ونقول: إن من شك وتعذر عليه التحري، ولم يصر ذلك عادة له، استأنف الصلاة ويؤديها على اليقين؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( دع /193/ ما يريبك إلى ما لا يريبك ))، وأن الأصل في العبادات أنها تؤدى على العلم، أو على غالب الظن ما وجد السبيل إليهما، فوجب على الشاك أن يستقبل الصلاة؛ إذ ليس معه علم، ولا غالب الظن، فإذا كثر شكه، وتعذر عليه الأمران، رجع إلى البناء على الأقل.
ومما يدل على صحة ما نذهب إليه من القول بالتحري: أنا وجدنا التحري يجب استعماله في العبادات أجمع متى تعذر العلم، منها وقت الصلاة، ومنها القبلة، ومنها الماء إذا شك في طهارته ونجاسته، ومنها يوم عرفة، ومنها الصوم إذا التبس على الأسير في أرض العدو في شهر رمضان، فوجب أن يكون ذلك سبيل ركعات الصلاة.
ويفسد بما ذكرنا قول من يقول: إن الفرض لازم باليقين، فلا يجوز إلاَّ باليقين؛ لأن جميع هذه العبادات التي ذكرناها تلزم باليقين، ومع ذلك تؤدى بالتحري إذا تعذر العلم.
فصل [في المصلي إذا تيقين زيادة ركعة في المكتوبة]
وإذا أيقن المصلي أنَّه زاد ركعة واحدة في المكتوبة، فإن الزيادة على ثلاثة أوجه:
[الوجه الأول]: قد تكون زيادة على سبيل السهو، وقد بينا أن أصول يحيى عليه السلام تقتضي على ما خرَّجه أبو العباس الحسني أن الزيادة إذا وقعت على سبيل السهو، لم يعتد بها، فعلى هذا تكون الصلاة جائزة.
والوجه الثاني: أن تكون الزيادة واقعة على سبيل العمد، فهذه الزيادة تبطل الصلاة بالإجماع.
والوجه الثالث: أن يشك(1) في الصلاة، فتقع الزيادة مع الشك، أو غالب الظن، ثم يعلم بعد ذلك على التحقيق أنَّه قد زاد، فهذه الزيادة تبطل الصلاة أيضاً، والأقرب أنَّه إياها عنى بما نص عليه في (المنتخب)(2) من إبطال الصلاة إذا أيقن الزيادة.
__________
(1) في (أ): إن شك.
(2) انظر المنتخب ص42.(18/7)


والوجه فيه: أنها بالواقع على سبيل العمد أشبه منه بالواقع على سبيل السهو؛ لأنها تقع مع حصول كونها زائدة مقصوداً، وهي إذاً زيادة واقعة لا على سبيل السهو، فيجب أن تكون مفسدة للصلاة قياساً على الزيادة الواقعة على سبيل العمد.
مسألة: [في نسيان التشهد الأوسط]
قال: وإذا سهى ولم يقعد في الركعة الثانية للتشهد، وقام، فإن ذكر قبل أن يبتدئ القراءة، قعد وتشهد، ثم قام، وإن لم يذكر حتى يبتدئ القراءة، مضى في صلاته، وسجد سجدتي السهو.
نص على ذلك في (المنتخب) بأن قال: "إن كان لم يبتدئ في قراءته أو يمضي في صلاته جلس وتشهد، وإن كان مضى في بعض القراءة، أو الصلاة مضى في صلاته حتى يتمها، ثم يسجد سجدتي السهو"(1).
فدل قوله: "إن كان مضى في بعض القراءة أو الصلاة مضى في صلاته"؛ أنَّه إذا أتم القيام يمضي في صلاته، ولا يرجع إلى الجلوس؛ لأنَّه جعل للمصلي المضي في صلاته بأن يكون مضى في بعض القراءة، أو الصلاة، ففصل بينهما بأو.
فدل ظاهر الكلام على أنَّه في أيهما مضى من القراءة، أو الصلاة التي هي غير القراءة، لا يعود إلى الجلوس، وإتمامه القيام مضيٌ في الصلاة، فوجب على هذا أن يكون تحصيل المذهب أنَّه إذا سهى عن الجلسة الأولى، ثم ذكرها قبل أن يتم القيام، فعليه أن يجلس، وإن ذكرها بعد إتمام القيام، فعليه أن يمضي في صلاته، وإنما ذكر القراءة والمضي فيها لتحقيق إتمام القيام؛ لأن الابتداء بالقراءة يكون مع إتمام القيام.
والأصل فيه: حديث ابن بحينة: (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم /194/ قام في الركعتين، ونسي أن يقعد، فمضى في قيامه، ثم سجد سجدتي السهو )).
__________
(1) انظر المنتخب ص42.(18/8)


