيه ما: أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا محمد بن شجاع، حدثنا المعلى بن منصور، أخبرنا هشيم، عن منصور، عن عطاء، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُئل عمن حلق قبل أن يذبح، ونحو ذلك، فجعل يقول: ((لا حرج)) (3).
__________
(1) ـ انظر المنتخب 108 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر المنتخب 111 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/235.(43/45)


وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا أبو بكرة، حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ريبعة، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي عليه السلام، قال: جاء(1) رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله: إني أفضت قبل أن أحلق، قال: ((أحلق ولا حرج)) قال: وجاءه رجل آخر، فقال: يا رسول الله: إني ذبحت قبل أن أرمي، قال: ((ارم، ولا حرج)). والحرج الضيق، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم يفيد جوازه، ويجري مجرى قول القائل: لا حرج في تأخير الظهر إلى وقته. يريد أنَّه جائز ويجري مجرى قوله: ((لا حرج في تأخير الحج)) أي أنَّه جائز، فإذا ثبت جوازه، فيجب أن لا يكون على من فعله شيء، خلافاً لأبي حنيفة في إلزامه إياه دماً.
فإن قيل: فقد روي عن ابن عباس أنَّه قال: من قَدَّم من حجه شيئاً، أو أَخَّر، فليهرق دماً.
قيل له: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بأن يستعمل، ونبني عليه قول ابن عباس، حتَّى يكون خاصاً في غير ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قيل: فهذا يوجب أن يكون ذلك جائز للمتعمد والناسي، وقد قال في (المنتخب)(2): إن ذلك يجب أن يتعمد، وكرهه.
قيل له: أما التعمد فلا خلاف في أنَّه يكره له ذلك، ويدل(3) عليه قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يبلغ الهدي محله} فصار الخبر متناولاً للناسي وللجاهل، وقد روي ما يدل على أن المراد هو الناسي والجاهل.
__________
(1) ـ في (ب): أتى.
(2) ـ انظر المنتخب 111.
(3) ـ في (ب): دل.(43/46)


أخبرنا المقرئ، حدثنا الطحاوي(1)، حدثنا ابن أبي داود، حدثنا أبو ثابت محمد بن عبد الله، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن أبيه، عن عبيد الله بين أبي رافع، عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأله رجل في حجته، قال: إني رميت، وأفضت، ونسيت ولم أحلق، قال: ((احلق ولا حرج))، ثُمَّ جاء رجل آخر فقال: إني رميت، وحلقت، ونسيت أن أنحر، قال: ((انحر، ولا حرج)).
وروي عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحو ذلك، وفيه ثُمَّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((عباد الله، وضع الله الحرج والضيق، فتعلموا مناسككم)) فدل ذلك على أن الخطاب ورد في الجاهل والناسي.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد في ذلك من يكون هديه تطوعاً.
قيل له: ابن عباس روى في الحديث الأول أنَّه قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من حلق قبل أن يذبح، فلا حرج)) وهذا عام لا /203/ يُخص إلاَّ بالدليل، وجوابه صلى الله عليه وآله وسلم للسائل من غير أن يتعرف(2) حال هديه. قال زيد بن علي: الواجب والتطوع في ذلك سواء.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون ذلك على رفع الإثم؟
قيل له: لا تختص هذه المسألة؛ لأن الناسي لا إثم عليه في شيء مما يقع منه على جهة النسيان، فلا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة أنَّه من قدم الحلق على الذبح الذي للتطوع، لا يلزمه دم، وكذلك إذا قدمه على ذبح الواجب، والمعنى أنَّه تقديم الحلق على الذبح، ولا خلاف أنَّه إن فعلهما مرتباً، فلا شيء عليه، فكذلك إن قدم الحلق، والمعنى أنَّه وقع كل واحد من هذين النسكين في زمان هو زمانه.
__________
(1) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/237 وفيه: أبو ثابت محمد بن عبيد الله، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، أراه، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي عليه السلام.
(2) ـ في (ب): يعرف.(43/47)


