وروى مثل ذلك أنس(1)، وهو مما لم يحك عن العلماء خلافه، إلاَّ قول شاذ يحكى عن علقمة، وابن مسعود، أن الجماعة إذا كانوا ثلاثة، فالإمام وسطهم، وانعقاد الإجماع بعدهما يوجب سقوط قولهما في ذلك.
مسألة: [في صلاة الرجل بالنساء]
قال: ولا يصلي رجل بنساء لا رجل معهن، فإن كان معهن رجل جازت الصلاة به وبهن، فإن كان واحداً وقف عن يمين الإمام، والنساء خلفهما، وإن كانوا جماعة وقفوا خلف الإمام والنساء خلفهم، وإن كان رجل وخنثى لبسة لم يصل بها، وإن كان رجلان(2)، وخنثى لبسة، وامرأة، وقف الرجل عن يمين الإمام، والخنثى وراءهما، والمرأة وراء الخنثى، وإن أحدث الإمام أتم كل واحد منهم صلاته منفرداً، وإن كان مع الإمام رجلان، فحدث به حدث أَمَّ أحدهما، وصلى بهم تمام صلاتهم.
وذلك كله منصوص عليه في كتاب (الأحكام)(3) غير قولنا. وإن كان رجل وخنثى لبسة، لم يصل به، فإن ترتيب المسألة دل عليه.
وخرَّج أبو العباس الحسني رحمه اللّه في (شرح الأحكام)، وفي (النصوص) إبطال صلاتهم إذا نوى الرجل الإمامة وهي الائتمام.
والوجه فيه: ما أخبرنا به أبو العباس الحسني رحمه اللّه قال: أخبرنا يوسف بن محمد الكسائي، حدثنا علي بن سهل بن المغيرة /176/، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، أنَّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( خير صفوف الرجال المقدم، وشرها المؤخر، وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم ))
فاقتضى الخبر النهي عن كونهن في الصف الأول؛ لأن ما ثبت أنَّه شر لا يكون إلاَّ منهياً عنه، وإذا صلى الرجل بامرأة وحدها، كانت صلاتها في موضع الصف الأول.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( أخروهن حيث أخرهن الله ))، وهذا ـ أيضاً ـ يقتضي ما اقتضاه الحديث الأول.
__________
(1) في (ب): وروي مثل ذلك عن أنس.
(2) في (أ): رجل.
(3) انظر الأحكام 1/103.(17/7)


فإن قيل: هذا يقتضي فساد صلاة المرأة، فمن أين قلتم: إن صلاة الإمام فاسدة؟
قيل له: لا خلاف في حكم صلاتهما في الصحة، أو البطلان، فإذا ثبت بطلان صلاة المرأة، ثبت بطلان صلاة الرجل الإمام، على أنا لو اعتمدنا لإفساد صلاة الإمام قولَه صلى الله عليه وآله وسلم: (( شر صفوف الرجال المؤخر، لكان صحيحاً ))؛ لأنَّه إذا صلى بالنساء، كان بحيث يلي صفهن، وليس يلزم عليه من كان في الصف الأخير من الرجال؛ لأنَّه مخصوص بالدليل.
ولا خلاف في أنها إذا تقدمت الإمام، فسدت صلاتها، فكذلك إذا ائتمت به وحدها، والعلة أنها عصت في الموقف، وهي قياس على من صلى على موضع نجس بهذه العلة.
فإن ناكرونا الوصف في الضرع المتنازع فيه، أثبتناه بالخبرين الذين قدمناهما.
ومن أصحابنا من يستدل على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يخلوَنَّ رجل بامرأة ))، فنهيه ذلك يقتضي النهي أن يصلي الرجل بامرأة واحدة إذا كانت أجنبية ))؛ لأن في صلاته بها خلوته معها، وإذا صح ذلك في الأجنبية، فلا أحد يفصل بين صلاته بالأجنبية وبين صلاته بذات رحم محرم، وكذلك يجب أن يكون حكم صلاته بالنساء، إذ لا أحد فصل بين صلاته بامرأة واحدة وبين صلاته بالنساء.
وروى محمد بن منصور، عن زيد بن علي عليه السلام المنع من صلاة الرجل بنساء لا رجل معهن.
فأما إذا كان معهن رجل سوى الإمام، فلا خلاف أن صلاته به وبهن جائزة؛ ولأنهن لا يكن في الصف الأول، ووجب فيه جميع ما تقدم ذكره.
وإذا وقف المؤتم عن يمين الإمام، والنساء خلفهما، لم يكن في الصف الأول على ما بيناه.
وإذا ثبت ذلك في المرأة، ثبت في خنثى لبسة؛ لأنَّه لا يؤمن أن يكون امرأة، فيجب عليها أن تجتنب ما تجتنبه المرأة أن تحتاط (بما تحتاط)(1) به المرأة.
__________
(1) سقط ما بين القوسين من (أ).(17/8)


