وأخبرنا أبو الحسين قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن شجاع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن المسور، ومروان أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عام الحديبية قلد الهدي، وأشعر، وأحرم.
ويدل على أن التقليد نسك، قول اللّه تعالى: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللّهِ} إلى قوله: {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ}. والتقليد وجهه ما روى أبو داود في (السنن) يرفعه إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عليه السلام قال: أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أقوم على بُدْنِه، وأقْسِم جلودها، وجلالها، فدل على أنها كانت مجللة، وأن الجلال كانت في حكمها في تعلق النسك بها.
وكره أبو حنيفة الإشعار وقال: إنه منسوخ بما ثبت من النهي عن المثلة، ولأنه قياس على سائر البدن التي للجزاء، والكفارة؛ لأنها لا تشعر، وذلك غير صحيح؛ لأن المثلة هو الفعل الذي يقع على وجه العبث، أو شفاء الغيظ، ألا ترى أن قطع اليد، والرجل، وفقأ العين، وقطع الأذن من أعظم المثل، ثم السارق تقطع يده، وقاطع الطريق تقطع يده ورجله من خلاف، وتفقأ العين، وتقطع الأذن على وجه القصاص، ولايكون شيء من ذلك بمثلة(1)، فكذلك إشعار البُدَن؛ لأنه مفعول على وجه التأسي بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولايقصد به العبث، وشفاء الغيظ، فلا يجب أن يكون مثلة، وأما قياسهم فمدفوع بالنص، وكل قياس يرفع(2) النص، فهو باطل، ولامعنى له.
مسألة: [في دعاء الدخول في الحج، وهل يجب الشرط في الحج]
قال: ثم يقول الحاج، والمعتمر، بعد ذكر ما أراد الدخول فيه، واستحضاره النية: فيسره لي، وتقبله مني، ومحلي حيث حبستني، أحرم لك ـ بكذا(3) وكذا، ثم يسمي حجته، أو عمرته أو هما جميعاً ـ شعري، وبشري، ولحمي، ودمي، وما أقلته الأرض مني.
__________
(1) ـ في (أ): مثله.
(2) ـ في (أ): يدفع.
(3) ـ في (أ): كذا.(42/11)


وهذا منصوص /173/ عليه في (الأحكام) (1).
أما الاشتراط، فوجهه: ما رواه ابن عباس، وغيره أن صباغة بنت الزبير بن عبدالمطلب أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت: يارسول اللّه، إني أريد الحج أشترط؟ قال: نعم. قالت: فكيف أقول؟ قال: (( قولي لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني )) .
روى ذلك أبو داود في (السنن) ورواه ابن أبي حاتم في (المناسك)، قال ابن أبي حاتم: وروي عن علي عليه السلام، وعمر، وعثمان، وابن مسعود، وعمار، وابن عباس، وأم سلمة، وعائشة، أنهم كانوا يرون الشرط في الحج. قال: و[هو] (2) قول الليث بن سعد، وأما سائر الألفاظ فإنه استحبها لما ورد بها من الأخبار.
مسألة: [في لفظ التلبية]
قال: ثم يقول: لبيك، اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك، والملك، لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك بكذا وكذا، ويذكر ما دخل فيه، لبيك، ثم يسير ويسبح في طريقه، ويهلل، ويكبر، ويقرأ، ويستغفر، فإذا استوى بظهر البيداء، ابتدأ التلبية، وليرفع صوته بالتلبية رفعاً متوسطاً، وكلما علا نشزاً، كبر، وكلما انحدر، لبى، ولايغفل التلبية الفينة بعد الفينة.
وجميعه منصوص عليه في (الأحكام) (3) أما التلبية الأربع فهي التلبية المشهورة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/274 لفظه: اللهم إني أريد ـ ويسمى ما أراد ـ رغبة مني فيما رغبت فيه ولطلب ثوابك وتحسرياً لرضاك فيسره لي وبلغني فيه أملي في دنياي وآخرتي، واغفر لي ذنوبي وامح عني سيئاتي وقني شر سفري واخلفني بأحسن الخلافة في أهلي وولدي ومالي ومحلي حيث حبستني أحرم لك شعري.. الخ.
(2) ـ سقط من (أ).
(3) ـ انظر الأحكام 1/274 ـ 275 وهو بلفظ مقارب.(42/12)


