وحكى أبو العباس الحسني عن يحيى بن الحسين عليه السلام في (كتاب الإبانة) القول بإيجاب الدم لمجاوزة الميقات، فيكون تحصيل المذهب فيه على الروايتين أنه إن جاوز الميقات، وأحرم، ولم يعد إليه، فالدم واجب، وإن رجع إليه، وأحرم فيه، فيكون قد ترك نسكاً واجباً، فأما إذا عاوده، وأحرم فيه، فلا يجب عليه دم؛ لأن المأخوذ عليه أن يقطع الميقات محرماً، بدلالة أنه لو أحرم قبل الميقات، وجاوزه محرماً، فلا شيء عليه، فكذلك إذا عاد، فأحرم فيه، أو قد حصل محرماً في الميقات، واستحببنا له أن يهريق دماً؛ لأن النقص قد لزمه، وإن لم يلزم حجة؛ لأن حجه قد انجبر لما كان من إحرامه في الميقات، فكونه ممن قد جاوزه غير محرم لا يرتفع، على أن أبا العباس الحسني ـ رحمه اللّه ـ ذكره في (النصوص) خلاف ما ذكره في (كتاب الإبانة). تحصيل المذهب فيه على أن مجاوزة الميقات لايوجب عند يحيى عليه السلام دماً، وذكر أن القاسم عليه السلام روى عن أمير المؤمنين عليه السلام فيمن جاوزه، لاشيء عليه، فإن صحت هذه الرواية لم يعدل عنها، وإلا فالأولى ما ذكرناه.
مسألة: [في غسل الإحرام، ولباسه]
قال: ومن انتهى إلى بعض هذه المواقيت، وأراد الإحرام، اغتسل.(42/6)


قال القاسم عليه السلام: والغسل سنة، ولو كان جنباً، أو محدثاً، فلم يجد الماء، أجزأه تيمم واحد لصلاته وإحرامه(1) ثم لبس ثوبيه، رداءً ومئزراً، والمرأة تلبس القميص، والسراويل، والمقنعة وجميع(2) ذلك منصوص عليه في (الأحكام) (3)، في مواضع متفرقة(4) ، ونص في (المنتخب) (5) أيضاً على أنه لو ترك الغسل، أجزأه تحقيقاً لما رَوى عن جده أنه سنة، وقال في (المنتخب) (6): (يلبس ثوبين جديدين أو غسيلين). قد مضى في (كتاب الطهارة) الكلام في أن غسل الإحرام سنة.
وروى عن الناصر عليه السلام أنه قال بوجوبه، وهو غير صحيح؛ إذ لادليل عليه، ولأنه غسل اقتضاه أمر مستَقبل، فأشبه غسل الجمعة والعيدين، فوجب أن يكون نفلاً.
وقلنا: إنه إن كان جنباً، وأعوزه الماء، أجزأه التيمم؛ لأن التيمم إذا قام مقام الغسل من الجنابة ـ وهو أوكد لأنه فرض ـ كان لأن يقوم مقام غسل الإحرام أولى.
وقلنا: إنه يلبس رداءً ومئزراً؛ لأنه لاخلاف أن الرجل إذا أحرم فلا يجوز أن يلبس المخيط.
روى أبو داود في (السنن) بإسناده يرفعه إلى الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: سأل رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما يترك المحرم من الثياب فقال: (( لايلبس القميص، ولا /171/، البرنس، ولا السراويل، ولا العمامة، ولا ثوباً مسه ورس، ولازعفران، ولا الخفين، إلا أن لايجد النعلين، فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين )) .
__________
(1) ـ في (أ): ولإحرامه.
(2) ـ في (ب): جميع.
(3) ـ انظر الأحكام 1/273 حيث ذكر الغسل. وأما التيمم فذكره فيه ص 297 ولباس المرأة نص عليه في ص 303 والجميع بألفاظ مقاربة لما هنا.
(4) ـ في (أ): مفترقة.
(5) ـ انظر المنتخب 95.
(6) ـ انظر المنتخب 95.(42/7)


وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا يزيد بن سنان، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، عن عمرو بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر أن رجلاً سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا؟ قال: (( لاتلبسوا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أن يكون أحد ليست له نعلان، فليلبس الخفين أسفل من الكعبين )) (1) .
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ربيع المؤذن، قال: حدثنا أسد، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن لبيبة عن عبدالملك بن جابر، عن جابر بن عبدالله، قال: كنت جالساً عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في المسجد، فَقَدَّ قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه، فنظر القوم إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: (( إني أمرت ببدنتي(2) التي بعثت بها أن تقلد اليوم، وتشعر، فلبست قميصي، ونسيت، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي )) وكان بعث ببدنته، وأقام بالمدينة(3).
وقلنا: إن المحرمة تلبس القميص، والسراويل، وَالمِقْنَعة؛ لأنه لاخلاف في جواز ذلك لها، وأن حكمها في هذا الباب مخالف لحكم الرجال.
__________
(1) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/134 وفيه عمر بن نافع.
(2) ـ في (أ): بهذبي.
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/138 وفيه عن عبد الرحمن بن عطاء بن لبيبة، وفيه متنه ويشعر على كذا وكذا.(42/8)


