وأخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا علي بن الحسين بن مروان، قال: حدثنا الحسن(1) بن عمر بن أبي الأحوص الثقفي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا إبراهيم بن هراشة، عن عمر بن موسى بن الوجيه، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه(2) صلى الله عليه وآله وسلم: ((الشهر تسعة وعشرون يوماً، والشهر ثلاثون يوماً، صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا العدة ثلاثين يوماً)) وهو قياس سائر الشهور في جواز دخول النقص والزيادة عليها وعلى العدد، والمعنى أنَّه من شهور الأهلة.
فإن استدلوا بقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} لم يصح ذلك؛ لأن إكمال العدة هو استيفاء [عدة](3) عدد أيام الشهر، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً، كان استيفاء هذه الأيام إكمال عدته، ألا ترى أن صلاة المغرب في نفسها كاملة، وكذلك صلاة العشاء، وكذلك صلاة الفجر، وإن كان عدد بعضها أزيد من غيره.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ((اطلبوها في العشر الأواخر)) فدل ذلك على أن ما بعد العشرين منه عشر كوامل.
قيل له: أكثر ما في هذا أن له عشراً أخيراً(4)، ولا يجب أن يكون قد تقدمته عشر، وعشر، بل لا يمتنع أن يكون المتقدم له عشراً وتسع، على أنَّه لا يمتنع(5) أن يطلق اسم العشر الأواخر على التسع على سبيل التوسع، كما أُجري اسم الأشهر على شهرين، وعشرة أيام حيث يقول تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٍ}، وكما سمت العرب عِشراً وعِشراً، ويومين عشرين؛ لأن العشر عندهم من إظماء الإبل، وهو اسم لتسعة أيام.
فإن قيل: روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ((شهرا عيد لا ينقصان، رمضان، وذو الحجة)).
__________
(1) ـ في هامش (ب): الحسين.
(2) ـ في (أ): النبي. نخ
(3) ـ سقط من (أ) و (ب).
(4) ـ في هامش (ب): أواخر. نخ
(5) ـ في (أ): غير ممتنع.(35/8)
قيل له: ليس في الحديث أن عدد أيامهما لا ينقص، ويحتمل أن يراد أن أحكامهما لا تتناقص، وإن كانا ثلاثين، أو تسعاً وعشرين؛ لأن في أحدهما الصوم، وفي الآخر الحج.
مسألة [فيمن رأى هلال شوال قبل الزوال]
قال القاسم عليه السلام في من رأى هلال شوال قبل الزوال أن الأولى أن يتم الصوم، ويؤخر الإفطار إلى الغد.
وهذا منصوص عليه في (مسائل النيروسي) وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي.
وقال الناصر عليه السلام، والإمامية، وأبو يوسف/110/: إن رؤي قبل الزوال، أفطر، وإن رؤي بعد الزوال، أُخِّر الإفطار إلى الغد.
ووجه ما ذهبنا إليه قول اللّه تعالى: {ثُمَّ أَتَمُّوا الصَّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فلا يجوز الإفطار في بعض النهار؛ لإيجاب اللّه تعالى علينا الإتمام إلى الليل.
ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته))، فجعل صلى الله عليه وآله وسلم الرؤيةَ علماً للصوم والإفطار، فيجب أن يكون قبلهما، كما أن اللّه تعالى جعل الدلوك عَلماً لوجوب الصلاة بقوله عزَّ من قائل: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىْ غَسَقِ الْلَّيْلِ} فوجب أن يكون الدلوك قبل وجوب الصلاة، ولا خلاف أنَّه إذا رؤي بعد الزوال، كان لِلَيلة مستقبلة، وكذلك إذا رؤي قبل الزوال، والعلة أن رؤيته حصلت في بعض ذلك اليوم، أو يقال: إن رؤيته لم تثبت ليلة ذلك اليوم، على أنَّه غير ممتنع أن يكون رؤي لكبره، لا لأنَّه لِلَيلة الماضية؛ لأن الأهِلَّة تكبر، وتصغر بحسب الأوقات التي تفارق الشمس فيها.
ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه ـ من أنَّه لا اعتبار برؤيته نهاراً ـ أن ذلك لو وجب، لوجب أن يكون الصوم يجب ـ وكذلك الفطر ـ من وقت الرؤية، وذلك يؤدي إلى أن يكون يوم واحد بعضه من شعبان، وبعضه من رمضان، أو بعضه من رمضان، وبعضه من شوال، وهذا خلاف الإجماع.
مسألة [في صوم يوم الشك]
قال: والصوم في يوم الشك أولى من الإفطار.(35/9)
وقد نص عليه في (الأحكام) (1).
ووجهه حديث أبي هريرة، وأبي سعيد، قالا: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن اللّه تعالى يقول: الصوم لي، وأنا أجزي به، وإن للصائم فرحتين: فرحة إذا أفطر، وفرحة إذا لقي اللّه سبحانه فعموم قوله: ((الصوم لي)) يوجب أن يكون كل صوم مستحباً؛ لأن دخول الألف واللام عليه توجب استغراق الجنس، وكذلك قوله: ((للصائم فرحتان))، يوجب أن ذلك لكل صائم، إلاَّ ما منع منه الدليل.
