وروى ابن أبي شيبة بإسناده أن أسامة قال: فضت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عرفات، فلما كان ببعض الطريق قلت: الصلاة قال: الصلاة أمامك(1). فدل بقوله: الصلاة أمامك على أنَّها تجب أن تقام بجمع.
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام جمع بينهما بجَمْع.
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: لا يصلى المغرب والعتمة حتَّى يأتي مزدلفة.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/262 وإسناده، حدثنا أبو بكر حدثنا ابن مبارك، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، به.(43/20)
يدل على أنَّه لو صلاها دونها لم تجز، كما ذهب إليه أبو حنيفة، ومحمد، ووجه ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأسامة الصلاة أمامك، وقول أمير المؤمنين علي عليه السلام لا يصلي الإمام المغرب والعشاء إلاَّ بجمع. وقلنا: إنَّه يقف بها حتَّى يطلع الفجر. لما رواه جابر من أن النبي اضطجع بها حتَّى صلى الفجر، وقلنا: إنَّه يقف عند المشعر الحرام بعد ما يصلي الفجر لما ذكر جابر من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى الفجر، ركب ناقته حتَّى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا، وكبر، وهلل، فلم يزل واقفاً حتَّى أسفر، ثُمَّ دفع قبل طلوع الشمس، وقد دل على ذلك قول الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ..} الآية. وقلنا: إنَّه يفيض إلى منى لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع إلى منى حين أسفر وقلنا: إنَّه يستحب الإسراع في وادي مُحسِّر؛ لأن ذلك مروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جابر وغيره. وقلنا: إنَّه إذا انتهى إلى منى أتى جمرة العقبة، فرماها بسبع حصيات يهلل، ويكبر؛ لئن النبي صلى الله عليه وآله /191/ وسلم فعل ذلك في حديث جابر وغيره، ولا خلاف فيه. وقلنا: إنَّه يقطع التلبية عند أول حصاة يرميها؛ لأنَّه مروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما مضى من القول فيه؛ ولأنه لا خلاف فيه، وإنَّما الخلاف في قطعها قبل ذلك.
مسألة [في نحر الهدي](43/21)
قال: ثُمَّ يعود إلى رحله ثُمَّ ينحر، أو يذبح ما يريد نحره أو ذبحه، والقارن ينحر ما كان ساقه، والمتمتع عليه أن يريق دماً، بدنة، أو بقرة، أو شاة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(1). ووجه ذلك ما في حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انصرف إلى المنحر، فنحر، ولا خلاف في ذلك، وعليه خلف المسلمين، وسلفهم. وقلنا على المتمتع أن يريق دماً، بدنة، أو بقرة، أو شاة، لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بَالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَدِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيَ} واسم الهدي يتناول البدنة، والبقرة، والشاة، فأيما أهدى، فقد أجزى، ولا خلاف في ذلك.
مسألة [في أكل الحاج من لحم الهدي وجزاء الصيد]
قال: ثُمَّ يأكلان بعضه، ويطعمان بعضه، ويتصدقان ببعضه على المساكين، وأولى المساكين من قرب من منزله ورحله. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (2) و(المنتخب) في القارن والمتمتع، والمضحي، قال فيهما: ولا يجوز له الأكل من جزاء الصيد وفدية الأذى وما أشبه ذلك وهو قول أبي حنيفة. وقال الشافعي: لا يأكل إلاَّ من الأضحية، والهدي، والتطوع.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/286 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر الأحكام 1/287 وكذلك 1/326 وهو بلفظ قريب.(43/22)
ولا خلاف أنَّه لا يجوز الأكل من جزاء الصيد. والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه من جواز أكل القارن والمتمتع من هديهما قول الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} إلى قوله سبحانه: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبِهَا فُكُلُوا مِنْهَا} فاقتضى ظاهر الآية جواز الأكل من البدن أجمع، واجبها، وتطوعها؛ لأن اسم البدن عام في التطوع والواجب، فوجب ما ذكرنا في الجميع إلاَّ ما منع منه الدليل، ويدل على ذلك قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..} الآية، والهدي الذي يجب أن يقضى التفث بعده لا يكون إلاَّ واجباً؛ لأن التطوع لا يختص بهذه الصفة، فلما أباح الله لنا الأكل من الهدي الذي يجب أن يقضي التفث بعده، عُلِم أن الأكل من الهدي الواجب جائز، ويدل على ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرن، وساق مائة بدنة، وأنه أشرك فيها علياً عليه السلام. وروى جعفر، عن أبيه، عن جابر، أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم نحر بيده ثلاثاً وستين بدنة، ونحر علي عليه السلام سبعاً وثلاثين بدنة، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يقطع من كل واحدة منها قطعة، فجمعت، وطبخت له، وأكل من اللحم، وحسا من المرق، فإذا ثبت بذلك أن للقارن الأكل من هديه، ثبت ذلك في المتمتع؛ إذ لم يفصل أحد بينهما.
فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن قارناً، وأنه كان مفرداً، وأن الهدي كان تطوعاً؛ إذ الناس مختلفون في كيفية حجه، والأخبار في ذلك مختلفة؟
قيل له: الذي يصح عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: قرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن ذلك ما مضى ـ بإسناده ـ عن علي عليه السلام أنَّه قرن، فطاف طوافين، وسعى سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل.(43/23)
وروى أبو داود في (السنن) عن البراء بن عازب قال: كنت /192/ مع علي عليه السلام حين أمَّرَه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اليمن، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقبلتُ إليه، فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف صنعت؟ قال: قلت: أهللت بإهلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فإني سقت الهدي، وقرنت(1).
وروى ابن شيبة ـ بإسناده ـ أن عثمان سمع رجلاً يلبي بهما جميعاً، فقال عثمان: من هذا؟ فقالوا: علي عليه السلام، فأتاه عثمان فقال: ألم تعلم أني نهيت عن هذا؟ قال: بلى، ولكن لا أدع فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقولك.
وروي عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال ـ وهو بالعقيق ـ: ((أتاني آتٍ من ربي، فقال صلِ في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة وحجة)).
أخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثنا يحيى بن كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالعقيق وسرد الحديث(2).
وأخبرنا المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، حدثنا فهد، حدثنا الحماني، حدثنا أبو خالد وأبو معاوية، عن الحجاج، عن الحسن بن سعد، عن ابن عباس، عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرن بين الحج، والعمرة(3).
وعن أنس رواه أبو داود وغيره أنَّه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً يقول: لبيك حجة(4) وعمرة، لبيك عمرة وحجاً.
فإن قيل: روي خلاف ذلك عن عائشة، وجابر، وغيرهما.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/289 وإسناده حدثنا وكيع عن مسلم البطين عن علي بن حسين، عن مرداف، به.
(2) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/146 وفيه يحيى بن أبي كثير.
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/154.
(4) ـ في (ب): عمرة وحجة.(43/24)