وقلنا إنهما يتيممان؛ لما ثبت أن الجنب عند الضرورة يدخل بالتيمم فيما منع منه، والحائض أجريناها مجرى الجنب في هذا الباب.
مسألة [في صفة غسل الميت]
وغسل الميت كالغسل من الجنابة، يغسل فمه، وأسنانه، وشفتاه، وأنفه، ويتمم وضوءه.
ويستحب أن يغسل ثلات غسلات، أولاهن بالحرض، والثانية بالسدر، والثالثة بالكافور، وإن لم يوجد ذلك، فلا بأس أن يغسل الغسلات الثلاث بالماء القراح، ولا بأس بتسخين الماء له، فإن حدث بعد ذلك حدث، تمم الغسل خمساً، فإن حدث بعد ذلك حدث(1)، تمم سبعاً، وما كان بعد ذلك، احتيل في رده بالكرسف وغيره، وما حدث بعد التكفين لا يوجب تكرير الغسل، ويدفن بحاله، ولا يمشط شعره، ولا يؤخذ، ولا يقلم ظفره.
قال القاسم عليه السلام: وما يسقط عنه من شعر(2)، أو ظفر، رد في كفنه.
ويستحب أن يغسل في موضع مستور من فوقه، ويستحب الاغتسال لمن غسل الميت.
جميع ذلك منصوص عليه(3) في (الأحكام)، وبعضه في (المنتخب)(4).
قلنا: إنَّه يغسل فمه، وأسنانه، وشفتاه، وأنفه، ويتمم وضوءه؛ لما رواه أبو بكر الجصاص بإسناده، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهن في غسل ابنته: (( ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها )). وقد ثبت عندنا أن الفم داخله وخارجه، والأسنان، والشفه، والأنف داخلة وخارجة من مواضع الوضوء.
__________
(1) سقط من (أ): حدث.
(2) في (أ): و سقط من شعر.
(3) في (ب): على بعضه.
(4) انظر الأحكام 1/164، 165، إلا أنه قال: لو أن كانت امرأة لم يرح شعرها بمشط. ولم يذكر الرجل. وانظر المنتخب ص64، 65.(23/12)


وقلنا: إنَّه يغسل ثلاث غسلات بالحرض، والسدر، والكافور؛ لما روي محمد(1) بن سيرين، عن أم عطية /239/ الأنصارية، قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفيت ابنته فقال: (( اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء، وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور )).
فلما قال: (( اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً ))، قلنا: إن أقل ما يغسل الميت ثلاثاً، وقلنا: إنَّه يغسل بالسدر والكافور؛ لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.
وقلنا: إنه يغسل أولاً بالحرض؛ ليكون أنقى.
وما قلنا: من أن الماء القراح يجزي، فلا خلاف فيه.
وقلنا: إنَّه لا بأس بتسخين الماء؛ لأن ذلك أبلغ في تطهيره وتنقيته.
وقلنا:إنه إن حدث به حدث، أتم الغسل خمساً، ثم إن حدث بعده أتم سبعاً؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك )). وفي بعض ما روي: (( أو خمساً، أو سبعاً إن رأيتن ذلك ))، فعلق ذلك على رأيهن، وقد علمنا أنَّه ليس المراد به شهوتهن للغسل، وإنما المراد إن عرض ما يقتضي ذلك.
وقلنا: إنَّه إن حدث(2) بعد السابع حدث، احتيل في رده بالكرسف وغيره، وكفن؛ لأن الحي أيضاً إذا لزمه حدث من الأحداث كسلس البول ونحوه، ترك واحتيل في رده، ولم يوجب تكرير الغسل أبداً(3)، فكان الميت بذلك أولى؛ ولأن خلاف ذلك يؤدي إلى ما لا يمكن.
وقلنا: إن ما حدث بعد التكفين لا يوجب تكرير الغسل؛ لأنَّه قد نقل عن حال الغسل إلى غيرها، كما أنه إذا(4) حدث بعد ما وضع في القبر لم يجب أن يرفع ويعاد غسله؛ لأنَّه قد نقل عن حال الغسل إلى غيرها.
وقلنا: إنَّه لا يمشط؛ لأن المشط من زينة الدنيا؛ ولأن أكثر الغرض به أن يأخذ الشعر المتساقط، والميت لا يحتاج إلى ذلك؛ ولأنه لم ترد السنة به.
__________
(1) في (أ): روي عن محمد.
(2) في (أ): إنه إذا أحدث.
(3) في (أ): إذاً.
(4) في (أ): إن.(23/13)


وقلنا: إنه لا يؤخذ شعره، ولا يقلم ظفره كما لا يختن لو مات من غير ختان، والختان أوكد من أخذ الشعر، وتقليم الظفر.
وقلنا: إنَّه يرد في كفنه ما تساقط من شعره وظفره؛ لأن ذلك في حكم البعض له.
ولما روى محمد بن منصور بإسناده عن علي عليه السلام قال: (( واروا هذا ـ يعني الشعر ـ فإن كل شيء وقع من بني آدم، فهو ميت، فإنه يأتي يوم القيامة له بكل شعرة نور )).
وقلنا: إنَّه يستحب الاغتسال لمن غسل الميت؛ لأن الغالب أن يكون قد أصابه من الماء المتطاير شيء في حال الغسل، ولأنه روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنَّه قال:(( من غسل الميت، فليغتسل )).
وقلنا: إنه ندب؛ لما روى زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: الغسل من غسل الميت، وإن توضأت، أجزأك. ولأنه لو وجب، لكان يجب أن لا يمس الميت إذا صب عليه الماء، وإذا ثبت بالإجماع أن من مس الميتة من سائر الحيوان، فلا يجب عليه الغسل، فكذلك من مس الميت من بني آدم، إذ لا يجوز أن يكون ابن آدم أسوأ حالاً من سائر الحيوان؛ سيما ما ثبت نجاستها من الكلب والخنزير.(23/14)