وقلنا(1): إنَّه يعود إلى الجلوس؛ لأنَّه لم يصر إلى الركن الذي هو القيام، فهو ما لم(2) ينتصب قائماً لم يحصل في الركن الثاني فهو في حكم الركن الأول الذي هو الجلوس، فلذلك قلنا: إنَّه يجلس.
مسألة: [في اللاحق متى يسجد للسهو]
قال: وإذا أدرك الإمام، وقد صلى ركعة، وعليه سهو، فإذا سلم وسجد سجدتي السهو، قام الرجل، ولم يسجدهما حتى يتم صلاته، فإذا أتمها، سجدهما.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(3).
ووجه إيجابنا سجدتي السهو على المؤتم إذا سهى الإمام: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّه قال: (( ليس على من خلف الإمام سهو، فإذا سهى الإمام، فعليه وعلى من خلفه السهو ))(4).
ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنما جعل الإمام ليؤتم به )).
وأيضاً قد ثبت أن صلاة المؤتم معقودة بصلاة الإمام على ما مضى(5) في هذا الباب، فإذا سهى الإمام، كان في الحكم كأن المأموم قد سهى.
ووجه قولنا: أنَّه لا يسجد حتى يفرغ من صلاته ما ثبت من أن سجدتي السهو بعد التسليم لما نبينه من بعد، وما بيناه فيما مضى أن السجدة الزائدة في الصلاة المكتوبة على سبيل العمد تكون مفسدة للصلاة.
مسالة: [ويلزم المؤتم السجود إذا سها وإن لم يسه إمامه]
قال: وإذا سهى الرجل خلف الإمام، ولم يسه الإمام، سجد ـ هو ـ سجدتي السهو.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(6).
والأصل فيه: حديث ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم )).
وروى عبد الله بن جعفر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( من شك في صلاته، فليسجد سجدتين )).
وذلك عام في المنفرد، والإمام، والمؤتم.
__________
(1) في (أ): وقلنا: إنه يعود إلى الجلوس إن ذكر قبل أن يستتم قائماً؛ لأنه ليس بعد الركن الذي هو الجلوس إلا الركن الذي هو القيام.
(2) في (أ): ما لا.
(3) انظر المنتخب ص43.
(4) سقط من (ب): السهو.
(5) في (أ): ما قد مضى.
(6) انظر المنتخب ص43.(18/9)


