وقلنا: يصلي ركعتين عند المقام لما روى ابن أبي شيبة(1)، عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما طاف تقدم إلى المقام مقام إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيْمَ مُصَلَّى}.
عن الزهري قال: ما طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسبوعاً إلاَّ صلى هاهنا ركعتين ـ يعني عند المقام ـ.
وعن الحسن: مضت السنة أن مع كل أسبوع ركعتين. وفي حديث زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه(2) السلام، قال: إذا قضى طوافه، فليأت مقام إبراهيم عليه السلام، فليصل ركعتين.
وقلنا يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون، لما: روى هناد بن السري، حدثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن يعقوب بن زيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ في ركعتي الطواف قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد.
وروى هناد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام، قال: يستحب أن يقرأ فيهما قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد.
وروى ابن أبي شيبة، عن حفص، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ بهما في ركعتي الطواف. وقلنا: أو بغيرهما من المفصل؛ إذ لا خلاف في جوازه(3).
مسألة [في استقبال الكعبة بعد الركعتين، والدعاء عندها، ودخول زمزم]
قال: ثُمَّ ينهض، ويستقبل الكعبة، ويدعوا بما أحب، ثُمَّ يدخل زمزم إن أحب، ويشرب من مائها.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 3/370.
(2) ـ في (ب): عليهم.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/444.(43/5)


وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (1) و(المنتخب)(2). وقلنا: يعود إلى الكعبة بعدهما؛ لما جاء في حديث زيد بن علي، عن علي عليه السلام قال: يستلم الحجر حين يخرج إلى الصفاء(3).
وفيما روى ابن أبي شيبة، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجع إلى الركن فاستلمه. وقلنا يشرب من زمزم؛ لأنَّه لا خلاف أنَّه يبترك به(4) وأنَّه مستحب.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ((لولا أن أشق على أمتي لنزعت منها ذنوباً، أو ذنوبين)).
وروى ابن أبي شيبة بإسناده، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ماء زمزم لما شرب له)).
وفي حديث جعفر، عن أبيه، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرب منه(5).
مسألة [في كيفية السعي بن الصفا والمروة]
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/280 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر المنتخب 108 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ أخرجه ابن ابن أبي شيبة في المصنف 3/335.
(4) ـ في (أ): يتبركه.
(5) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/273، وإسناده حدثنا أبو بكر حدثنا سعيد بن زكريا وزيد بن الحباب، عن عبد الله بن المؤمل، به.(43/6)


قال: ثُمَّ يخرج إلى الصفا، فإذا استوى على الصفا، فليستقبل الكعبة بوجهه، /184/ ويدعو بما حضره، ويسبح، ويهلل، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ينزل من الصفا، ويمضي حتَّى إذا حاذى الميل الأخضر المعلوم في الجدار، هرول حتَّى يحاذي الميل المنصوب في أول السراجين، ثُمَّ يمشي حتَّى ينتهي إلى المروة، ثُمَّ يصعد عليها حتَّى تواجهه الكعبة، ثُمَّ يدعو بمثل(1) ما دعاه على الصفا، ويسبح، ويهلل، وكذلك يفعل في سعيه بين الصفاء والمروة، ثُمَّ ينحد (عنها، ويعود إلى الصفا، ثُمَّ يعود إلى المروة حتَّى سعى سبعة أشواط، ثُمَّ ينصرف من المروة. جميعه منصوص عليه في (الأحكام) (2) و(المنتخب)(3).
والأصل فيه ما روى ابن أبي شيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر قال: ثُمَّ خرج ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعد ما رجع إلى الركن، فاستلمه، وخرج من باب الصفا، إلى الصفا، فلما دنا منه، قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله ابدءوا بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرقى عليه حتَّى(4) يرى البيت، فاستقبل القبلة، ووحد الله، وكبره، ثُمَّ دعا، ثُمَّ نزل إلى المروة حتَّى انصب(5) قدماه إلى بطن الوادي(6) حتَّى إذا صعدتا منه، مشى حتَّى أتى إلى المروة، ففعل على المروة، كما فعل على الصفا(7).
وروى ابن أبي شيبة بإسناده، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سعى في بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة(8).
__________
(1) ـ في (أ): بما دعا به على الصفا.
(2) ـ انظر الأحكام 1/280 ـ 281 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ انظر المنتخب 108 وهو بلفظ قريب.
(4) ـ في (أ): حيث.
(5) ـ في (ب): انصبت.
(6) ـ في (ب) زيادة: رمل في بعض الوادي.
(7) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/335.
(8) ـ أخرجه أن أبي شيبة في المنصف 3/251.(43/7)