باب القول في تكفين الميت وتحنيطه
يبسط الكفن في مكان نظيف، وتذر الذريرة عليه، ثم يوضع عليه الميت، ويوضع شيء من الكافور على مساجده: جبهته، وأنفه، ويديه، وركبتيه، ورجليه. ولا بأس أن يكون في الحنوط شيء من المسك، ويكفن فيما يمكن /240/ من الثياب من سبعة، أو خمسة، أو ثلاثة، أو واحد، فإن كفن في ثلاثة، أُزر بمئزر، وأدرج في اثنين، وإن كفن في خمسة، ألبس قميصاً، وأزر بواحد، وأدرج في ثلاثة، على ماذكره في (المنتخب)(1).
وقال في (الأحكام)(2): إن كفن في خمسة أثواب، ألبس قميصاً، وعمم بعمامة، وأدرج في ثلاثة، وإن كفن في سبعة، ألبس قميصاً، وعمم بعمامة، وأزر بمئزر، وأدرج في أربعة، والمرأة تعصب بخمار بدل العمامة.
وإذا لم يوجد شيء من الكفن، فإنه يوارى بشيء من النبات، فإن أعوز، فإنه يوارى بما أمكن، ولا بأس أن تكفن المرأة في ثيابها المصبوغة، ويصلح ذلك للرجال عند الضرورة، والبياض أحب إلينا.
وجميع ذلك منصوص عليه، بعضه في (الأحكام)، وبعضه في (المنتخب)(3).
قلنا إن الكفن يبسط في(4) موضع نظيف؛ لئلا ينجس الكفن.
وقلنا: إنَّه يذر عليه الذريرة؛ لتقطيع(5) الرائحة إن كانت، وتنشف رطوبته إن خرجت، واستحسنَّا أن يوضع شيء من الكافور على مساجده تطييباً له، و(6)لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن يجعل الكافور في آخر ما يغسل به؛ ولأن أكثر العلماء استحب ذلك.
وقلنا: إنَّه لا بأس أن يكون في الحنوط شيء من المسك؛ لما روى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: كان عند علي عليه السلام مسك فَضُل من حنوط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوصى أن يحنط به.
__________
(1) انظر المنتخب ص64.
(2) انظر الأحكام 1/157.
(3) انظر الأحكام 1/157. وانظر المنتخب ص68.
(4) في (أ): على.
(5) في (أ) و(ب): ليقطع.
(6) سقط من (أ): و.(24/1)


وقلنا: إنَّه يكفن في ثلاثه أثواب؛ لما روي عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: كفنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب، ثوبين يمانيين، أحدهما سَحْقٌ، وقميص كان يتجمل به.
وقلنا: إنَّه يكفن في خمسة أثواب(1)؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن تكفن أم كلثوم ابنته في خمسة أثواب.
وقلنا: إنَّه يكفن في سبعة؛ لأنا وجدنا عدد الغسلات حين زادت على الخمس كن سبعاً، فقلنا: إن عدد الأكفان كذلك.
ووجه ما ذكره في (المنتخب) أنَّه إن كفن في خمسة، ألبس قميصاً، وأزر بواحد، وأدرج في ثلاثة، هو(2) أنَّه أوقى وأستر للميت؛ لأنَّه إذا كان دون اللفائف إزار، كان أبلغ في تحفظ الجثة.
ووجه ما ذكره في (الأحكام) أنَّه يلبس قميصاً، ويعمم بعمامة، ويدرج في ثلاثة: ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أمر أن تكفن أم كلثوم ابنته في خمسة أثواب، جعل فيها خماراً، والعمامة تجري من الرجل مجرى الخمار من المرأة، فلهذا قلنا: إن المرأة تعصب بخمار بدلاً من العمامة.
وقلنا: إن لم يوجد، فثوب واحد، فإن(3) لم يوجد، ووري بما أمكن من النبات أو غيره؛ لما:
روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفن عمه حمزة صلوات الله عليهما وعلى من طاب من آلهما ببردة(4) إذا غطى رأسه، بدت رجلاه، وإذا غطى رجليه، بدأ رأسه، فغطى رأسه، وطرح على رجليه شيئاً من الحشيش؛ ولأنه لا بدَّ من مواراته، فإذا لم يوجد الثوب، ووري بما أمكن.
وقلنا: إنَّه لا بأس أن تكفن المرأة في شيء من ثيابها المصبوغة؛ لأنَّها لا يكره لها لبسها.
وقلنا: إنَّ ذلك يصلح للرجال عند الضرورة، وأن البياض أحب إلينا؛ لما روى سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( البسوا من ثيابكم البيض، فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم )).
__________
(1) سقط من (أ) و(ب): أثواب.
(2) في (أ) و(ب): وهو.
(3) في (أ): وقلنا إن.
(4) في (أ): ببرد.(24/2)

96 / 138
ع
En
A+
A-