قال: ومن كان عليه قضاء عمرة رفضها، لم يجز له قضاؤها حتى تمضي أيام التشريق، وكذلك من أراد أن يتطوع بعمرة، فلا يتطوع بها حتى يمضي هذه الأيام. وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(1) و (المنتخب) (2). وذكر يحيى عليه السلام أنه مروي عن أمير المؤمنين ـ صلوات اللّه عليه ـ وقد روي ذلك عن عائشة، فإذا روي ذلك عنهما، ولم يرو خلافه عن احد من الصحابة، جرى مجرى الإجماع، على أنا لانتعدى ما ثبت عن أمير المؤمنين عليه السلام، وقد روى ابن أبي شيبة عن طاووس نحو قولهما.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/308 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر المنتخب 106 .(42/31)


باب القول فيما ينبغي أن يفعله المفرد والقارن والمتمتع
[مسألة في الاغتسال لدخول الحرم]
يستحب للحاج والمعتمر إذا انتهى إلى الحرم أن يغتسل. وهو منصوص عليه في (الأحكام) (1) و(المنتخب) (2). ووجهه ما ذكره أبو العباس الحسني رضي الله عنه في (النصوص) أنَّه روي أن علياً، والحسن، والحسين، ومحمد بن علي عليهم السلام، كانوا يغتسلون بذي طوى. وروى نحوه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولأنه لما أراد دخول ذلك الموضع الذي عظمت حرمته، كان الغسل مستحباً [لما] (3) فيه من التطهر وإماطة الروائح الكريهة، كغسل الجمعات، والعيدين، ونحو ذلك.
مسألة: [في كيفية طواف القدوم وجواز تأخيره]
قال: والمفرد للحج إذا دخل مكة، إن شاء طاف، وسعى قبل الخروج إلى منى، وإن شاء ترك ذلك حتَّى يرجع، فإن أحب الطواف، دخل المسجد متطهراً، فإن(4) اغتسل كان أولى، ثُمَّ ابتدأ الطواف من الحجَر الأسود حتَّى يأتي باب الكعبة، ثُمَّ يأتي الحجر، ثم يأتي الركن اليماني، ثُمَّ يعود إلى الحَجَر، فيفعل ذلك حتَّى يطوف سبعاً، يرمل في ثلاثة، ويمشي في الرابعة الباقية، ويستلم الأركان كلها، وما لم يقدر عليه /182/ منها، أشار بيده إليه. وجميعه(5) منصوص عليه في (الأحكام)(6).
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/278 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر المنتخب 106 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ ما بين المعكوفين في هامش (ب).
(4) ـ في (ب): وإن.
(5) ـ في (ب): جميعه.
(6) ـ انظر الأحكام 1/278 ـ 279، وما ذكره من وقت الطواف والسعي فنص عليه فيه 1/282 ، 287 إلا أنه لم يذكر أنه يأتي الحجر.(43/1)


قلنا: إنَّه إذا دخل مكة، طاف، وسعى إن شاء قبل الخروج إلى منى لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله. وروى عن جابر أنَّه قال: أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأهللْتُ معه بالحج خالصاً حتَّى قدمنا مكة، فطفنا بالبيت، وبين الصفا والمروة. وعن طاووس(1) بن شهاب، عن أبي موسى الأشعري قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال لي: بما أهللت؟ فقلت: إهلالاً كإهلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال: ((أحسنت، طف بالبيت، وبين الصفا والمروة)). ولا خلاف في ذلك، وإنَّما الخلاف في وجوبه، وسيأتي الكلام فيه من بعد.
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: أول ما يدخل مكة، فيأتي(2) الكعبة، فيمسح بالحجر الأسود، ويكبر، ويذكر الله، ويطوف، فإذا انتهى إلى الحجر الأسود، فذلك شوط، فليطف، كذلك سبع مرات.
ولا خلاف أن الطواف يبدأ من الحجر الأسود إلى جانب الباب، ثُمَّ الحجر، وعلى ذلك فعل الخلف والسلف.
وقلنا: إنَّه يرمل في ثلاثة، ويمشي في أربعة. لما: أخبرنا به أبو بكر المقرئ، حدثنا أبو جعفر الطحاوي، حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا: حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني(3) الليث، حدثني بن الهاد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاف في حجة الوداع سبعة، يرمل في ثلاثاه، ويمشي في أربعة(4).
وروى أبو جعفر(5) ـ بإسناده ـ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سعى ثلاثة، ومشى أربعة، حين قدم في الحج والعمرة حين كان اعتمر. فكثرت الروايات في ذلك.
__________
(1) ـ في (ب): وعن طارق.
(2) ـ في (ب): يأتي.
(3) ـ في (ب): حدثنا.
(4) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/181 وفيه حدثني الهاد.
(5) ـ أخرجه الطحاوي في معاني الآثار 2/181.(43/2)


