وروي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( البسوا هذه الثياب البيض، فإنها خير لباسكم، وكفنوا فيها موتاكم )).
وروي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه /241/ وآله وسلم كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض.(24/3)


باب القول في حمل الميت والصلاة عليه
[مسألة: في صفة حمل الجنازة]
يستحب لمن أراد حمل الجنازة أن يبدأ بمقدم ميامنها، ثم بمؤخرها، ثم بمقدم مياسرها، ثم بمؤخرها، والمشي خلف الجنازة أفضل منه(1) أمامها.
وذلك كله منصوص عليه في (الأحكام) و(المنتخب)(2).
واستحببنا أن يبدأ بالميامن، ثم بالمياسر؛ لأن الابتداء بالميامن في سائر الأمور هو المستحب.
وقال: صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا لبستم أو توضأتم فأبدأوا بميامنكم )).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم حين أمر بغسل ابنته: (( ابدأن بميامنها )).
وقلنا: إن المشي خلف الجنازة أفضل من(3) أمامها؛ لما أخبرنا به أبو الحسين البروجردي، قال: حدثنا سفيان بن هارون القاضي، قال: حدثنا عبدالله بن أيوب، قال: حدثنا سفيان، عن عروة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه أن عليّاً عليه السلام مشى خلف جنازة، فقيل له: إن أبا بكر، وعمر كانا يمشيان أمامها، فقال: إنهما كانا سهلين يحبان أن يسهلا على الناس، وقد علما أن المشي خلفها أفضل.
وروي أن عليّاً عليه السلام سئل عن ذلك، فقيل له: أهو شيء(4) قلته برأيك، أم سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: بل سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروي عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( الجنازة متبوعة، وليست بتابعة، ليس معها من تقدمها )).
فإن قيل: روي عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها )).
قيل له: هذا يدل على الجواز، ونحن لا نخالف في أن المشي أمامها جائز، ولكن الخلاف في الأفضل من الأمرين.
__________
(1) في (أ): من.
(2) انظر الأحكام 1/155، انظر المنتخب ص65، وفيهما: أنه منع من المشي أمام الجنازة.
(3) في (ب): منه.
(4) سقط من (أ): شيء.(25/1)


وكذلك الجواب إن قيل: روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمشي أمام الجنازة، يدل على أن المشي أمامها أفضل؛ لأنَّه لم يكن يعدل عن الأفضل إلى الأدنى.
قيل له: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعدل في بعض الأحوال عن الأفضل، ليدل على جواز العدول عنه، فإذا ثبت ذلك، فما روي من أنه كان يمشي أمام الجنازة؛ ليدل على جواز ذلك فقط كما بيناه.
مسألة [فيمن تجوز الصلاة عليه ومن لا تجوز]
قال: ويصلى على كل من مات من المسلمين، ولا يصلى على الفاسق.
قد دل على ذلك كلام يحيى عليه السلام في غير موضع من (الأحكام)(1) من أن الصلاة على كل من مات من أهل الملة ولا خلاف فيه، إلا الشهيد والفاسق.
أما(2) الشهيد، فقد مضى الكلام في الصلاة عليه.
وأما الفاسق، فالذي يدل على أنه لا يصلى عليه قول الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً..}[التوبة:84] الآية، فنبّه تعالى على أنه نهى عن الصلاة عليهم؛ لأنهم كفروا، ولأنهم ماتوا وهم فاسقون، فكل من مات فاسقاً، فلا يجب أن يصلى عليه.
فإن قيل: إنه تعالى منع الصلاة عليهم لاجتماع الكفر والفسق، فمن فسق، ولم يكفر، لم يجب أن لا يصلى عليه.
قيل له: الآية دلت على أن المنع من الصلاة عليهم بكل واحد من الأمرين، وذلك المنع من الصلاة عليهم جارٍ مجرى العقاب لهم، ولا يجوز أن يعاقب الإنسان بأمرين إلا إذا كانا كل واحد منهما مما يجب العقاب به، ألا ترى أنه لا يجوز أن يعاقب لأمرين، أحدهما معصية، والآخر مباح، فإذا ثبت ذلك، وثبت أن الله تعالى منع من الصلاة عليهم للكفر والفسق، ثبت أنه لا يصلى على من كان كافراً، أو كان فاسقاً.
__________
(1) انظر الأحكام 1/154.
(2) في (ب): فأما.(25/2)


