قيل لهم(1): الذي يجيء على مذهبنا أن المكي عليه طواف القدوم بعد الانصراف من منى، /188/ كما نص أصحابنا على ذلك في المتمتع الذي تكون حجته مكية، فيسقط هذا السؤال أيضاً، فأما تأخيره إلى حين الإنصراف من منى، فالذي يدل على جوازه أنَّه لا خلاف في جواز تأخيره عن ساعة القدوم، ويوم القدوم، فعُلم أن وقته غير مضيق، فيجب(2) 0أن يكون ممتداً كوقت السعي، ولا خلاف أيضاً أنَّه لا شيءَ على من أخره لخوف فوات الوقوف، فدل ذلك على أن تأخيره جائز؛ لأن الأصل فيما لا يجوز من الحج إذا رخص فيه للعذر أن يجب جبره بالدم، فإذا ثبت أن تأخيره جائز للمعذور وإنه لا شيء عليه فيه، يثبت(3) ذلك للمختار.
مسألة [في المتمتع كيف يفعل؟]
قال: والمتمتع يفعل ما يفعله الحاج المفرد، والقارن، عند دخول الحرم، والمسجد، إلاَّ أنَّه يقطع التلبية إذا نظر إلى الكعبة، ثُمَّ يطوف بها سبعاً، ويسعى بين الصفا المروة وسبعاً، على ما ذكرناه، ويكون ذلك الطواف والسعي لعمرته، ثُمَّ يقصر من شعر رأسه، ولا يحلقه، وقد حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام من النساء، والطيب، والثياب. جميعه منصوص عليه في (الأحكام)(4).
__________
(1) ـ في (أ) و (ب): قيل له: والصواب ما أثبتناه ليوافق السؤال.
(2) ـ في (ب): فوجب.
(3) ـ في (ب): ثبت.
(4) ـ انظر الأحكام 1/294، 281 وهو بلفظ قريب.(43/15)


وما ذكرناه من أن المعتمر إذا سعى، قصر، ولم يحلق، مروي في (الأحكام) (1) أيضاً عن القاسم عليه السلام. وقلنا: إن المتمتع يفعل ما يفعله الحاج المفرد عند دخول المسجد والحرم؛ لأنها استحبابات تتعلق بدخول الحرم، ودخول المسجد، ويستوي فيها الحاج، والمعتمر، فأما قطعه التلبية إذا نظر إلى الكعبة، فقد نص عليه أيضاً في مواضع، وقال أيضاً في (الأحكام) (2)، يقطع التلبية المعتمر إذا انتهى إلى الكعبة، ورآها عند مصيره إليها، ولا يلبي لكي يطوف بالبيت، فكان تحصيل المذهب أنَّه إذا أراد الابتداء في الطواف، لتنصيصه على أنَّه يقطعها إذا رأى الكعبة صائراً إليها للطواف، وهذا قول أكثر العلماء. وذهب قوم إلى أنَّه يقطع التليبة إذا دخل الحرم، وقوم إلى أنَّه يقطعها إذا رأى البيت على أي حال رآه، وعن عائشة أنَّها كانت إذا نظرت إلى خيام مكة، قطعت.
والأصل فيه: ما رواه ابن أبي شيبة ـ بإسناده ـ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عمر، كل ذلك لا يقطع التليبة حتَّى يستلم الحجر. (3)
وكان القياس لا يقطع التلبية حتَّى ينقضي الإحرام، ولكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعها عند استلام الحجر، ولا خلاف، فاتبعنا الأثر والوفاق، فأما قطعها قبل ذلك، فلا وجه له. وقلنا: إنَّه يطوف سبعة، ويسعى سبعة، والمراد به على ما ذكرناه من الرمل في الطواف، والركعتين بعده، والابتداء بالحجر الأسود، والاختتام به، والهرولة في السعي، والابتداء بالصفا، والاختتام بالمروة، وكل ذلك لا خلاف فيه.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/318 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر الأحكام 1/278 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/259 وإسناده، حدثنا أبو بكر، حدثنا حفص، عن حجاج، به.(43/16)