فإن قيل: فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليس على من خلف الإمام سهو )).
قيل له: معناه عند أصحابنا أنَّه أبعد من السهو، والغرض به الحث على الجماعة، على أن قوله: (( ليس على من خلف الإمام سهو ))، لا ظاهر له في موضع الخلاف؛ لأن الخلاف في السجدتين، وهما غير مذكورتين في الخبر، وإذا لم يكن له ظاهر حصل تعرض للتأويل، ووجب الرجوع إلى ما ذكرناه، على أنَّه مقيس على المنفرد بعلة أنَّه ساهٍ، والعلة لا تنتقض بالسهو الذي لا يوجب السجدتين؛ لأن الغرض بالتعليل إلحاق المؤتم بالمنفرد في باب السهو.
مسألة: [فيمن سها وسلم إحدى التسليمتين أو كليتيهما]
وإذا سهى في صلاته وسلم تسليمتين ناسياً، أعاد الصلاة، وإن لم يسلم إلاَّ تسليمة واحدة، مضى فيها، وسجد سجدتي السهو.
وذلك منصوص عليه في (المنتخب)(1).
واستدل فيه على أن من سلم تسليمتين في الثانية ناسياً يعيد الصلاة، بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( تحليلها التسليم )).
والتحليل هو الخروج من الصلاة، فإذا فعل ما هو تحليل الصلاة، يكون قد خرج منها، وإذا خرج منها، لم يجز له البناء عليها، قياساً على من يخرج منها بأن يفسدها أو يتكلم قبل التسليم عامداً، أو يمشي المشي الطويل؛ بعلة أنَّه خارج من الصلاة، فأما إذا سلم تسليمة واحدة، فلا خلاف أنَّه يبني، فإن شئنا، خصصناه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( تحليلها التسليم )). بالإجماع، وإن شئنا قلنا: إن التسليم المعرَّف بالألف واللام /195/ هو: التسليم المعهود، الذي كان صلى الله عليه وآله وسلم يخرج به من الصلاة، وهو التسليمتان.
وقلنا: إنَّه إذا بنى سجد سجدتي السهو؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لكل سهو سجدتان )). وما أشبه ذلك من الأخبار التي ذكرناها أولاً.
مسألة: [في نسيان الواجب أو المسنون]
__________
(1) انظر المنتخب ص44.(18/10)


قال: وإذا نسي التكبيرة الأولى، أعاد الصلاة، وإن نسي غيرها من التكبيرات، جازت الصلاة، وسجد سجدتي السهو، وكذلك إذا نسي القراءة كلها، أعاد الصلاة، وإن قرأ في ركعة ونسي في غيرها، أجزأه، وسجد سجدتي السهو، وكذلك من نسي القنوت، سجدهما.
نص في (المنتخب)(1) على أن من نسي بعض التكبيرات، سجد سجدتي السهو وصلاته تامة، وإن نسي التكبير كله، بطلت صلاته، فدل كلامه هذا على أن في التكبير ما هو فرض تبطل الصلاة بتركه، وفيه ما لا تفسد الصلاة بتركه، ولا خلاف أن التكبيرات أجمع حكمها حكم واحد، خلا تكبيرة الافتتاح.
ونص في (الأحكام)(2) على أن من نسي القراءة في إحدى الركعتين، سجد سجدتي السهو، وكانت صلاته تامة إذا كان قد قرأ في بعض الركعات، وعلى أن الصلاة تبطل إذا لم يقرأ فيها.
ونص القاسم عليه السلام في (مسائل النيروسي) على أن من نسي القنوت في الفجر، أو الوتر، سجد سجدتي السهو إن أحب.
أما وجه إبطالنا الصلاة إذا لم يكبر تكبيرة الافتتاح فهو: أنها فرض، وقد مضى الكلام في أنها فرض في هذا المعنى في باب صفة الصلاة، وكذلك قد مضى الكلام في أن الصلاة لا تصح إذا لم يقرأ في شيء منها، وأن الفرض من القراءة إنما هو مرة واحدة.
وقلنا: إنَّه يسجد سجدتي السهو إذا نسي سائر(3) التكبيرات، أو القراءة في سائر الركعات، وكذلك إذا نسي القنوت؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لكل سهو سجدتان )). وقوله: (( من شك في صلاته، سجد سجدتين )). ولأن ذلك أجمع قياس سائر السهو في الصلاة المجمع على أن يسجد له سجدتا السهو.
مسألة: [موضع وسجدتا السهو]
وسجدتا السهو بعد التسليم لزيادة كانت، أو نقصان، ومن سجدهما قبل التسليم، بطلت صلاته.
وهذا هو مذهب القاسم عليه السلام.
ونص يحيى عليه السلام في (المنتخب)(4) على أن من سجدهما قبل التسليم، بطلت صلاته.
__________
(1) انظر المنتخب ص45.
(2) انظر الأحكام 1/105.
(3) سقط من (أ): سائر.
(4) انظر المنتخب ص42.(18/11)

79 / 138
ع
En
A+
A-