وروى ابن أبي شيبة ـ بإسناده ـ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم)) (2) وهذا عام في كل صوم إلاَّ ما قام دليله، فصار عموم هذه الظواهر يقتضي أن صوم يوم الشك مستحب.
ومن المعتمد في هذا الباب ما اشتهر عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: ((لأن أصوم يوماً من شعبان، أحب إليَّ من أفطر يوماً من رمضان)) (3).
وروى ابن أبي شيبة، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم [كان يصل شعبان برمضان. وذلك لا يكون إلا بصوم يوم الشك.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/239 وهو بالمعنى.
(2) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/274 وإسناده حدثنا ابن مبارك، عن موسى بن عبيدة، عن جمهان، به.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/285 وإسناده: حدثنا زيد بن الحباب، عن شعبة، عن منصور، عن سالم، عن أبي سلمة، به.(35/10)
ولا خلاف أن صوم الشك جائز ومستحب، وإنما الخلاف في جهة صومه، فإن الشافعي يستحبه إذا صام شعبان كله، أو وافق ذلك صوما](1) كان يصومه، وأبو حنيفة يستحبه بنية شعبان، فصار استحباب صومه مجمَعاً عليه، فإذا ثبت ذلك، لم يلزمنا إلاَّ بيان تأويل النهي الوارد فيه، فنقول: هو نهي عن صومه على أنَّه من رمضان، وعندنا أن صومه على هذا الوجه غير جائز. وهو قياس على أول شعبان في أن صومه مستحب، فكذلك يوم الشك، والمعنى أنَّه يوم من شعبان، فإذا(2) جاز أن يصومه الإنسان موصولاً بما قبله، جاز أن يصومه مبتدئاً؛ بعلة أنَّه يوم من شعبان.
ويقوي هذه العلة ما وجدنا في الأصول أن الأيام التي مُنعنا من صومها، لم ينفصل حالها بين أن يتقدمها الصوم، أو لا يتقدمها، فوجب أن يكون يوم الشك ـ أيضاً ـ بهذه المثابة، فلا يكره صيامه ابتداء، كما لا يكره استمراراً.
ومما يؤكد قولنا أنَّه احتياط، /111/ والاحتياط مستحب في جميع العبادات، فوجب أن يستمر في يوم الشك، ويمكن أن يقاس على آخر يوم من رمضان [إذا شك فيه في أنَّه لا يكره صومه؛ والعلة أنَّه يوم يشك فيه من رمضان] (3).
فإن قيل: منعنا من قصد يوم الجمعة بالصيام؛ لأنه يوم عظيم الحرمة، فلم يؤمَن أن يعتقد وجوب صومه، فكذلك يجب أن يكون صوم يوم الشك ممنوعاً منه، لئلا يُعتقد فيه الإيجاب.
__________
(1) ـ ما بين المعكوفين نقص من (أ) و (ب).
(2) ـ في (أ): وإذا.
(3) ـ ما بين المعكوفين سقط من (أ) و (ب).(35/11)
قيل له: إنما ساغ ذلك يوم الجمعة؛ لأنه لم يتعلق به احتياط للفرض، وصيام(1) يوم الشك قد تعلق به احتياط للفرض، فوجب أن يكون الاحتياط الذي ذكرناه أولى من الاحتياط الذي ذكرتموه؛ لأنه يمكن أن يثبت غير واجب، ولا يمكن مع إفطاره ـ إن كان من رمضان ـ إزالة الإفطار فيه، على أن المسألة إجماع أهل البيت عليهم السلام، ومشهور(2) عن علي عليه السلام، وما كان من المسائل هذه سبيله، لم يستجز خلافه.
مسألة [فيمن صام يوم الشك كيف ينوي؟]
قال: وينبغي لمن صامه أن ينوي فرضه إن كان من رمضان، أو تطوعه إن كان من شعبان حتى تقع النية مشروطة.
وهذه الجملة منصوص عليها في (الأحكام) (3)، وتشتمل على ثلاث مسائل منها:
[المسألة الأولى]: أن الصوم لا بد له من النية، وقد حقق ذلك يحيى عليه السلام بقوله في آخر هذه المسألة في (الأحكام)(4): فإن كان ذلك اليوم من رمضان، فقد أدى صومه بما عقد من نيته، فنبه على أن عقد النية به يؤدى الصوم.
المسألة الثانية(5): أن فرضه لا يؤدى بنية التطوع، بل لا بد من نية الفرض.
والمسألة الثالثة: أن النية يجب أن تقع لصوم(6) يوم الشك، فشروطه:
المسالة الأولى [في وجوب النية]
قول عامة العلماء أنَّه لا بد في الصوم من النية، وقول زفر لا يحتاج إليها.
والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ} فأخبر تعالى أنهم أمروا بالعبادة مع الإخلاص، والإخلاص من عمل القلب، وهو النية.
__________
(1) ـ في (أ): صوم.
(2) ـ في هامش (ب): فروي.
(3) ـ انظر الأحكام 1/239 وهو بلفظ قريب.
(4) ـ انظر الأحكام نفس الصفحة.
(5) ـ في (أ): جعل المسألة الثانية الثالثة وأسقط المسألة الثالثة.
(6) ـ في (ب) و (أ): لصوم الشك.(35/12)