وروي أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لما جهز جيش مؤتة، قال: (( وليت عليكم زيداً، فإن قتل، فجعفراً، فإن قتل، فابن رواحة )). فقتلوا جميعاً، فقالوا: خالد سيف الله، فولوه عليكم.
مسألة [في من وصله نعي الإمام قبل الفراغ من الجمعة]
ومن ابتدأ الجمعة بتولية الإمام إياه، ثم اتصل(1) به نعي الإمام قبل الفراغ منها، أتمها جمعة.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(2).
ووجهه أن الجمعة قد انعقدت، فلا يحلها إلاَّ ما يفسدها قياساً على سائر الصلوات؛ لأنها إذا انعقدت، لم يحلها إلاَّ ما يفسدها، ولا خلاف أن الجمعة لا تفسد، ولا يجب أن يبتدأ الظهر(3) بورود النعي، وهو أيضاً قياس على الجمعة التي لا يرد فيها نعي الإمام؛ لعلة أنها انعقدت صحيحة.
والذي يجئ على هذا الباب أن الإمام لو انفض عنه الناس، يتمها جمعة، وكذلك لو ابتدأها في وقت الظهر، وامتدت(4) إلى وقت العصر، يتمها جمعة؛ لأنها انعقدت في الأصل صحيحة.
مسألة [فيمن ابتدأ الجمعة قبل الزوال في يوم غيم]
ولو ابتدأ الجمعة في يوم غيم قبل الزوال، ثم علم، وهو في الخطبة أو الصلاة، استأنف الخطبة والصلاة؛ لأن الخطبة بمنزلة الصلاة.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(5).
وقد دللنا على وجوب الخطبتين، وأنهما من صلاة الجمعة، وأن وقت الجمعة زوال الشمس، فإذا ثبت ذلك، ثبت ما قلناه من وجوب إعادة الخطبة والصلاة، متى ابتدئت قبل الزوال، ثم علم به، في أن عليه الإعادة.
مسألة [في كيفية صلاة العيدين]
__________
(1) في (أ): ثم أنه اتصل.
(2) انظر المنتخب ص57.
(3) في (أ): بالظهر.
(4) في (أ): فامتدت.
(5) انظر المنتخب ص57،58.(21/14)
قال: وصلاة العيدين ركعتان، يبتدئ الإمام فيفتتح الصلاة، ثم يقرأ فاتحة الكتاب، وسورة من المفصل، ويكبر سبع تكبيرات، يقول بين كل تكبيرتين: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، ثم يركع، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب، وسورة، ثم يكبر خمساً على مثال ما كبر(1) أولاً، ثم يركع، ثم يسجد سجدتين، ثم يتشهد ويسلم.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(2).
وكلامه فيه يحتمل أن يكون جعل تكبيرة الركوع في الركعة الأولى من جملة التكبيرات السبع، وتكبيرة الركوع في الركعة الثانية من جملة التكبيرات الخمس، فيكون الزائد في الأولى ستاً، وفي الثانية أربعاً، ويحتمل أن يكون جعل تكبيرة الركوع في الأولى غير معدودة في السبع، وفي الثانية غير معدودة في الخمس، فيكون الزائد في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً.
وظاهر كلام يحيى عليه السلام في (المنتخب)(3)، يدل على أنَّه يجعل تكبيرة الركوع في الأولى من جملة السبع، وفي الثانية غير معدودة في الخمس. وذهب أبو العباس الحسني رحمه الله في (النصوص) إلى أن تكبيرة الركوع في الأولى غير معدودة في السبع، وفي الثانية غير معدودة في الخمس، فجعل الزائد في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً.
أخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا أحمد بن سعيد بن عثمان الثقفي، قال: حدثنا عمار بن رجاء، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب، قال: سمعت عمرو بن شعيب، يحدث عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبر في يوم العيد ـ في الفطر ـ سبعاً في الأولى، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة الصلاة )).
__________
(1) في (أ): ذكر.
(2) انظر الأحكام 1/139 ـ 140 وقال في عدد التكبيرات بسبع ثم يركع بالثامنة.
(3) انظر المنتخب ص62.(21/15)
وقوله سوى تكبيرة الصلاة يحتمل أن يكون المراد به تكبيرة الافتتاح، فإذا كان كذا /224/، كان الزوائد في الأولى ستاً، وفي الثانية أربعاً، ويحتمل أن يكون المراد به تكبيرات الصلاة أجمع، فيكون على هذا الزوائد في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً.
وروى أبو داود في (السنن) بإسناده، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكبر في الفطر، والأضحى، في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمساً.
وأخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا أبو أحمد الأنماطي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني، عن عبد الرزاق، عن إبراهيم بن محمد، عن جعفر، عن أبيه، قال: كان علي عليه السلام يكبر في الفطر، والأضحى، في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً، ويصلي قبل الخطبة، ويجهر بالقراءة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان يفعلون ذلك.