ويدل على ذلك ما روي عن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم /242/ فقالت: إني زنيت وهي حبلى، فدفعها إلى وليها، وقال أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها، فلما وضعت جاء بها، فرجمها، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها وقد زنت؟ فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: (( لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة، لكفتهم )). فلولا أنه كان من المعلوم عند عمر أنه لا يصلى على الفاسق، لم يكن لقوله: أتصلي عليها وقد زنت معنى، ولولا(1) أن ذلك صحيحاً، لم يقل صلى الله عليه وآله وسلم مجيباً له: (( إنها قد تابت توبة )). بل كان يقول وما في أنها زنت مما يمنع من الصلاة عليها، فثبت بذلك أنه لا يصلى على الفاسق.
ويدل على ذلك أيضاً: ما روي عن جابر بن سمرة، أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( أما أنا، فلا أصلي عليه )).
فإن قيل: يجوز أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم لم يُصل عليه، وأمر غيره بأن يصلي عليه، كما روي فيمن عليه الدين.
قيل له: لم يُروَ ذلك، ولو كان الأمر على ما قلتم، لروي كما روي فيمن عليه الدين.
ويدل على ذلك ما أخبرنا به أبو الحسين ابن إسماعيل، حدثنا الناصر للحق عليه السلام، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا أحمد بن عيسى، عن حسين، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام، قال: لا يصلَّى على الأغلف؛ لأنه ضيع من السنة أعظمها، إلا أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه.
__________
(1) في (أ): فلولا.(25/3)


فإن قيل: روي أن رجلاً مات بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( صلوا على صاحبكم، إنه غازٍ(1) في سبيل الله )). ففتشنا متاعه، فوجدنا فيه خرزاً من خرز اليهود ما يساوي درهمين، ففي هذا أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا بالصلاة عليه؛ لأن ذلك الفعل منه لم يبلغ أن يكون فسقاً، وهو قياس على الكافر بعلة أنه مات، وهو مصر على الكبيرة، وإذا كان الكلام بيننا وبين أبي حنيفة، قسناه على الباغي، وعلى قاطع الطريق بهذه العلة.
وهذه المسألة عندنا مبنية على القول بالوعيد، فإذا صح ذلك، صح قياس الفاسق على الكافر بعلة انقطاع الولاية، وبأنه من أهل النار، ومع هذا الأصل تسقط أكثر عللهم وتراجيحهم؛ لأنهم يقولون إنه يرجى له الشفاعة، ويقولون: إنه ثابت الولاية ويقولون: إنه مؤمن، ومسلم، وكل ذلك عندنا غير صحيح.
مسألة [في النعي والإيذان واتباع النساء للجنائز وأوقات الصلاة على الميت]
ويكره للنساء اتباع الجنائز، ويكره النعي في الأسواق، ولا بأس بالإيذان، ويستحب الصلاة على الميت في أوقات الصلوات المفروضات.
قال: وقال القاسم عليه السلام، وكذلك التقبير.
ويكره في الأوقات التي نهي عن الصلوات فيها.
جميع ذلك منصوص عليه في (الأحكام)(2).
قلنا: إنَّه يكره للنساء اتباع الجنائز؛ لأن تركه أستر لهن، والمستحب لهن في عامة الأحوال ما كان أستر لهن.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( النساء عي، وعورات، فاستروا عيهن بالسكوت، وعوراتهن بالبيوت )).
وروي عن محمد بن الحنفية، عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى نسوة قال(3): (( ما يحبسكن ))؟ قلن: ننتظر جنازة.
قال: (( هل تحملن فيمن يحمل ))؟ قلن:لا. قال: (( هل تغسلن فيمن يغسل ))؟ قلن:لا. قال: (( هل تدلين فيمن يدلي ))؟ قلن: لا. قال: (( فارجعن مأزورات غير مأجورات )).
__________
(1) في (ب): عال.
(2) انظر الأحكام 1/156، 165.
(3) في (أ): فقال.(25/4)

97 / 138
ع
En
A+
A-