وقلنا: يقصر، ولا يحلق؛ لحديث جعفر، عن أبيه، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لما فرغ من السعي، من كان منكم ليس معه هدي، فليُحل، وليجعلها عمرة، فحل الناس، وقصروا إلاَّ من كان معه هدي. ولأنا استحببنا أن يكون الحلق بمنى، ولا خلاف أنَّه إذا فعل ذلك /189/ صار حلالاً، وفي الحديث: ((إنهم حلوا وقصروا)).
مسألة [في المتمتع كيف ومتى يهل بحجته؟ والقول في المبيت بمنى للمتمتع والقارن والمفرد]
قال: وإذا كان يوم التروية، فليهل بالحج من المسجد الحرام، وليفعل ما فعله في ابتداء إحرامه، ويقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي، وينوي أن إحرامه هذا لحجته، ثُمَّ ينهض ملبياً، ويسير إلى منى ويستحب له أن يصلي بها الظهر والعصر يوم التروية، والمغرب والعشاء ليلة عرفة، وصلاة الفجر يوم عرفة، وأما الإمام فينبغي له أن لا يترك ذلك، وكذلك القول في المفرد، والقارن، ويستحب لهم إن أتوا منى في آخر ليلة عرفة أن يعرسوا بها ساعة، ويصلوا الصبح، ثُمَّ يسيروا إلى عرفة. وذلك منصوص عليه في (الأحكام) (1). وقلنا: إنَّه يهل بالحج يوم التروية، ويتوجه إلى منى، ويصلي بها خمس صلوات لحديث جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام، عن جابر، رواه ابن أبي شيبة، وأبو داود، وغيرهما، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، وأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والصبح، ثُمَّ مكث قليلاً، ثُمَّ سار(2).
وقلنا: يستحب لمن أتى منى من ليلة عرفة أن يعرس بها ويصلي الصبح؛ لأن يكون قد صلى بها من الصلوات الخمس ما أمكنه؛ إن لم يكن أمكنه أن يصليها بها أجمع، وهذه الجملة ما لا أعرف فيها خلافاً.
مسألة [في الوقف بعرفة]
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/281 ـ282 ـ 283 وهو بلفظ مقارب.
(2) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف في حديث طويل 3/334 وإسناده حدثا أبو بكر، عن حاتم، به.(43/17)


قال: ثُمَّ يتوجه إلى عرفة، متمتعاً كان، أو مفرداً، أو قارناً، فإذا انتهى إليها نزل، وأقام حتَّى يصلي الظهر والعصر بها إن شاء، وإن شاء صلى الظهر، وارتحل إلى الموقف، وعرفة كلها موقف ما خلا بطن عرنة، ويستحب أن يدنو من موقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الجبال، فإذا وقف ذكر الله كثيراً، وسبحه، وهلله، وصلى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات إلى أن تجب الشمس. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (1) و(المنتخب) (2) في كتاب الحج غير التخيير في الجمع بين الظهر والعصر، فإنه منصوص عليه في كتاب الصلاة على سبيل العموم في ذكر الوقت، وقد مضى وجهه فيه، ولا خلاف في ذلك.
وقلنا: أنَّه يرتحل إلى الموقف بعد ما يصلي؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك، وعليه المسلمون إلى يومنا هذا. وقلنا: عرفة كلها موقف غير عرنة، وروي(3) عن ابن عباس موقوفاً ((من وقف ببطن عرنة، فلا حج له)).
واستحببنا له الدنو من موقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبركاً، واقتداءاً. وقلنا أنَّه يقف بها داعياً، ومهللاً إلى أن تجب الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك.
وفي رواية ابن أبي شيبة، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتَّى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً(4).
مسألة [في الإفاضة إلى مزدلفة والعمل فيها، والوقوف بالمشعر، والعودة إلى منى ورمي جمرة العقبة بها]
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/284 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر المنتخب 110 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ لما روى ظنن عليها في الهامش.
(4) ـ أخرجه ابن ابي شيبة المصنف 3/334.(43/18)


قال: فإذا وجبت الشمس، أفاض ملبياً نحو مزدلفة، بالسكينة، والوقار، والذكر، والاستغفار، ولا يصلي المغرب ولا العتمة حتَّى يرد مزدلفة، ثُمَّ يجمع بها بينهما بأذان واحد وإقامتين، ثُمَّ يقف بها حتَّى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجر مضى، ووقف عند المشعر الحرام ساعة، ودعا، وذكر الله سبحانه، وسبحه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ يفيض راجعاً إلى منى ملبياً بالخشوع، والوقار والقراءة والتهليل،/190/ ويستحب له الإسراع في السير إذا انتهى إلى وادي محسر حتَّى يتجاوزه، فإذا انتهى إلى منى، حط بها رحله، ثُمَّ أتى [بها] (1) جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات، يهلل، ويكبر، ويقطع التلبية مع أول حصاة يرميها. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (2). قلنا: إنَّه يفيض ملبياً إذا غابت الشمس بالسكينة والوقار لما: روي عن جعفر، عن أبيه، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفاض من بعد ما غابت الشمس، وذهبت الحمرة قليلاً، ودل على ذلك قول الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيْضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيْمٌ}. وقلنا: إنَّه يذكر الله لما: روى الطحاوي بإسناده عن ابن مسعود أنَّه قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبي إلى أن أتى جمرة العقبة إلاَّ أن يخلط ذلك تكبيراً أو تهليلاً(3). وقلنا: إنَّه لا يصلي المغرب ولا العتمة حتَّى يأتي مزدلفة، فيصليهما بأذان وإقامتين، لما رواه جعفر، عن أبيه، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاهما بمزدلفة بأذان واحد، وإقامتين.
__________
(1) ـ سقط من (ب).
(2) ـ انظر الأحكام 1/284 ـ 285 ـ 286 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/235.(43/19)

35 / 142
ع
En
A+
A-