وقلنا: أنه يتيمم؛ لأنه ليس بأوكد من سائر الصلوات، فكما أنها تؤدى بالتيمم مع تعذر التطهر فكذلك صلاة الجنازة.
وقلنا: أنه لا يستحب بغير طهور أو تيمم؛ لأنه يبعد أن يتعذرا جميعاً ـ أعني الطهور والتيمم ـ والقياس أنهما تعذرا بواحدة صلى بغير طهور أو تيمم كسائر الصلوات.
وقلنا: إنَّه يقف من الرجال عند السرة ومن النساء عند اللبة، لما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، أنَّه كان إذا صلى على جنازة رجل، قام عند سرته، وإن كانت امرأة، قام حذا(1) ثدييها؛ ولأنه رأى أهل البيت عليهم السلام لا أحفظ عنهم فيه خلافاً.
فصل [في حكم الصلاة على القبر]
قوله: من خشي أن تفوته الصلاة على الميت، تيمم، وصلى عليه يدل على أنَّه لا يرى الصلاة على الميت، ولا على القبر.
والوجه في ذلك أن الصلاة على الميت فرض من فروض الكفايات إذا قام به فريق، سقط عن الباقين، فلو ثبت، لم يبق إلاَّ طريق التطوع، ولا يتطوع بالصلاة على الميت؛ لأن ذلك لو جاز، لصلي على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أجمع(2) الجميع على ترك الصلاة على قبره، صح ما ذكرناه.
فإن قيل: قد صلى عليه فريق بعد فريق.
قيل له: لا يمتنع أن تكون الصلاة عليه خاصاً فرضاً على جميع من حضره، يبين ذلك أنهم صلوا عليه بغير إمام، فبان أن كل واحد منهم كان يؤدي ما عليه.
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم /246/ على جنازة، فدفن الميت، فلما فرغ من الدفن، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني لم أدرك الصلاة عليه، أفأصلي على قبره؟
فقال: لا. ولكن قم على قبره، فادع، وترحم عليه. فدل نهيه صلى الله عليه وآله وسلم على أنَّه لا يصلى على القبر.
مسألة [في اجتماع الجنائز المختلفة]
__________
(1) في (ب): حيال.
(2) في (أ): أجمع جمع.(25/10)


قال: وإذا اجتمع جنائز العبيدُ، والأحرار، والنساء، ولإماء، وضع جنائز الرجال الأحرار أمام الإمام، وتوضع جنائز الولدان الأحرار الذكور، بحيث تلي جنائز العبيد، وجنائز الإماء بحيث تلي جنائز الولدان، وجنائز الحرائر بحيث تلي جنائز العبيد وجنائز الإماء بحيث تلي جنائز الحرائر(1).
قال(2): وقال في (المنتخب)(3): توضع جنائز الرجال الأحرار بحيث تلي الإمام، ثُمَّ جنائز الولدان الأحرار، ثُمَّ جنائز النساء الحرائر، ثُمَّ جنائز العبيد، ثُمَّ جنائز الإماء، ويصلى عليهم صلاة جنازة واحدة، وينوي الصلاة عليهم.
ما ذكرناه أولاً هو رواية (الأحكام)(4) وهو الأصح؛ لما رواه زيد بن علي، عن آبائه عن علي عليه السلام، قال: إذا اجتمعت جنائز الرجال والنساء جعل الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة.
وروي نحو ذلك عن ابن عمر.
وهو الذي يقتضيه النظر؛ لأن الإمام إذا صلى بالرجال والنساء، كان الرجال بحيث يلون الإمام، والصبيان بحيث يلونهم، والنساء بحيث تلينهم، فوجب أن يكونوا كذلك إذا صلى عليهم الإمام، وعلى هذا لو كان معهم خنثى، وضع بحيث تلي الرجال، والنساء بحيث يلين الخنثى.
وقلنا: إن الصبيان الأحرار يكونون بحيث يلون الرجال الأحرار؛ لأنهم في الحكم أقرب إليهم من العبيد فألحقناهم بهم، ألا ترى أنَّه يحكم لهم في الإسلام بأحكام آبائهم، ولا يحكم للعبيد بأحكام مواليهم.
مسالة [إذا أتت جنازة أخرى أثناء الصلاة]
وإذا وضعت الجنازة بين يدي الإمام، فكبر عليها تكبيرة، ثُمَّ أتت جنازة أخرى، نواها مع الجنازة الأولى عند التكبيرة الثانية، وأتم التكبيرات ستاً، ثُمَّ كذلك إن قدمت جنازة بعد أخرى.
__________
(1) في (ب): بحيث تلي جنائز الأحرار وجنائز العبيد، بحيث تلي جنائز الولدان، وجنائز النساء الحرائر، بحيث تلي جنائز العبيد، وجنائز الإماء، بحيث تلي جنائز الحرائر
(2) سقط من (ب): قال.
(3) انظر المنتخب ص66.
(4) انظر الأحكام 1/163.(25/11)


وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(1).
قلنا: ذلك ليحصل لكل جنازة خمس تكبيرات، والأصل فيه: ما روي أن النبي صلى الله علي وآله وسلم لما صلى على حمزة رضي الله عنه، أُتي بجنازة بعد جنازة من الشهداء، فصلى عليهم، كان يكبر على كل جنازة(2) وترفع، وحمزة موضوع، حتَّى كبر عليه رضي الله عنه سبعين تكبيرة.
مسألة [في اجتماع المكتوبة وصلاة جنازة]
قال القاسم عليه السلام: وإذا حضرت جنازة، وصلاة مكتوبة، بدأت بأيهما شئت، إلاَّ إذا خفت فوات المكتوبة، فإنك تبدأ بها.
وهذا منصوص عليه في (مسائل النيروسي).
والوجه فيه بأنهما(3) واجبان جميعاً، أعني المكتوبة والصلاة على الجنازة، والوقت لهما فيبدأ بأيهما شاء كالصلاة والزكاة، فإذا خاف فوات المكتوبة لضيق وقتها، وجب أن يبدأ بها، إذ لو لم يبدأ بها، لفاتت وصلاة الجنازة لا تفوت.
مسألة [في التعزية لأهل الذمة]
ولا بأس بالتعزية لأهل(4) الذمة إذا لم يدع لهم بالمغفرة، ولا ينبغي أن يشهد جنائزهم.
قال: وإذا ماتت الذمية وفي بطنها ولد مسلم ميت(5)، لم يتغير حكمها عن حكم أهل ملتها، بل تدفن في مقابرهم، ولا يعمل بها، إلاَّ ما يعمل بموتاهم.
وذلك منصوص عليه في (الأحكام)(6).
__________
(1) انظر المنتخب ص66.
(2) في (أ): كل واحدة.
(3) في (ب): أنهما.
(4) في (أ): بتعزية أهل.
(5) سقط من (أ) و(ب): ميت.
(6) انظر الأحكام 1/160.(25/12)


قلنا: إنَّه لا بأس بتعريتهم إذا لم يدع لهم بالمغفرة؛ لقول الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِيْنَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِيْ الدِّيْنِ وَلَمَ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرَّوُهُمْ}[الممتحنة:8]، والتعزية ضرب من المبرة؛ ولأن التعزية وعظ، وتذكير، وأمر بالصبر، وذلك مما يحسن على وجه، واستثنى الدعاء بالمغفرة لهم منها /247/؛ لقول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِيْنَ}[التوبة:113]، وكرهنا حضور جنائزهم؛ لقول الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}[التوبة:84]، وحضور الجنازة كالقيام على القبر.
وقلنا: إن الذمية إذا ماتت، وفي بطنها ولد مسلم ميت، أنَّها تدفن في مقابر أهل ملتها؛ لأن الولد ما دام في بطن أمه، فحكمه حكم البعض منها، فلذلك لم يجب أن يتغير من أجله حكمها.
فصل [فيمن يلي غسل الميت]
قال يحيى بن الحسين عليه السلام في (الأحكام)(1): ولا يلي غسل الميت إلاَّ أولى الناس به، أو أطهر من يقدر عليه من أهل ملته.
فدل بذلك أن أولى الناس به هو الأولى بالصلاة عليه، فإن لم يكن فأطهر من حضر من أهل دينه.
وقلنا ذلك؛ لما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام في رجل توفيت امرأته، فيصلى عليها؟ قال: لا، عصبتها أولى بها، فدل ذلك على أن العصبة أولى من السلطان؛ لأنَّه قال: عصبتها أولى، فأطلق القول، ولم يقل بعد السلطان.
__________
(1) انظر الأحكام 1/164.(25/13)


وقال زيد بن علي عليه السلام: كانت تحت أبي امرأة من بني سليم فماتت فاستأذن عصبتها في الصلاة عليها فقالوا: صل رحمك الله؛ ولأنه أمر يخص ولا يعم، فوجب أن يكون الولي المناسب أولى به من السلطان كالنكاح والقصاص، ولا خلاف أن الولي أولى بالصلاة عليه من كل أجنبي، ليس بسلطان، ولا إمام الحي، فوجب أن يكون أولى من السلطان ومن إمام الحي؛ لأنَّه ولي مناسب.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( لا يؤم رجل رجلاً في سلطانه إلاَّ بإذنه )).
قيل له: ذلك في غير صلاة الجنازة بدلالة ما قدمناه.
فإن قيل: روي أن الحسين عليه السلام قدم سعيد بن العاص في الصلاة على الحسن عليه السلام، وقال: لولا السنة ما قدمتك.
قيل له: إن صح الخبر، فلسنا نمنع أن يكون أراد به قطع الفتنة، وذلك أن الحسن عليه السلام كان أوصى أن لا تراق بعده بسببه دم محجمة فيكون المراد بقوله: لولا السنة في إمضاء الوصية بترك ما يثير الفتنة، سيما وقد روي أن الحسين عليه السلام كان لعن سعيد بن العاص، ولا يجوز أن يقدم من يستحق اللعن عنده، إلاَّ على طريق الإضطرار.(25/14)

99 / 138
ع
En
A+
A-