وروى محمد بن منصور، عن أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن زيد بن علي عليهم السلام، أنَّه خرج يوم الفطر، ونحن نكبر معه.
فإن قيل: هلاّ قلتم: إنَّه يكبر ليلة الفطر؛ لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّروا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}[البقرة:185]؟
قيل له: الآية لم تقتض الأمر بالتكبير في وقت دون وقت، وإنما اقتضت الأمر مطلقاً، ففي أي وقت فعل، امتثل الأمر، وفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيان للمراد بالآية، فصح ما ذهبنا إليه.(21/24)
كتاب الجنائز
باب القول في توجيه الميت
(أحسن التوجيه أن يلقى الميت عند موته، وعند غسله على ظهره، ويستقبل بوجهه القبلة، وتُصَفُّ قدماه مستقبل القبلة ليعتدل وجهه، مستقبلاً لها بكليته).
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(1).
وذلك لما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رجل من ولد عبد المطلب، وهو يجود بنفسه، وقد وجهوه إلى غير القبلة، فقال: (( وجهوه للقبلة )).
فلما أمر صلى الله عليه وآله وسلم بذلك في من يجود بنفسه، استحببنا أن نفعل ذلك في الميت؛ ولأنه قد أخذ علينا أن نجعل للميت كثيراً من الهيئات التي تجب على الحي، أو تُستحب له إذا أراد الصلاة، نحو الغسل، والتوصية، وتطهير الكفن، وستر العورة، فكان الاستقبال كذلك.
مسألة [في حكم الصياح واللطم ونحوذلك]
(ولا يحل الصياح عليه، ولا لطم الوجه، ولا خمشه، ولا شق الجيب).
وهذا كله منصوص عليه في (الأحكام)(2).
واستدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( صوتان ملعونان فاجران في الدنيا والآخرة: صوت رنة عند مصيبة، وشق جيب، وخمش وجه، ورنة شيطان، وصوت عند نعمة، صوت لهو، ومزامير الشيطان(3) ))).
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليس منا من حلق، ولا من سلق، ولا من خرق، ولا من دعا بالويل والثبور )). قال زيد بن علي عليه السلام: الحلق: حلق الشعر، والسلق: الصياح، والخرق: خرق الجيب.
وروى ـ أيضاً ـ عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن النوح.
__________
(1) انظر الأحكام 1/150.
(2) انظر الأحكام 1/150.
(3) في الأحكام: ومزامير شيطان.(22/1)
وأخبرنا /232/ أبو بكر المقري، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا إسرائيل، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن عوف قال: (( أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيدي، فانطلقت معه إلى ابنه إبراهيم، وهو يجود بنفسه، فأخذه صلى الله عليه وآله وسلم حتى خرجت نفسه، فوضعه، ثم بكى، فقلت يا رسول الله، أتبكي، وأنت تنهى عن البكاء؟! فقال: (( إني لم أنهَ عن البكاء، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نعمة: لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، لطم وجوه، وشق جيوب، وهذا رحمة، ومن لم يَرحم لا يُرحم )).
مسألة [في تعجيل الدفن]
قال: ولا ينبغي لمن مات في أول النهار أن يبيت إلاَّ في قبره، ومن مات في أول الليل، أحببنا أن لا يصبح إلاَّ في قبره، إلاَّ أن يكون غريقاً، أو صاحب هدم، أو مبرسَماً، فإنهم يجب التأني بهم.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(1).
والوجه فيه: أنَّه يستحب تعجيل دفن الميت؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( اسرعوا بجنائزكم )).
وروى محمد بن منصور بإسناده، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من مات بالغداة(2)، فلا يبيتن إلاَّ في قبره، ومن مات بالعشي، فلا يصبحن إلا في قبره )).
ولأنه لا يؤمن أن يتغير حال الميت إذا أخر دفنه، واستثنى الغريق، وصاحب الهدم، والمبرسم؛ لأن هؤلاء ربما يلحقهم من الغشى ما تشبه معه أحوالهم أحوال الموتى، فلذلك قلنا:إنه يتأنى بهم.
مسألة [في المرأة تموت وفي بطنها ولد]
قال: وإذا ماتت المراة الحامل وفي بطنها ولد يتحرك، شق بطنها، واستخرج ولدها، ثم يفعل بها ما يفعل بسائر الموتى من الغسل وغيره.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(3).
__________
(1) انظر الأحكام 1/150 ـ151.
(2) في (أ): في الغداة.
(3) انظر الأحكام 1/166.(22/2)
ووجهه أنا لو لم نفعل ذلك، كنا قد اتلفنا الصبي، ولا ضرر على الميت من شق بطنه، فإذا لم يكن عليه ضرر، وأمكن أن تخلص نفس الصبي، وجب أن نفعله.(22/3)
باب القول في غسل الميت
[مسألة: في من يغسل من الناس ومن لا يغسل]
يجب على المسلمين غسل من مات منهم، وكذلك الكافر إذا شهد شهادة الحق قبل أن يموت، إلاَّ أن يكون شهيداً مات في المعركة، فإنه يدفن بثيابه، ولا يغسل، إلاَّ أن يكون خفاً، أو منطقة، أو فرواً فإنه يقلع عنه، وكذلك السراويل إلاَّ أن يصيبه دم، وإن حول من المعركة، وفيه شيء من الرمق، فعل به ما يفعل بسائر الموتى، ويصلى عليه في الحالتين(1).
وهذا(2) منصوص عليه في (الأحكام)(3).
لا خلاف في وجوب غسل المسلمين إذا ماتوا، وكذا الكافر إذا شهد شهادة الحق؛ لأنَّه يصير بتلك الشهادة مسلماً.
وأما الشهيد إذا مات في المعركة، فلا خلاف في أنَّه لا يغسل، إلاَّ قول شاذ يحكى عن بعض المتقدمين، وإلا ما ذهب إليه أبو حنيفة من أنَّه يغسل إذا قتل جنباً. ويحيى بن الحسين عليه السلام أطلق القول فيه، فاقتضى ظاهره أنه لا يغسل سواء كان جنباً، أو غير جنب.
والأصل فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( زملوهم بثيابهم ودمائهم، فإنه ليس من كلم(4) في سبيل الله، إلاَّ يأتي يوم القيامة بدم(5) لونه لون الدم، وريحه ريح المسك )).
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي /233/ عليهم السلام، قال: لما كان يوم بدر (6) أصيبوا، فذهبت رؤس عامتهم، فصلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يغسلهم، وقال(7): (( انزعوا عنهم الفراء )).
وروى أبو بكر الجصاص بإسناده، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أمر رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم بقتلى أحد أن ينزعوا عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم.
__________
(1) في (أ) و(ب): الحالين.
(2) في (أ): وهذا كله.
(3) انظر الأحكام 1/152، 153، 160.
(4) في (أ): ليس كَلْم كُلِمَ.
(5) في نسخة: يدمي.
(6) في مجموع الإمام زيد بن علي وفي شرح القاضي زيد وأصول الأحكام: يوم احد. وسيأتي أنه: يوم أحد.
(7) في (أ): فقال.(23/1)