وذهب قوم إلى أن الرمل ليس بمسنون، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد فعل ذلك، وأمر به أصحابه ليُرِى المشركين جلَدهم، و[هذا لا معنى له] (1)؛ إذ قد روي أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم قد فعل ذلك في حجة الوداع، فمعلوم أنَّه سنة؛ لأنَّه لم يكن يحتاج يومئذٍ إلى أن يُظهر ذلك للمشركين؛ إذ كانوا قد ذلوا، وتبددوا، و ـ أيضاً ـ لو كان الغرض ذلك، لم يكن يقتصر بالرمل ابتداءً على ثلاثة أشواط، بل [و] (2) كان يزداد تارة، وينقص أخرى، فلما أطلقت الروايات بأنه رمل في ثلاثة، ومشى في أربعة، عُلم أنَّه مسنون.
وقلنا: يستلم الأركان كلها لما: أخبرنا به أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا فهد، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: كنا نستلم الأركان كلها(3).
وروى أبو داود في (السنن) بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف في حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن.
وروى مثله عن صفية بنت شيب. وذلك يقتضي العموم. وروى(4) ابن أبي شيبة عن سويد بن غفلة أنَّه كان يستلم الأركان. وروى مثله عن عطاء، عن يعلى بن أمية. وقلنا: إن لم يقدر على الاستلام أشار بيده، لما روى أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم استلم بمحجن. وذلك يجري مجرى أن يشير.
وقد روى ابن أبي شيبة بإسناده، عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف بالبيت على بعير، فكان إذا أتى الحجر الأسود، أشار إليه.
مسألة [فيماذا يقال عند استلام الأركان، وفي كيفية صلاة ركعتي الطواف]
__________
(1) ـ سقط من (ب).
(2) ـ زيادة في (أ).
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/183.
(4) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/366.(43/3)


قال: ويقول عند استلامه: {رَبَّنَا آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، ويسبح الله، ويهلله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الطواف، فإذا فرغ منه، صلى ركعتين إزاء(1) مقام إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم، وقرأ في الأولى بالحمد، وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية بالحمد، وقل هو الله أحد، وإن شاء قرأ في الأولى بقل هو الله أحد، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون، أو بغيرهما من مُفَصَّل السور. وجميعه منصوص عليه في (الأحكام)(2).
وروى أبو داود في (السنن) بإسناده عن عبد الله بن السائب، قال: سمعت النبي(3) صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما بين الركنين {رَبَّنَا آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
وروى ابن أبي شيبة ـ أيضاً ـ بإسناده، عن رجل من خزاعة كان أميراً على الحاج، أنَّه خطب، وقال: إن النبي صلى الله عليه آله وسلم قال: ((يا عمر إنك رجل شديد، تؤذي الضعيف، فإذا طفت بالبيت، فرأيت خلوة، فادن منه، وإلاَّ فكبر، وهلل)) (4).
وروى ابن أبي شيبة(5) ـ أيضاً ـ بإسناده، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إذا حاذيت به، فكبر، فاذكر الله، وادع، وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
__________
(1) ـ في (ب): وراء.
(2) ـ انظر الأحكام 1/279 ـ 280 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ رسول الله في (ب).
(4) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/171 وفيه فرأيت من الحجر خلوة، وزاد في آخره: وامض، وإسناده حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي يعفور، به.
(5) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 3/171 وإسناده: حدثنا أبو بكر، حدثنا ابن فضيل، عن حجاج، عن عطاء، به.(43/4)

32 / 142
ع
En
A+
A-