وروى أبو داود في (السنن) وابن أبي شيبة ـ بإسنادهما جميعاً ـ عن ابن عمر أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى النساء في إحرامهن من القفازين، والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب. وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من ألوان الثياب، معصفراً، أو حذاء، أو سراويلاً، أو قميصاً، أو خفاً(1).
وقوله(2): يلبس ثوبين جديدين، أو غسيلين، تنبيهاً على أن الجديد لا يكره، فقد حكى ذلك عن بعض الناس فلا معنى له؛ لأن المأخوذ عليه في الثوب هو الطهارة، فالجديد إذاً كالغسيل.
مسألة: [في كيفية الإهلال بالإفراد والقران، وفي صلاة ركعتين بعد الإحرام، وفي شرط القران]
فإن كان في وقت صلاة فريضة، صلاها، ثم قال: اللهم إني أريد الحج، إن كان مفرداً، وإن كان معتمراً، قال: اللهم إني أريد العمرة، وإن كان قارناً قال: اللهم إني أريد الحج والعمرة، ولايجوز القران إلا أن يسوق بدنة من موضع الإحرام، يجب أن ينيخها في الميقات، ثم يغتسل، ويلبس ثوبي إحرامه، ثم يشعرها بشَق في شِق سنامها الأيمن حتى يدميها، ويقلدها فرد نعل، ويجللها، ثم يصلي الفريضة إن كان في وقتها، وإن كان في غير وقت فريضة صلى ركعتين للإحرام، ثم يقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة معاً. جميعه منصوص عليه في (الأحكام) (3).
استحببنا أن يكون الإحرام بعقب صلاة مكتوبة، أو نافلة لما روي عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صلى الظهر بذي الحليفة حين أراد الإحرام، روى ذلك أبو داود في (السنن) عنه.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 2/284 وإسناده أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر، عن يحيى وسعيد وعبد الله، عن نافع، به.
(2) ـ في (أ): فقوله.
(3) ـ صلاة ركعتين أن تصلي الفريضة، نص عليها في الأحكام 1/274 بلفظ مقارب. والإهلال بحج الإفراد، نص عليه فيه ص 282. والإهلال بالقران وشروطه نص عليه في الأحكام 1/291 ـ 292 بلفظ قريب جداً.(42/9)


واستحببنا أن ينطق بما ينعقد الإحرام به؛ لما روي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نطق بما أهَلَّ، به وليكون ذلك أقرب إلى أن تُواطِئ النيةُ الإهلال.
فأما سوق البدنة للقارن، فقد قال أبو العباس الحسني(1) أنه إن قرن جاهلاً، ولم يسق، نحر بدنة بمنى، وحكى نحوه عن محمد بن يحيى عليه(2) السلام، ولم يذكر إيجاب دم لترك السوق، فاقتضى تحصيل المذهب أن يكون السوق للقارن مستحباً؛ لأن لو كان شرطاً في صحة الإحرام للقران، لكان /172/ الإحرام لاينعقد مع تركه، جاهلاً أو عالماً؛ لأن ما يكون شرطاً في صحته لاينفصل بين أن يترك مع العلم، أو الجهل، ولايجب أن يكون نسكاً واجباً؛ لأن النسك الواجب إذا تُرك، وجب جبره بإراقة دم، ولم يُذكر إيجاب الدم على من ترك السوق جاهلاً، فجعل المذهب أنه مؤكَد في باب الاستحباب.
والأصل فيه ما روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قرن، وساق.
وروى ابن أبي حاتم في (كتاب المناسك) عن عطاء، أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يسق.
وروى في هذا الكتاب عن إسحاق بن راهويه أنه قال: مضت السُّنة عن(3) النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في القران بالسوق، والتمتع لمن لايقدر على السوق.
وروى عنه، عن مجاهد، والزهري أنهم كانوا لايرون القران إلا بسوق.
وقد روي نحوه عن علي بن الحسين، ومحمد بن علي عليهم السلام.
وأما الإشعار، والتقليد فالأصل فيه: ما أخبرني به أبو الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن اليمان، قال: حدثنا محمد بن شجاع، قال: حدثنا أبو مطر(4) عن هشام الدستوائي، عن أبي قتادة، عن أبي حسان، عن ابن عباس، أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أشعر في الجانب الأيمن، وساق.
__________
(1) ـ في (أ): رحمه الله تعالى.
(2) ـ في (أ): عليهم.
(3) ـ في (أ): من.
(4) ـ في (ب): أبو مطر.(42/10)

27 / 142
ع
En
A+
A-