أخبرنا أبو بكر المقري، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا المقدمي، قال: حدثني حماد بن زيد، عن أبان بن تغلب، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبدالله، قال: كانت تلبية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لبيك إن الحمد والنعمة لك(1).
وأخبرنا المقرئ قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكاً حدثه عن نافع، عن ابن عمر، أن تلبية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كانت كذلك، وزاد: ((والملك لاشريك لك)) (2).
وأخبرنا المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ربيع المؤذن، قال: حدثنا أسد، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل المديني، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لبى في حجته كذلك(3).
وروى لنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي بإسناده عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول: كان من تلبية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: لبيك إله الحق لبيك(4).
وروى أبو داود في (السنن) يرفعه إلى جابر قال: أَهلَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فذكر تلبيته الأربع قال: والناس يزيدون: ذا المعارج، ونحوه من الكلام، والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسمع، ولايقول لهم شيئاً، فدلت مقارته صلى اللّه عليه وآله وسلم لهم على ذلك على أنه إن زيد كان حسناً.
وروي عن كثير من أهل البيت عليهم السلام لبيك ذا المعارج.
وأما رفع الصوت بها فلما روي: (( أفضل الحج العج والثج )) والعج من العجيج، وهو الصوت.
__________
(1) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/124.
(2) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/124.
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/124.
(4) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/124.(42/13)


وروى أبو داود في (السنن) بإسناده إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: (( أتاني جبريل عليه السلام، وأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال )) أو قال: بالتلبية.
وقلنا: يبتدئ التلبية إذا استوى بظهر البيداء، لما أخبرنا به أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ربيع المؤذن، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا /174/ حاتم بن إسماعيل، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع ركب ناقته فلما استوت به على البيداء أهل(1).
[وأخبرنا أبو بكر المقرئ قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ابن مرزوق، قال: حدثنا وهب، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن حسان، عن ابن عباس، أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صلى بذي الحليفة ثم أُتي براحلته فلما استوت به على البيداء أهل](2).
وأخبرنا المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ابن مرزوق، قال: حدثنا وهب، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن ابن حسان، عن ابن عباس، أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صلى بذي الحليفة ثم أتى براحلته فلما استوت به على البيداء أهل.
فإن قيل: يجوز أن يكون فعل ذلك على سبيل الإتفاق، لا على أن يكون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قصد إلى ذلك.
قيل له: نحن نستحب الاقتداء به صلى اللّه عليه وآله وسلم في العبادات حتى يثبت ما ذكرت وذلك مما لادليل عليه.
فإن قيل: روي عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه، أنه قال: ما أهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا من المسجد. يعني من مسجد ذي الحليفة.
__________
(1) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/120 أنه قال: ناقته القصوى.
(2) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/120 إلا أنه قال: أبي حسان.(42/14)


قيل له: نحن نقول بالخبرين جميعاً فنقول أنه يحرم في المسجد إذا صلى، ثم يلبي، ثم يأخذ في غيره من الذكر حتى يستوي على ظهر البيداء، ثم يبتدئ التلبية منها، فنكون قد استعملنا الأخبار كلها.
وقلنا: كلما علا نشزاً، كبر، وكلما انحدر، لبى، ولايغفل التلبية الوقت بعد الوقت؛ لما روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه كان يفعل ذلك، ويستحبه، واستحبه العلماء بعده؛ ولأن التلبية جارية في الإحرام مجرى التكبير من الصلاة، فكما استحب التكبير عند التنقل في الأحوال في الصلاة، فكذلك تستحب التلبية عند التنقل في الأحوال في الإحرام.
مسألة: [في المرأة تحرم للحج تطوعاً بغير إذن زوجها](42/15)

28 / 142
ع
En
A+
A-