وروي عن أبي ذر قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال: (( بل هي في رمضان )). قلت: تكون مع الأنبياء إذا كانوا، فإذا مضوا رفعت؟ قال: (( بل هي إلى يوم القيامة )). قال: قلت: في أي رمضان هي؟ قال: (( التمسوها في العشر الواخر )). قال: ثم كررت السؤال. فقال: (( التمسوها في السبع البواقي ))، لا تسألني عن شيء بعدها. فدل ذلك على بطلان ما يحكى عن أبي حنيفة أنه قال: إنها رفعت.
وقلنا: إن أولها وآخرها في الفضل سواء، لأن تفضيل أحوالها لم يرد، ووردت(1) ما يدل على فضلها جملة.
وقلنا: ليلة ثلاث وعشرين، أو سبع وعشرين؛ لأن الأخبار وردت فيها أكثر.
__________
(1) ـ في (أ) و (ب): ورود وظنن في الهامش على ما أثبتناه.(40/16)


باب القول في كيفية وجوب الحج وذكر فروضه
[مسألة في شروط وجوب الحد وبيان ما هي الاستطاعة]
يجب على كل بالغ، حر، مسلم، استطاع إليه سبيلاً، والاستطاعة هي الزاد، والراحلة، وصحة، البدن والأمان على النفس.
نص في (الأحكام) على أن من لم يبلغ لايجب عليه الحج. ودل على أنه لايجب على العبد بقوله: إن أحرم بغير أذن سيده، فله أن يحله(1).
ونص على أن الذمي سبيله سبيلهما في وجوب الحج عليه إذا أسلم، حيث ذكر أن الصبي إذا بلغ، والعبد إذا عتق، والذمي إذا أسلم في وقت يمكنهم لحوق الوقوف بعرفة، وقفوا، وأدوا ما وجب عليهم(2).
فثبت بذلك من مذهبه ما ذكرنا من وجوب الحج على كل بالغ، حر، مسلم، مستطيع.
ونص في (الأحكام) (3) على أن الاستطاعة هي الزاد، والراحلة، والأمان على النفس، وروى(4) فيه عن جده القاسم عليه السلام صحة البدن.
قال أبو العباس الحسني: وذكر محمد بن القاسم عيه السلام فيما جمعه عن أبيه القاسم أن الحج يجب بوجود القوة والزاد، والمراد به عندي من كانت داره بمكة، أو قريباً منها؛ ليوافق ذلك ما اشتهر عنه من رواية يحيى عنه في (الأحكام)(5) ورواية النيروسي عنه في مسائله.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/334 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر الأحكام 1/303 ـ 304 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ انظر الأحكام 1/273 وهو بلفظ قريب.
(4) ـ انظر الأحكام 1/313.
(5) ـ انظر الأحكام 1/313 وهو بلفظ قريب.(41/1)


ووجه قولنا أن الحج يجب على كل بالغ، حر، مسلم، استطاع إليه سبيلاً قول اللّه تعالى: {وَلِلَّه عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبِيْتِ مِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيْلاً}. وثبت أن حج الصبي، والعبد والذمي(1) لايقع عن حجة الإسلام، أما العبد، والصبي فما روي عن ابن عباس، عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: (( أيما صبي حج، ثم أدرك(2) الحلم، فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج، ثم عتق، فعليه أن يحج حجة أخرى )) .
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام نحوه. على أن الصبي لايصح إحرامه عندنا على ما نبينه من بعد، فيجب أن لايجزئه حجه عن حجة الإسلام.
والعبد ـ أيضاً ـ ليس بمخاطب بالحج؛ لأنه ممن لايملِك، والحج فلابد من المال(3) فيه، وتصرفه ـ أيضاً ـ مستحَق عليه، والذمي لايصح حجه؛ لأن الإسلام شرط في صحة الإحرام، فإذا ثبت ذلك، صح ما ذكرناه من وجوب الحج على كل بالغ، مسلم حر، مستطيع.
وأما الزاد والراحلة فالأصل فيه ما روي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل عن استطاعة الحج فقال: ((هي الزاد، والراحلة)).
ووجه الاستدلال منه أن اللّه تعالى أوجب الحج بشرط الاستطاعة، وبين النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنها الزاد /159/ والراحلة، فدل ذلك على أن وجودهما شرط في وجوب الحج.
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام في قوله تعالى: {وَلِلَّه عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبِيْتِ مِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيْلاً} قال السبيل: الزاد، والراحلة.
__________
(1) ـ في (أ): والذمي والعبد.
(2) ـ في (أ): أدركه.
(3) ـ في (أ): أن يملك المال فيه.(41/2)


فإن قيل: حقيقة الاستطاعة هي القوة، وعندكم أن كون المجاز مراداً باللفظ لايمنع كون الحقيقة مراداً(1) بها فما أنكرتم على من قال بأن الزاد والراحلة، وإن كانا مرادين، فلا يجب أن لاتكون القوة مراداً(2) بالآية، فيجب على القوي الحج، كما يجب على واجد الزاد والراحلة؟
قيل له: لسنا نمنع أن تكون القوة مراداً بالآية، إلا أنا نقول لابد من حصولها، وحصول الزاد، والراحلة، وقد ثبت أن الزاد، والراحلة مرادان كالقوة، على أن الاستطاعة إذا ثبت أنها تستعمل في اللغة في وجوه كثيرة، افتقر اللفظ إلى البيان، فإذا كان ذلك كذلك، كان قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( هي الزاد والراحلة )) بياناً لها، فوجب أن يكون المراد بها ما كان قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بياناً له.
فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: الحج بعرفة، (3) والعج به والثج. فما تنكرون على من قال لكم إن ذلك لايدل على أن الاستطاعة غير والزاد والراحلة؟
قيل له: عن هذا أجوبة:
أحدها: أن الظاهر أوجب أن لا حج غير الوقوف، وغير العج والثج، لكن اقتضى الدليل خلافه.
والثاني: أن الظاهر أوجب أن لايتم إلا بذلك، ولابد منه، فكذلك يوجب(4) أن تكون الاستطاعة لاتتم إلا بالزاد والراحلة، ولاتتم عندنا إلا بهما.
والثالث: أن قوله هي الزاد والراحلة خرج مخرج البيان، وقوله: ((الحج بعرفة والعج [به] والثج))، خرج مخرج التعظيم للوقوف والعج والثج، فلا يجب أن يستوي حكمهما، على أن المشهور في الرواية: ((أفضل الحج العج والثج))، وعلى هذا سقط(5) السؤال في هذه اللفظة.
__________
(1) ـ الصواب: مرادة به.
(2) ـ الصواب: مراده.
(3) ـ في هامش (ب): الحج بعرفة غير العج والثج هكذا في بعض النسخ، ثم قال: ينظر.
(4) ـ في (أ): وجب.
(5) ـ في (أ): يسقط.(41/3)


فإن قيل: فالمحرَم شرط للمرأة في لزوم الحج، وهو لم يُذكر في خبر الاستطاعة، فما أنكرتم أن يكون ذلك سبيل القوة؟ قيل له: نحن لم نوجب عليها الحج بوجود المحرم إذا لم يكن زاد وراحلة، فكذلك لانوجب الحج بوجود القوة إذا لم يكن زاد وراحلة.
فإن قيل: قد قال اللّه تعالى لإبراهيم عليه السلام: {وَأّذَّنْ فِيْ النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً..} الآية، وأنتم تقولون أن شرائع الأنبياء عليهم السلام تلزمنا مالم يثبت فيها النسخ، على أنه تعالى قال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلِيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيْمَ}.(41/4)

22 / 142
ع
En
A+
A-