وهكذا روى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام. فلا(1) خلاف أن السعي بينهما سبعة، يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة.
مسألة [في وقت قطع التلبية]
قال: ولا يزال ملبياً إلى أول ما يرمي جمرة العقبة، وكذلك القارن لا يزال ملبياً إلى ذلك الوقت. وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(2) و(المنتخب)(3). وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي. وقال مالك: تقطع يوم عرفة، وهو مذهب الإمامية.
والأصل فيه: ما أخبرنا به أبو بكر المقرئ، حدثناالطحاوي، حدثنا علي بن معبد، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عباد بن العوام، حدثنا محمد بن إسحاق، عن إبان بن صالح، عن عكرمة، قال: وقفت مع الحسين بن علي عليهم السلام، فكان يهل حتَّى رمى جمرة العقبة، فقلت: يا أبا عبد الله ما هذا؟ قال: كان أبي يفعل ذلك، فأخبرني(4) أن النبي صلى الله علي وآله وسلم كان يفعل ذلك، ثُمَّ قال: فرجعت إلى ابن عباس، فأخبرته، فقال: صدق، أخبرني أخي الفضل بن العباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبى حتَّى انتهى إليها، وكان رديفه(5).
وأخبرنا المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا علي، حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبى حتَّى رمى جمرة العقبة(6). وروى مثله عن عبد الله بن مسعود، وأسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قيل: فقد روي عن أسامة أني كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية عرفة فلم يكن يزيد على التكبير(7) والتهليل.
__________
(1) ـ في (ب): ولا.
(2) ـ انظر الأحكام 1/286، 282 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ انظر المنتخب 109.
(4) ـ في (ب): وأخبرني.
(5) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/224 وفيه: فكان يلبي وكذلك حتى انتهى أولاها بدل إليها.
(6) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/224 ـ 225.
(7) ـ في (ب): التهليل والتكبير.(43/8)


قيل له: روي هذا، وروي ما ذكرناه، فأما أن يحتمل أنَّه لم يزد على التكبير، والتهليل، والتلبية؛ ليكون جمعاً بين الأخبار(1)، ويكون الغرض أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يشتغل عن الذكر، أو يحمل على أنَّه عليه السلام لم يُلَبِّ في ذلك الوقت، وهذا لا يقدح فيما ذهبناإليه، فإن التلبية لا يجب استدامتها، أو يتعارض الخبران ويبقى لنا سائر ما رويناه.
فإن قيل: روي عن ابن /185/ عمر، وأنس، أنهما قالا في يوم عرفة: كان يهل المهل منا، ويُكبر المكبر منا ولا ينكر عليه.
قلنا: هو كذلك، ولسنا نقول أن التكبير في أثناء الإهلال لا يجوز، فلا حجة فيه، على أن التلبية شعار الإحرام، فالأولى أن تستدام ما بقي الإحرام، أو يمنع منه الدليل، ولا دليل على قطعها قبل الوقت الذي ذكرنا أنَّه انقطع بانقطاع الإحرام.
مسألة [في القارن كيف يطوف ويسعى؟]
قال: والقارن إذا دخل مكة، فعل ما يفعله المفرد، وطاف، وسعى على ما وصفناه، ونوى في طوافه، وسعيه، أنَّه لعمرته، فإن أحب تعجيل طواف حجة(2)، عاد أيضاً إلى الكعبة، فطاف بها، وإلى الصفا والمروة، فسعى بينهما على ما بينا، ونوى أنهما لحجته.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب) (3) و(الأحكام)(4).
__________
(1) ـ في (ب): الحديثين.
(2) ـ في (ب): حجته.
(3) ـ انظر المنتخب 109 وهو بلفظ قريب.
(4) ـ انظر الأحكام 1/292 ـ 293 وهو بلفظ قريب.(43/9)

33 / 142
ع
En
A+
A-