مسألة [فيمن يطوف طواف الزيارة جنباً، أو حائضاً أو ينسى الطواف جنباً ناسياً]
ولو أنَّه طاف طواف النساء، أو طافت امرأة حائضاً، فعليهما إعادته إن كانا بمكة، وإن كانا قد لحقا بأهلهما، فعلى كل واحد منهما بدنة، ومتى رجعا قضيا ذلك الطواف، ولو أنَّه نسي طواف النساء، فعليه الرجوع من حيث كان، ويكون حاله حال المحصر، فإن جامع قبل أن يعود فيقضيه، كانت عليه بدنة، ولا يجزي الطواف إلاَّ بالطهور. ما ذكرناه فيمن طاف طواف النساء جنباً منصوص عليه في (الأحكام) (1)، ونص أيضاً فيه أنَّه إن طاف من غير أن يستكمل الطهارة، استكملها، وأعاد الطواف.
وتحصيل المذهب على أن من طاف من(2) غير طهور يكون طوافه ناقصاً نقصاً لا بد معه من الإعادة، أو الجبر بالدم، وهذا هو المراد بقولنا: لا يجزي الطواف إلاَّ بطهور؛ لا أن الطهور شرط فيه كالصلاة، وهذا هو مذهب أبي حنيفة. قال الشافعي: هو شرط في الطواف. والدليل على ذلك قول الله تعالى: {ثُمَّ لِيُقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلِيُوفُوا نُذُورَهُمْ..} الآية، فأمر بالطواف، ولم يشترط الطهارة، ولا خلاف أن الوقوف، والإحرام، لم تُجعل الطهارة شرطاً فيهما، فكذلك الطواف، والمعنى أنَّه ركن من أركان الحج، وهو قياس سائر العبادات، بمعنى أن الكلام لا يجزم فيه، فوجب(3) أن لا تكون الطهارة شرطاً فيه، ويقوي علتنا هذه سائر ما يختص الحج من الذكر وغيره.
فإن قيل: فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمى الطواف صلاة لقوله: ((الطواف بالبيت صلاة إلاَّ أن الله عز وجل أباح لكم أن تتكلموا فيه)) ثُمَّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا صلاة إلاَّ بطهور)) فوجب أن ينتف الطواف بغير طهور.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/327 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ في (أ): على.
(3) ـ في (أ): فيجب.(43/48)


قيل له: اسم الصلاة يتناول الطواف على سبيل المجاز، بدلالة أنَّه إذا أطلق لم يعقل في الشريعة إلاَّ العبادة المخصوصة ذات الركعات والسجدات، والمجاز لا يدخل في الخطاب إلاَّ بالدليل، فلم يجب أن يكون الطواف مراداً بقوله: ((لا صلاة إلاَّ بطهور)).
فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف على طهارة، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) فدل ذلك على وجوب الطهارة للطواف.
قيل له: نحن لا ننكر أنَّها تجب للطواف، وإنَّما اختلفنا في أنَّه شرط فيه أم لا، وأنه يجبر بالدم إذا ترك، أم لا، وما تعلقتم به إنَّما يقتضي وجوب الطهارة، وذلك مما لا نختلف فيه، فأما موضع الخلاف، فإن هذا الاستدلال لم يتناوله.
فإن قيل: قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة: ((افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي /204/ بالبيت))، يدل على أن الطهارة شرط فيه.
قيل له: لا يدل ذلك على ما ذكرتم، وإنَّما منعها من الطواف وهي حائض؛ لأن الطواف لا يكون إلاَّ في المسجد، والحائض ممنوعة من دخول المسجد، على أنا لا نختلف في أن غير المتطهر ممنوع من الطواف، وإنَّما الخلاف في كونه شرطاً، وفي أنَّه يجبر بالدم.
فإن قيل: فإن الطواف مُضمن بالطهارة، وكل عبادة مضمنة بالطهارة، فإنها تبطل إذا فعلت بغير طهارة، دليلنا الصلاة.(43/49)

41 / 142
ع
En
A+
A-