وقال في (الأحكام)(1) فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، كبر، وقرأ بالحمد، وسورة الجمعة، وفي الثانية بأم الكتاب، وسورة المنافقين، أو سورة سبح وسورة الغاشية(2)، أي ذلك فعل ففيه كفاية.
وقراءة سورة الجمعة وسورة المنافقين في الجمعة رأي عامة أهل البيت عليهم السلام.
وأخبرنا أبو الحسين ابن إسماعيل، قال: حدثنا ابن اليمان، قال: حدثنا ابن شجاع، قال: حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن المخول بن راشد، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة، وإذا جاءك المنافقون.
وروى ابن أبي شيبة، وأبو داود بإسناديهما، عن جعفر، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: صلى بنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ سورة الحمد، وسورة الجمعة، وفي الثانية إذا جاءك المنافقون، فقلنا: إنك قرأت سورتين كان علي يقرأ بهما في الكوفة، فقال أبو هريرة: إنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة.
ولأن سورة الجمعة تختص بذكر الجمعة، وسورة المنافقين تليها في الترتيب، وما فيها أيضاً قريب مما في سورة الجمعة.
وروي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه كان يقرأ في الجمعة سورة سبح والغاشية.
مسألة [فيمن لا تجب عليه الجمعة]
قال: وحضور الجمعة واجب عند حصول ما ذكرناه من الشروط، إلاَّ على المريض، والمرأة، والمملوك، ويستحب لهم الحضور.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(3)، ولم يذكر الصبي وإن كان يحيى عليه السلام قد ذكره فيمن لا يجب عليهم الجمعة؛ لأن الصبي لا يلزمه سائر التكاليف، وإنما خصصنا بالذكر من لم تجب عليه الجمعة، مع لزوم سائر الواجبات له.
__________
(1) انظر الأحكام 1/123.
(2) في (أ): وسورة سبح أو سورة الغاشية.
(3) انظر الأحكام 1/142.(21/9)


والأصل فيه: ما روي ابن أبي شيبة بإسناده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الجمعة واجبة على كل حالم إلاَّ أربعة: الصبي، والمرأة، والعبد، والمريض )).
وروى أيضاً يرفعه إلى كعب القرظي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فعليه الجمعة في(1) يوم الجمعة، إلاَّ على امرأة، أو صبي، أو مملوك، أو مريض )).
وروى ذلك أيضاً أبو داود في (السنن) يرفعه إلى طارق بن شهاب، عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وأما الاستحباب للمملوك والمريض؛ فلأن فيها زيادة عبادة.
وأما(2) النساء، فقد روى ابن أبي شيبة يرفعه إلى الحسن قال: كُنَّ النساء يجمعن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
على أن يحيى عليه السلام ذكر في (الأحكام)(3) أن لزوم البيوت أصلح لهن، وأعظم لأجورهن، واستدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( النساء عي وعورات، فاستروا عيهن بالسكوت، وعوراتهن بالبيوت ))/221/.
مسألة [وإذا وافق أحد العيدين الجمعة اجتُزي بأحدهما]
قال: وإن وافق أحد العيدين الجمعة، جاز الاجتزاء بأحدهما، إلاَّ للإمام.
قال في (الأحكام)(4): "إذا اجتمع عيد وجمعة، فمن شاء حضر الجمعة، ومن شاء اجتزأ عن حضورها بصلاة العيد وخطبته"(5).
فدل كلامه على أنَّه لم يجعل للإمام الاجتزاء بأحدهما؛ لأنَّه قال: من شاء حضر الجمعة، ولا يمكنه حضور الجمعة إلاَّ بحضور الإمام.
واستدل(6) بما رواه أبو داود في (السنن)، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (( قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه العيد عن الجمعة، وإنا لمجمعون(7) ))).
__________
(1) سقط من (ب): في.
(2) سقط من (أ): أما.
(3) انظر الأحكام 1/143.
(4) الأحكام 1/142.
(5) في (أ): وخطبتيه.
(6) في (أ): استدل.
(7) في (أ) و(ب): مجمعون.(21/10)


وروى أيضاً أبو داود يرفعه، إلى إياس ابن أبي رملة الشامي، قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم، هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ فقال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد، ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي، فليصل.
وروي أيضاً عن ابن الزبير أنَّه اجتزأ بالعيد عن الجمعة، وأنه ذُكِرَ ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة.
مسألة [في حكم الصلاة والكلام أثناء الخطبة]
قال: وتكره الصلاة، والكلام عندما يخطب الإمام.
نص على هذا في (الأحكام)(1)، قال: "فإذا(2) قال المؤذن في آخر أذانه لا إله إلاَّ الله، تكلم الإمام، وانقطعت صلاة من كان يصلي من الناس، ووجب عليهم الاستماع والإنصات".
ووجه ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرَآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}[الأعراف:204]، وروي أنها نزلت في الخطبة.
وروى أبو بكر الجصاص في (شرح المختصر) بإسناده، عن الشعبي، قال: سمعت ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( إذا دخل أحدكم المسجد، والإمام على المنبر، فلا صلاة له، ولا كلام حتى يفرغ الإمام )).
وروى ابن أبي شيبة بإسناده(3)، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي عليه السلام، أنَّه كره الصلاة، والإمام يخطب.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( إذا قلت: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت )).
وروى الطحاوي بإسناده، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا سمعت إمامك يتكلم - يعني في الخطبة - فانصت حتى ينصرف )).
فإن قيل: روي أن سليكاً الغطفاني جاء، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، فأمره أن يصلي ركعتين.
قيل له: يجوز أن يكون جاء قبل أن يشرع في الخطبة.
__________
(1) الأحكام 1/123.
(2) في (ب): وإذا.
(3) سقط من (ب): بإسناده.(21/11)


