قال في (الأحكام)(1): (فإن فعلن، فليتنحين، وليكن بمعزل عن الرجال) /243/.
وقلنا: إنَّه يكره النعي في الأسواق، ولا بأس بالإيذان؛ لما أخبرنا به أبو العباس الحسني عليه السلام، قال: أخبرنا ابن أبي حاتم، قال: حدثنا أسد بن عاصم، قال: حدثنا حفص ابن حسين، عن سفيان، عن منصور، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الأذان من النعي، والنعي من أمر الجاهلية )).
وحدثنا أبو العباس الحسني رحمه الله، قال: أخبرنا ابن أبي حاتم، قال: حدثنا أحمد بن سنان، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا شريك(2)، عن أبي إسحاق، عن عامر، عن ابن عباس، قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبراً حديثاً، فقال: (( ألا آذنتموني به ))؟
وروي أن مسكينة مرضت، فأُخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمرضها ـ وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعود المساكين، ويسأل عنهم ـ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( إذا ماتت فآذنوني )).
وقلنا: إنه يستحب الصلاة على الميت في أوقات الصلوات المفروضات، وكذلك التقبير؛ لأنها أفضل الأوقات.
وقلنا: إن الصلاة تكره في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وهي عند طلوع الشمس، وحين غروبها، وحين استوائها؛ لِما روى عقبة بن عامر الجهني، قال: ثلاث ساعات نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، وقد ذكرنا الحديث بإسناده في (كتاب الصلاة).
مسألة [في تكبير الجنازة]
قال: ويكبر على الجنائز خمس تكبيرات.
قال: وقال القاسم عليه السلام: ويرفع يديه في أول تكبيرة فقط.
وقد نص في كتاب (الأحكام) و(المنتخب)(3) على عدد التكبيرات.
وما ذكرناه عن القاسم عليه السلام مروي عنه في كتاب (الأحكام)(4)، وفي (مسائل النيروسي).
__________
(1) انظر الأحكام 1/156.
(2) في (أ): عن شريك.
(3) انظر الأحكام 1/158، انظر المنتخب ص66.
(4) انظر الأحكام 1/159.(25/5)
وقلنا: إن التكبيرات خمس؛ لما أخبرنا به أبو العباس الحسني رحمه الله، حدثنا سالم بن الحسن بن سالم البغدادي، حدثنا يوسف بن محمد العطار الواسطي، حدثنا عبد الحميد بن بُنان، حدثنا جابر بن عبد الله، عن عبد العزيز بن الحكم الحضرمي، قال: صليت خلف زيد بن أرقم على جنازة، فكبر خمساً، فسُئل عن ذلك فقال: (( سنة نبيكم )).
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا أحمد بن أبي داود، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا إسرائيل بن يونس، حدثنا عبد الأعلى أنَّه صلى خلف زيد بن أرقم على جنازة، فكبر خمساً، فسأله عبد الرحمن بن أبي ليلى فأخذ بيده فقال: أنسيت؟ فقال: لا، ولكني صليت خلف أبي القاسم خليلي صلى الله عليه وآله وسلم فكبر خمساً، فلا أتركه أبداً(1).
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا ابن أبي داود، حدثنا عيسى بن إبراهيم، حدثنا عبد العزيز بن أبي مسلم، عن يحيى بن عبد الله التيمي، قال: صليت مع عيسى ـ مولى حذيفة ـ على جنازة، فكبر خمساً عليها، ثُمَّ التفت إلينا فقال: ما وهمت، ولا نسيت، ولكني كبرت كما كبر مولاي وولي نعمتي ـ يعني حذيفة بن اليمان ـ صلى على جنازة فكبر خمساً، ثُمَّ التفت إلينا فقال: ما وهمت ولا نسيت، ولكني كبرّت كما كبر رسول الله صلى الله وآله وسلم(2).
فإن قيل: روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبر على النجاشي أربعاً حين نعاه الناس إليه.
وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكبر أربع تكبيرات على الميت.
وروي عن زيد بن أرقم أنَّه كبر على أبي شريك أربعاً، ثُمَّ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل.
وروي عن ابن /244/ أبي أوفا، نحوه.
__________
(1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/494.
(2) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/494.(25/6)
قيل له: ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبر أربعاً فيحتمل أن يكون المراد به(1) غير تكبيرة الإحرام، وهو أولى ليكون جمعاً بين الأخبار أجمع، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم كبر مرة أربعاً، ومرة خمساً، فإن كان كذلك، كان ما ذهبنا إليه أولى، لأن فيه زيادة، وعلى هذا يحمل(2) ما روي عن زيد بن أرقم أنَّه كبر أربعاً، ثُمَّ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل، على أن فيما رويناه عنه أنَّه كبر خمساً، ثُمَّ قال سنة نبيكم؛ ما يحقق أن السنة ما ذهبنا إليه، وإن كان صلى الله عليه وآله وسلم قد كبر في بعض الأوقات أربعاً.
فإن قيل: روي أن عمر جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أربع تكبيرات.
قيل له: إنَّما جمع طائفة منهم دون الجميع، يدل على ذلك: ما رويناه عن زيد بن أرقم وحذيفة أنهما كبرا خمساً، وقال زيد بن أرقم: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكبر خمساً، فلا أتركها أبداً.
