قال: وذكر ذلك عن عبد الله بن الحسن عليه السلام، وروي عن زيد بن علي عليه السلام: إن كنت ورائي أو وراء علي بن أبي طالب عليهم السلام ـ يعني تأتم بي، أو بعلي ـ ولم نجهر فاقرأ.
وحكى أبو العباس الحسني رحمه اللّه في (النصوص)، عن محمد بن يحيى: القراءة خلف الإمام فيما جهر إذا لم يسمع المؤتم.
قال أبو العباس: وهو أولى بقول القاسم، وخرَّج في (الشرح) الأصم الذي لا يسمع على ذلك.
والذي يدل على وجوب القراءة إذا لم يسمع قول اللّه تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرَآنِ} [المزمل:20]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا صلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب )). و(( ولا صلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب وقرآن معها )). وسائر الأخبار التي ذكرناها في هذا المعنى في مسألة وجوب القراءة وعمومها أجمع يقتضي وجوب القراءة على المنفرد، والإمام، والمؤتم/181/، إلاَّ من قام عليه دليله.
فإن استدلوا على أن المؤتم لا يقرأ بما أخبرنا به أبو الحسين البروجردي، حدثنا أبو بكر الدينوري، حدثنا عباد بن عمر التيمي(1)، ومحمد بن عبد العزيز، قالا: حدثنا أسد بن رؤبة(2)، حدثنا محمد بن الفضيل، عن عطية، عن أبيه، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( من كان له إمام، فقراءته له قراءة )).
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، عن أحمد بن عبد الرحمن، قال: حدثني عمي عبد الله بن وهب بن الليث، عن يعقوب، عن النعمان، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ))(3).
__________
(1) في (أ): التميمي.
(2) في النسخة الصغيرة: أسيد بن زيد.
(3) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/217، وفيه: حدثني عمي عبد الله بن وهب، أخبرني الليث.(17/17)


قيل لهم: ذلك عندنا وارد فيما يجهر فيه الإمام، وسنبين ذلك، على أنَّه إذا لم يسمع القراءة من الإمام لا يحصل له العلم بأنه(1) قد قرأ، فلا يمكنه أن يجعل قراءته بدل قراءة نفسه.
فإن قيل: روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( يكفيك قراءة الإمام، خَافَت أو جَهر ))؟
قيل له: معنى المخافتة هاهنا هو ما دون الجهر الشديد، وإن كان في المجهور فيه من الصلاة.
ومما يدل على وجوب(2) القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه أنَّه قد ثبت وجوبها على الإمام، والمنفرد، فكذلك المؤتم فيما لا يجهر الإمام فيه، والمعنى أنَّه مصل صلاة ذات الركوع والسجود، لم(3) يؤخذ عليه الاستماع لقراءة غيره.
فإن قاسوه على من ائتم بمن جهر بعلة أنه مؤتم، كان قياسنا أولى؛ لأنَّه يقتضي زيادة عبادة، ويقتضي الاحتياط.
وأما ما يدل على أنَّه لا يقرأ فيما يجهر فيه الإمام، فهو قول اللّه تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}[الأعراف:204].
وروي عن إبراهيم، والحسن، ومجاهد: أن المراد به في الصلاة، على أن عموم الآية يقتضي ذلك في الصلاة وغيرها.
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكاً حدثه، عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة الليثي، عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم انصرف من(4) صلاة جهرَ فيها بالقرآن(5)، فقال: (( هل قرأ معي منكم أحد آنفاً ))؟
فقال رجل: نعم. يا رسول الله، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني أقول مالي أنازع القرآن(6) ))). قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فيما جهر فيه حين سمعوا ذلك عنه(7).
__________
(1) في (أ): بأن.
(2) في (أ): ذلك.
(3) في (أ): ولم.
(4) في (أ): عن.
(5) في (أ): بالقراءة.
(6) في (أ): في القرآن.
(7) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/217.(17/18)


وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا حسين بن نصر، حدثنا الفريابي، عن الأوزاعي، قال: حدثني الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، نحوه، غير أنَّه قال: فاتعظ المسلمون بذلك، ولم يكونوا يقرأون.
وهذا تصريح لما نذهب إليه.
وأخبرنا أبو بكر، حدثنا الطحاوي، حدثنا ابن أبي داود، حدثنا الحسين بن عبد الأول، حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان، حدثنا ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم/182/: (( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا قرأ فأنصتوا ))(1).
ولا خلاف بيننا وبين الشافعي(2) في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة: أن المؤتم لا يقرأ فيها ما عدا فاتحة الكتاب، فيجب أن لا يقرأ فاتحة الكتاب قياساً عليه، والمعنى أنَّه مؤتم يسمع قراءة الإمام.
فإن قيل: روي عن عبادة بن الصامت، قال: صلى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الفجر فلما سلم، قال: (( أتقرأون خلفي؟ )) قلنا: نعم يا رسول الله. قال: (( فلا تفعلوا، إلاَّ بفاتحة الكتاب )).
[قلنا: هذا معارض بخبرنا، وما روى جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( من صلى صلاة ولم يقرأ بفاتحة الكتاب فهي خداج، إلاَّ خلف الإمام )). فاستثنى من الخداج صلاة من يصلي خلف الإمام، فإذا تعارضا، وجب الرجوع إلى ظاهر قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}[الأعراف:204].
على أنا نحمله أن](3) المراد به في غير المجهور فيه بدلالة سائر الأخبار والأدلة التي مضت.
__________
(1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/217.
(2) في (أ): وليس بيننا وبين الشافعي خلاف.
(3) ما بين المعكوفين ساقط من (أ).(17/19)