ويجوز أن يكون ذلك في حال كان الكلام مباحاً في الخطبة، وعلى هذا يحمل ما روي عن عمرو بن دينار، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب، أو قد خرج الإمام، فليصل ركعتين )). إذ جائز أن يكون ذلك قبل المنع من الكلام، والإمام يخطب.
على أن الحديث يدل على أن الراوي شك في أنَّه حال الخطبة، أو حال خروج الإمام.
على أن ابن أبي شيبة روى بإسناده /222/ عن محمد بن قيس، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أمره أن يصلي ركعتين أمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته، ثم عاد إلى الخطبة.
فدل ذلك على أنَّه ليس له أن يصلي، والإمام يخطب.
ومما يدل على ذلك أن من كان قاعداً في المسجد حين ابتدأ الخطبة، لم يركع، فكذلك الداخل، والعلة أن كل واحد منهما مأخوذ عليه استماع الخطبة، (أو يقال إن كل واحد منهما إمامه شارع في الخطبة)(1).
فإن قاسوا الداخل في حال الخطبة على الداخل في غير حال الخطبة، كان قياسنا أولى؛ لأنَّه حاظر؛ ولأن حال الخطبة بحال الخطبة أشبه منها بالحال التي هي غير حال الخطبة.
مسألة [فيمن تفوته الخطبة]
قال: ومن فاتته الخطبة، صلى الظهر أربعاً، وبنى على ما يدركه مع الإمام، وإن أدرك منها شيئاً، صلى ركعتين.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(2)، وهو قول عطاء، وطاووس، ومجاهد، رواه ابن أبي شيبة عنهم.
وروى بإسناده، عن عمر، أنَّه قال: جعلت الخطبة مكان الركعتين، فمن لم يدرك الخطبة، فليصل أربعاً.
ويدل على ذلك أن الخطبة شرط في صحة الجمعة كالوقت، فكما أن من لم يلحق الوقت صلى الظهر أربعاً، فكذلك من لم يلحق الخطبة قياساً عليه، والعلة أنَّه لم يلحق ما هو شرط في صحة الجمعة.
وهو أيضاً مقيس على من فاتته الصلاة في أنَّه يصلي الظهر أربعاً، والمعنى أنَّه فاتته الخطبة.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) انظر المنتخب ص57.(21/12)


فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( ما أدركت فصل، وما فاتك فاقض )).
قيل له: كذلك نقول: إنَّه يصلى ما أدرك مع الإمام، ويقضي ما فات، والخلاف في كيفية القضاء، وليس في الخبر ما يدل على موضع الخلاف.
فإن قيل: روي: (( أن من أدرك من الجمعة ركعة، فقد أدركها )).
قيل له: المراد به قد أدرك فضلها.
فإن قيل : هذا خلاف الظاهر.
(قيل له: وما تذهبون إليه خلاف الظاهر)(1)؛ لأن الظاهر اقتضى أنَّه بإدراك ركعة منها يكون مدركاً(2)، وعندكم أنَّه لا يكون مدركاً لها حتى يصل إليها أخرى، وتأويلنا أولى؛ لأنَّه أخذ بالاحتياط.
فأما ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أدرك ركعة من الجمعة، أضاف إليها أخرى، ومن أدرك دونها، صلى أربعاً ))، فقد ذكر أبو بكر الجصاص في (شرح الطحاوي) أنَّه حديث ضعيف، ولا يثبته أهل العلم.
مسألة [في البلد النازح عن الإمام هل تقام فيه جمعة؟]
قال: وإذا كان الرجل في بلد نازح عن الإمام، جاز له أن يصلي الجمعة بالناس إذا كان يدعو إلى الإمام، ويخطب له، وإن لم يكن الإمام ولاه، وكذلك يجزيه، وإن لم يصرح بالدعاء له وكنى ضرورة عنه، إذا كان الإمام هو المقصود بالنية. فأما إذا لم يظهر الإمام، ولم تظهر دعوته، فلا تجب الجمعة.
وذلك كله منصوص عليه في (المنتخب)(3).
أما الكلام في أن الجمعة لا تجب إلاَّ مع الإمام، فقد مضى.
وقلنا: إن الإمام إذا كان في بلد(4) نازح، أقيمت الجمعة برجل من المسلمين، وإن لم يكن الإمام ولاه؛ لِما روي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدموا أبا بكر حين خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني عمرو بن عوف يصلح بينهم.
وروي أنهم قدموا عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك حين خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم /223/ في بعض حاجاته.
__________
(1) سقط ما بين القوسين من (أ) و(ب).
(2) في (ب): مدركاً لها.
(3) انظر المنتخب ص57.
(4) في (أ): كان ببلد.(21/13)

90 / 138
ع
En
A+
A-