قال: ولو أن امرأة أحرمت بغير أذن زوجها بعد حجة الإسلام، فهو في أمرها بالخيار، إن أحب أن يمضي(1) بها حتى تقضي(2) ما اوجبته على نفسها، فعل، وإن أحب أن يمنعها من ذلك، وينقض إحرامها إن كان لايقدر على الذهاب بها، نقضه، وبعث عنها ببدنة، فتُنحر عنها، ويعتزلها إلى اليوم الذي أمر بنحرها. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (3). ووجه قولنا أن للزوج أن يمنعها من الإحرام ـ إذا لم تكن حجتها حجة الإسلام ـ قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم تطوعاً إلا بأذن زوجها)) فإذاً يثبت(4) بهذا الخبر أنها ممنوعة من حج التطوع؛ لأن كل واحد منهما تطوع يمنع الزوجَ عن استيفاء حقه منها ـ وأيضاً ـ لو لم يجز منعها من الإحرام، لجاز أن تستديم الإحرام حاجَّة، أو معتمرة، وذلك يؤدي إلى إبطال حقه رأساً، فإذا ثبت، كان له أن يحل إحرامها، وينقضه؛ لأنا لو لم نقل ذلك، عاد الأمر إلى أن لايمكنه استيفاء حقه منها، فعلى هذا يجب أن يكون ما ذكرناه من اعتزالها استحباباً إلى أن تُنحر البدنة، لما روي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان لما بعث ببدنته من المدينة كف عما يكف عنه المحرم، وأما إن لم يبعث ببدنته، وأمر أن يشترى هناك، وينحر، فلا وجه لهذا الاستحباب.
وقلنا: إن الزوج ينحر عنها؛ لأن إفساد الحج تعلق به، ووقع من جهته، فوجب أن يتضمن ما لزمها من ذلك.
فإن قيل: فأنت لاتوجبون على السيد أن ينحر عن عبده إذا نقض إحرامه.
قيل له: [لأن] (5) العبد متعدٍ في إحرامه بغير إذن سيده/175/.
فإن قيل: إن الزوج استوفى حقه بنقض إحرامها، فوجب أن لايلزمه ضمان الدم.
__________
(1) ـ في (أ): تمضي.
(2) ـ في (أ): يقضى.
(3) ـ انظر الأحكام 1/334 وهو بلفظ قريب.
(4) ـ في (ب): فإذاً ثبت.
(5) ـ سقط من (أ).(42/16)


قيل له: والمحصر ـ أيضاً ـ يستوفي حقه بالإحلال، وذلك لايمنعه من لزوم الدم، ألا ترى أنه يستوفي حقه بالبرء إن كان مريضاً، أو بالتماس الأمن إن كان خائفاً من عدو، ومع ذلك يلزمه الدم، فكذلك لايمتنع أن يلزم الزوج الدم بنقض إحرامها، وإن كان مستوفياً حقه بذلك.
مسألة: [في المرأة تحرم حجة الإسلام بغير إذن وليها]
قال: فإن كان إحرامها بحجة الإسلام، فلا ينبغي له أن يمنعها، إلا لعلة قاطعة لها، أو لمن يكون مَحرماً لها من ولد، أو غيره، فإنه يمنعها ويهدي عنها. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (1).
قلنا: إن كان إحرامها بحجة الإسلام لم يكن له منعها منها؛ لأن ذلك فرض من اللّه تعالى عليها ابتداءً، وكان مثل صوم شهر رمضان، والصلاة المكتوبة؛ لأن ذلك مستثنى من حقه عليها، والمسألة وفاق، وسائر ما ذكرناه في جواز فسخ إحرامها ـ إذا لم تكن أحرمت بحجة الإسلام لزوجها ـ لا يِعترض ما قلناه؛ لأنه ليس بتطوع ولأنه لايؤدي إلى استدامة إبطال حق الزوج؛ لأن حجة الإسلام لاتتكرر.
وقلنا: إنه يمنعها إن لم يكن لها مَحرم، لأن المحرم شرط في وجوب الحج عليها، والأصل فيه قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( لاتسافر المرأة بريداً فما فوقه إلا مع ذي محرم )) وقد مضى إسناده في باب قصر الصلاة. وروي: (( لاتسافر المرأة يوماً )). وروي: ثلاثة أيام. فدل ذلك على أن المرأة لايلزمها الحج إلا مع محرم.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/334 وهو بلفظ قريب.(42/17)


وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، أنه سمع أبا معبد ـ مولى ابن عباس ـ يقول: قال ابن عباس: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالناس فقال: (( لاتسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم )) (1). فقام رجل فقال: يارسول اللّه، إني اكتُتِبت في غزوة كذا وكذا، وقد أردت أن احج بامرأتي. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( احجج مع امرأتك )). فدل هذا الخبر من وجهين على أن المرأة لاتحج إلا مع مَحرم:
أحدهما: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( لاتسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم )) فنهى عن السفر من غير محرم، والحج سفر، فصارت منهية عنه إلا مع محرم. والثاني: أن الرجل لما قال له صلى اللّه عليه وآله وسلم ما قال حين سمع ذلك، قال له: (( احجج مع امرأتك )) وأمره بترك الغزو الذي هو مفروض، ولم يقل له: إنها تحج وحدها، أو مع المسلمين، ولم يقل إن مرادي كان السفر الذي ليس بحج.
وروى أبو بكر الجصاص في (شرح المختصر) بإسناده عن نافع، عن ابن عمر، قال: جاءت امرأة اإلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت: يارسول اللّه، إن ابنتي تريد الحج، فقال: (( ألها محرم؟ )) قالت: لا. قال: (( فزوجيها، ثم لتحج )) فدل ذلك على أنها لاتحج إلا مع ذي محرم.
فإن قيل: روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه سئل عن الاستطاعة، فقال: (( الزاد، والراحلة )) ولم يذكر المحرم.
قيل له: يُجمع بين خبر الاستطاعة، وخبر المحرم، ويجوز أن يكون قال ذلك صلى اللّه عليه وآله وسلم لأن السائل كان رجلاً، وكان سأل عما يكون استطاعةً للرجل، على أنه لم يشترط الصحة، وهذا لم يمنع من كونها شرطاً، ألا ترى أن المفلوج، والْمُقْعَد لا يلزمهما الحج بأنفسهما.
__________
(1) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/112 وفيه: ولا يدخل عليها رجل إلا معها ذو محرم.(42/18)


فإن قيل: روي أن عائشة لما قيل لها أن أبا سعيد الخدري يفتي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: (( لايصلح للمرأة أن تسافر إلا ومعها محرم )) فقالت: ما لكلهن محرم.
قيل له: ذلك رأيٌ من عائشة لم /176/ ترفعه، فلا معتبر به، ـ وأيضاً ـ لاخلاف أنها لا تسافر للتجارة، والنزهة إلا مع محرم، فكذلك الحج، والمعنى أنه سفر تمنع العدة ابتداؤه، وهذا لاينتقض بالمهاجِرة، أو الخائفة، أو التي يموت المحرم عنها، وهي في موضع لايمكنها الإقامة فيه.
فإن قيل: فعائشة سافرت بغير محرم.
قيل له: لسنا نرى الاقتداء بها مع مخالفتها قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، على أن سفرها كان لمحاربة علي عليه السلام، وذلك مما يوجب لها الفسوق، والضلال، ولاخلاف أن هذا الجنس من السفر محظور، فكيف يحتج به؟ أو للتحريض على عثمان حين سافرت إلى مكة، وذلك عند مخالفينا يوجب شق عصا المسلمين، وقد قيل: إنها كانت أم المؤمنين، وكل من كان معها كان في حكم الإبن لها.
مسألة: [في العبد والأمة يحرمان بغير أذن سيدهما]
قال: وأما العبد، والأمة، فمتى أحرما بغير أذن سيدهما، فله أن يحل إحرامهما، وينقضه، ولايجب عليه لهما هدي، ومتى عُتقا، أهديا ما عليهما من الهدي، ومضيا لما كانا أوجبا على أنفسهما من حجهما.(42/19)


وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (1). ولاخلاف أن للسيد نقض إحرامهما(2) وإلا كنا قد جعلنا لهما السبيل إلى إبطال حق السيد بأن يستديما الإحرام، على ما بيناه في إحرام المرأة، ولم نوجب عليهما الدم في الحال؛ لأنهما لا يَملكان، ولم نوجب الضمان على سيدهما؛ لأن السيد لم يكن أذن لهما في الإحرام، فصارا فيه متعديين، فلا مسرح لضمان السيد ما كان من جنياتهما التي لاتختص بآدمي بعينه، أوجبان عليهما [الدم] (3) بعد العتق كما يجب على غيرهما من الأحرار، لدخولهما فيما دخلا فيه، وقد ملكا أنفسهما، فسبيلهما سبيل الأحرار في جميع ما يلزمهم، وقد كان إحرامهما منعقداً بدلالة قوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيْهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِيْ الْحَجِّ} فلم يخص عبداً من حر، وكون السيد مالكاً لفسخه لا يدل على أنه لم يكن منعقداً، كما أنْ ليس لكون الزوج مالكاً لفسخ إحرام زوجته دلالة على أنه لم ينعقد، ويقاس على الحر بعلة أنه مسلم، مكلف، عقد الإحرام على نفسه، فوجب أن ينعقد، فإذا ثبت أنه كان منعقداً، ثبت ما قلناه من أن حكمهما حكم سائر المسلمين في ذلك.
مسألة: [في اللفظ بغير النية عند التلبية]
قال: ولو أن رجلاً أراد الحج، فغلط، ولبى بعمرة، لم يلزمه مالفظ به، ووجب عليه أن يعود، ويلبي بما نوى من حجته، وكذلك لو أراد التمتع بالعمرة إلى الحج، فغلط، ولبى بالحج، لم يلزمه ما لفظ به مخطئاً، ولزمه ما عقد عليه من العمرة، وكذلك لو أهل بحجتين ناسياً، وكانت نيته حجة واحدة، لم يلزمه غير ما نوى من الحجة الواحدة.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/334 ـ 335 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ في هامش (أ) وهامش (ب): لأنا لو لم نجعل له ذلك كنا.
(3) ـ سقطت من (ب).(42/20)

29 / 142
ع
En
A+
A-