ويبين ذلك ما أخبرنا به أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا يحيى بن نصر، قال: حدثني(1) يحيى بن سليمان، حدثنا مالك، عن وهب بن كيسان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( من صلى ركعة ولم يقرأ فيها بأم الكتاب(2) فلم يصل، إلاَّ أن يكون وراء الإمام ))(3). فدل هذا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم على ما قلناه من تأويل حديث عبادة.
مسألة: [في تتابع الجماعات في مسجد واحد]
قال: ولا بأس أن يصلى في مسجد واحد جماعة بعد أخرى.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(4).
وذلك لقوله(5) صلى الله عليه وآله وسلم: (( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرادى بخمس وعشرين درجة ))، وعمومه يقتضي تفضيل الجماعة على الأحوال كلها، إلاَّ حيث منع منه الدليل.
وأخبرنا أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا الناصر الحسن بن علي عليه السلام، عن محمد بن منصور، حدثنا أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنَّه أتاه رجلان، فسلما عليه وهو في المسجد فقال: "أصليتما"؟ قالا: لا.
قال: "ولكنا قد صلينا، فتنحيا، فصليا، وليؤم أحدكما صاحبه". فأمرهما بالجماعة بعد ما صلى هو عليه السلام مع أصحابه؛ لأن قوله: "لكنا قد صلينا"، يدل على ذلك.
مسألة: [في صلاة المسافر خلف المقيم والعكس]
قال: ولا يصلي مسافر خلف مقيم، إلاَّ المغرب والفجر، ويصلي المقيم خلف المسافر، فإذا انفتل المسافر، أتم المقيم باقي صلاته.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)، ورواه عن القاسم عليه السلام، وهو المشهور عن أصحابنا، وبه يأخذون.
__________
(1) في (أ): حدثنا.
(2) في (أ): بأم القرآن.
(3) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/218، إلا أنه قال: نجر بن نصر عن يحيى بن سلام.
(4) انظر الأحكام 1/117.
(5) في (ب): قوله.(17/20)


واستثنى المغرب والفجر؛ لأن كلام يحيى عليه السلام، والقاسم رضي اللّه عنه دل على ذلك؛ لأن القاسم عليه السلام علل ذلك بأن قال: إن فرضه غير فرضه، وقد علمنا أن فرض المغرب [والفجر](1) واحد على المسافر والمقيم.
وقال يحيى عليه السلام: أكره ذلك؛ لأن المؤتم إذا كان مسافراً، احتاج أن يخرج من الصلاة قبل خروج إمامه، وهذا غير موجود في الأصول، وقد علمنا أنَّه لا يحتاج في المغرب والفجر ذلك، فلذلك استثنيناهما، وخرَّجنا جواز الإئتمام للمسافر بالمقيم فيهما.
وقال في (المنتخب)(2): يجوز للمسافر أن يصلي خلف المقيم، وللمقيم أن يصلي خلف المسافر.
وكان أبو العباس الحسني رحمه اللّه يتأول ذلك ويقول: إن المراد به في المغرب والفجر، أعني قوله في (المنتخب)، رواية واحدة.
والصحيح عندي أنهما روايتان مختلفتان؛ لأنَّه قال في (المنتخب)(3): وقد ذهب بعض علماء أهل البيت عليهم السلام إلى أن المسافر لا يصلي خلف المقيم، وأما أنا فأرى أنَّه جائز، ولا خلاف في أن ذلك في المغرب والفجر جائز، فبان أن الذي حكى المنع فيه، وأجاز هو غير المغرب والفجر.
__________
(1) ما بين المعكوفين في هامش (ب) فقط.
(2) الذي في المنتخب بعدما حكى أن بعض علماء آل الرسول يجيزه. (( والواب عندي ألا يصلي مسافر خلف مقيم )). انظر المنتخب ص56.
(3) هذا الكلام غير موجود في المنتخب. والصواب ما أثبته.(17/21)

74 / 138
ع
En
A+
A-