وأخبرنا أبو العباس الحسني رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن حرب الطحان الكوفي، قال: أخبرنا محمد بن تسنيم الحضرمي، قال: حدثنا محمد بن عبد الحميد العجلي، عن سيف بن عميرة، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد، قال سمعته يقول: (كان علي يكبر في العيدين كليهما اثنتي عشرة تكبيرة، يكبر، ثم يقرأ بأم القرآن وسورة، ثم يكبر سبعاً، ثم يركع بأخراهن، ثم يقوم فيقرأ بأم القرآن وسورة، ثم يكبر خمساً، ويركع بأخراهن)(1).
وروى محمد بن منصور بإسناده، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكبر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة، سبعاً في الأولى، وخمساً في الثانية".
فإن قيل: روي أن(2) سعيد بن العاص سأل أبا موسى، وحذيفة، كيف كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربع تكبيرات، على الجنائز، فقال حذيفة: صدق [صدق](3).
__________
(1) في (أ): بالخامسة.
(2) في (أ): عن.
(3) سقط من (أ).(21/16)
وروي عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: صلى بنا رسول الله يوم عيد وكبر [أربعاً وأربعاً](1) ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: "لا تنسوا، كتكبير الجنائز"، وأشار بأصابعه، وقبض واحدة.
قيل له: خبرنا أولى؛ لأن فيه زيادة، والزائد أولى بالقبول، ولأنه فعل أمير المؤمنين عليه السلام، وأبي بكر، وعمر، وعثمان(2)، ولأنه مما لا أحفظ فيه خلافاً عن أهل البيت عليهم السلام.
وقلنا بتقديم القراءة في الركعتين على التكبيرات؛ لأنَّه المروي عن أمير المؤمنين في حديث جعفر بن محمد عليهم السلام. ورواه أيضاً زيد بن على، عن آبائه، عن علي عليهم السلام.
وأخبرنا أبو العباس الحسني رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن بلال، قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز بن الوليد، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، عن محمد بن أبان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي عليه السلام: أنَّه كان في الفطر يكبر التكبيرة التي يفتتح بها الصلاة، ويقرأ، ثم يكبر، ثم يركع، ثم يقوم، فيقرأ، ثم يكبر، ثم يركع.
ورواه أيضاً ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي عليه السلام.
ويدل النظر ـ أيضاً ـ على ذلك؛ لأن التكبيرات زيادة تختص بعض الصلوات /225/، فوجب أن يكون بعد القراءة قياساً على القنوت، ولا خلاف ـ أيضاً ـ بيننا، وبين أبي حنيفة وأصحابه، وسائر أهل البيت عليهم السلام أنها في الركعة الثانية بعد القراءة، فوجب أن يكون في الركعة الأولى ـ أيضاً ـ بعد القراءة قياساً عليها، والعلة أنَّها تكبيرات زيدت في صلاة العيد.
فأما كونها ركعتين، فمما لا خلاف فيه، وهو المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن بعده.
__________
(1) ما بين المعكوفين في نسخة.
(2) في (أ): رضي الله عنهم.(21/17)
وقلنا: إنَّه يذكر الله تعالى بما مضى بين كل تكبيرتين؛ ليكون ذلك فصلاً بين التكبيرات؛ ولأن تكبيرات الجنائز لما تكررت، وجب الفصل بينها ببعض الأذكار، فكذلك تكبيرات العيدين.
وروى محمد بن منصور، عن محمد بن إسماعيل، عن غالب بن فائد، قال: حدثنا قيس، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي عليه السلام، أنَّه كان يدعو في العيدين بين كل تكبيرتين.
وذلك يحقق ما قلنا من الفصل بين التكبيرات.
مسألة [في صفة خطبة العيدين]
قال: ثم يعلو راحلته أو منبره، فيخطب، ويكبر قبل أن يتكلم بالخطبة تسع تكبيرات، ويكبر بعد الفراغ منها سبع تكبيرات، ويُعلِّم الناس ما يحتاجون إليه من زكاة الفطر، ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يعود ويخطب الخطبة الثانية، ثم يكبر سبعاً، وينزل، وكذلك يفعل في عيد الأضحى، إلاَّ أنَّه يفصل في خطبة الأضحى بين كلامه بأن يقول: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاَّ الله، والله اكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً على ما أعطانا، وأولانا، وأحل لنا من بهيمة الأنعام"، ثم يعود إلى الخطبة، يفعل ذلك ثلاث مرات، ويحث الناس على الذبائح، ويعرفهم ما يحتاجون إليه من جميع ذلك.
جميع ذلك منصوص عليه في (الأحكام)(1)، غير ما ذكرنا من الحث على الذبائح في خطبة الأضحى فإنه منصوص عليه في (المنتخب)(2).
قلنا: إنَّه يخطب بعد الصلاة؛ لما: روى أبو بكر بن أبي شيبة، عن عبدة بن سليمان، عن عبد الملك، عن عطاء، عن جابر، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة.
وروي عن وكيع، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن(3) عابس، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بهم يوم عيد ـ عند دار قيس بن الصلت ـ فصلى قبل الخطبة.
__________
(1) انظر الأحكام 1/140 ـ 141.
(2) انظر المنتخب ص62.
(3) في (أ): بن أبي.(21/18)