وروى محمد بن منصور بإسناده عن حصين بن عامر، قال: قال لي أبو ذر: يا حصين بن عامر، إذا أنا مت، فاستر عورتي، وانق غسلي، وكفني في وتر، وكبر علي خمساً، وسلني سلاً، وربِّع قبري تربيعاً.
وروى محمد، عن الشعبي أن علياً عليه السلام كبر على سهل بن حنيف ستاً، فكل ذلك يبين أن عمر جمع على ذلك طائفة من الصحابة دون الجميع.
وروى محمد بإسناده، عن عمر بن علي بن أبي طالب أن علياً عليه السلام كبر على فاطمة عليهما السلام تكبيرات خمساً، ودفنها ليلاً.
وروى أيضاً بإسناده عن الحسن بن علي عليهم السلام أنَّه صلى على أبيه أمير المؤمنين عليهما السلام فكبر خمساً، وأن محمد بن الحنفية صلى على ابن عباس رضي الله عنهما، فكبر خمساً.
__________
(1) سقط من (ب): به.
(2) في (أ): وعلى هذا المحمل.(25/7)
وروي عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام في الصلاة على الميت قال: تبدأ في التكبيرة الأولى بالحمد والثناء على الله تعالى، وفي الثانية بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الثالثة بالدعاء لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، وفي الرابعة بالدعاء للميت والإستغفار له، وفي الخامسة يكبر [على الميت](1) ثُمَّ يسلم.
فدل ذلك على أنَّه كان يرى التكبيرات خمساً، على أنَّه رأى أهل البيت عليهم السلام، ولا أحفظ عن أحدٍ منهم خلافاً.
وفيه من طريق النظر أنَّه أمر يختص به الميت، قد قصد به التكبير، فوجب أن يكون وتراً قياساً على عدد الغسلات والأكفان.
وقلنا أنَّه يرفع يديه في أول تكبيرة؛ لما رواه زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام أنَّه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى، ثُمَّ لا يعود.
مسألة [بماذا يدعو بين التكبيرات]
قال: ولا نضيق على المصلي على الميت، ما قال من الدعاء بين التكبيرات، ويستحب له أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، وقل هو الله أحد بعد التكبيرة الثانية، وقل أعوذ برب الفلق بعد التكبيرة الثالثة، وبعد الرابعة يدعو للميت إن كان من المؤمنين، ويسلم بعد الخامسة عن يمينه وعن شماله، ومن فاته شيء من التكبيرات، أتم بعد انصراف الإمام قبل أن يرفع الميت.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(2)، قال فيه: ليس نضيق عليه ما قال في صلواته(3) ودعائه بعد أن يصلي على الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ويدعو /245/ للميت ويستغفر له.
__________
(1) زيادة في (أ).
(2) انظر الأحكام 1/158 ـ 159.
(3) في (ب): صلاته.(25/8)
وقلنا ذلك؛ لما روى زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنه يبدأ في التكبيرة الأولى بالحمد والثناء على الله، وفي الثانية بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الثالثة بالدعاء لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، وفي الرابعة بالدعاء للميت والإستغفار له. فذكر ذلك كله على الجملة ولم يحد فيه شيئاً بعينه.
وقلنا: إنَّه يستحب القراءة فيها؛ لما أخبرنا به أبو العباس الحسني، أخبرنا محمد بن علي ابن الحسين الصواف، حدثنا أبو يزيد المقرئ، حدثنا إسماعيل بن سعد(1)، حدثنا سليمان بن داود، عن إبراهيم بن سعيد، أخبرني أبي، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، وسورة، فجهر حتَّى سمعنا، فلما انصرف أخذت بيده، فسألته عن ذلك، فقال: (( سنة وحق )).
وروي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قرى بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى.
وقلنا: إنَّه يسلم بتسليمتين؛ لأن التكبير تحريمها، فوجب أن يكون تحليلها التسليم كسائر الصلوات.
وقلنا: أن من فاته شيء من التكبيرات، أتمها بعد انصراف الإمام؛ لأن حكمه حكم المسبوق في العبارة، فكما أن المسبوق في الصلاة يتم صلاته بعد فراغ الإمام يتم هو.
وقلنا: قبل أن يرفع الميت؛ لأنَّه يكون مصلياً عليه ما دام هو بين يديه، فأما إذا رفع ونحي أن يكون بين يديه لا(2) يكون مصلياً عليه.
مسألة [فيمن يخشى فوات صلاة الجنازة]
قال: ومن خشي أن تفوته الصلاة على الميت، تيمم، وصلى، ولا يستحب بغير طهور، أو تيمم، ويستحب للإمام أن يقف من الرجال حذاء السرة، ومن النساء حذاء اللبة.
جميع ذلك منصوص عليه في (الأحكام) و(المنتخب)(3)، غير ما ذكرنا من أنه لا يستحب بغير طهور أو تيمم.
__________
(1) في (ب): سعيد.
(2) في (ب): فلا.
(3) انظر الأحكام 1/159، 166. والمنتخب ص67.(25/9)