ووجه قولنا: إنَّه إن كان مع الإمام رجلان، فحدث به حدث ائتم أحدهما، وصلوا باقي الصلاة جماعة، وإن كان معه رجل واحد، فحدث به حدث أتم كل واحد منهما صلاته منفرداً، أنه إذا كان مع الإمام رجلان، وبطلت صلاته، فأمَّ أحدهما، لم يكن أم الرجل بنساء لا رجل معهن، وإذا كان معه رجل واحد، وبطلت صلاته، فأمَّ النساء، كان قد صلى بنساء لا رجل معهن، وذلك مما قد مضى الكلام فيه.
ووجه قولنا: إن الخنثى تقف أمام المرأة هو إذا لم يأمن أن يكون رجلاً، وإذا كان رجلاً لم يجز له أن يقف إلى جنب المرأة، أو وراءها، فوجب أن يتجنب ما يتجنبه الرجل كما قلنا: إنَّه يتجنب ما تتجنبه المرأة، فلذلك قلنا: إنَّه يقف خلف الرجل، وأمام المرأة.
فصل [وتصح صلاة الرجل النافلة بأهله جماعة]
قال في (الأحكام)(1): لا يصلي الرجل بنساء لا رجل معهن، إلاَّ أن يكون رجل يصلي في بيته بحرمته صلاة /177/ نافلة.
وفسره أبو العباس الحسني رحمه الله، في (شرح الأحكام) على صلاة الرجل نافلته في بيته بقرب حرمته، لا على وجه الائتمام، وذلك قريب؛ لأنَّ أصوله تدل على أنَّه لا يرى إتمام المرأة وحدها بالرجل على حال من الأحوال.
مسألة: [في إمامة النساء]
والمرأة تؤم النساء، تقف في وسطهن، لا تتقدمهن ولا تتأخر عنهن.
وذلك منصوص عليه في (الأحكام)(2).
__________
(1) انظر الأحكم 1/103.
(2) انظر الأحكام 1/104.(17/9)


واعتمد يحيى عليه السلام لذلك: ما رواه محمد بن منصور، عن أحمد بن عيسى، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: دخلت أنا ورسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على أم سلمة رضي اللّه عنها، فإذا نسوة في جانب البيت يصلين، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( يا أم سلمة، أي صلاة تصلين؟ )). قالت: يا رسول الله، المكتوبة. قال: (( أفلا أممتهنَّ ))؟. قالت: يا رسول اللّه أو يصلح ذلك؟ قال: (( نعم، لا هنَّ أمامك ولا خلفك، عن يمينك وعن يسارك )).
وفيه أنه أستر للآمَّة، وذلك مأخوذ عليهن في الصلاة؛ لأنَّه قد استحب لهن التضمم في السجود، وقلة الانحناء في الركوع؛ ليكون أستر، فكذلك وقوف الآمَّة وسط المؤتمات.
مسألة: [في وقت نهوض المصلين للصلاة وتكبير الإمام]
قال: ويستحب للإمام ومن معه أن يقوموا إذا بلغ المؤذن في الإقامة حيَّ على الصلاة، فإذا بلغ قد قامت الصلاة، كبر ولم ينتظر شيئاً.
وذلك منصوص عليه في (الأحكام)(1).
ووجهه: ما رواه محمد بن منصور، عن أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة، كبر ولم ينتظر شيئاً.
وروى محمد بن منصور، عن أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن أبي جعفر، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: كان إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، كبر.
مسألة: [في من لم يجد في الصف مكاناً، كيف يفعل؟]
قال: وإذا دخل الرجل(2) في الجماعة، ولم يجد مكاناً(3)، جذب من الصف رجلاً إلى خلفه، وقام إلى جنبه، وعلى المجذوب أن يتأخر، فإنه أفضل له، ولا ينبغي لأحد أن يصلي وراء الصف وحده، إلاَّ لعلة به.
وذلك كله منصوص عليه في (الأحكام)(4).
__________
(1) انظر الأحكام 1/118.
(2) في (أ): رجل.
(3) في (ب): ولم يجد في الصف مكاناً.
(4) انظر الأحكام 1/113.(17/10)


ومن أصحابنا من ذهب إلى أنَّه لو صلى منفرداً خلف الصف لا لعذر، كره، وأجزته صلاته.
والأقرب عندي على أصوله أن صلاته تبطل؛ لأنَّه عاص في الوقوف، ومتى كان المصلي في الوقوف والكون بحيث هو عاصياً، فأصول أصحابنا تقتضي بطلان صلاته، كالمصلي إلى جنب المرأة، وكالمصلي بامرأة لا رجل معها، وكالمصلي في الدار المغصوبة، وذلك أولى؛ لأن الخبر الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقتضيه.
وهو ما أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا الناصر للحق عليه السلام، عن محمد بن منصور، حدثنا أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: صلى رجل خلف الصفوف، فلما انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أهكذا صليت وحدك ليس معك أحد ))؟ قال: نعم. قال: (( قم، فأعد الصلاة )).
وروى محمد بن منصور بإسناده، يرفعه إلى الشعبي، عن وابصة بن معبد، قال: صلى رجل خلف رسول اللّه /178/ صلى الله عليه وآله وسلم، فقام وحده خلف الصف، فلما قضى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة نظر إليه، فقال: (( يا مصلي وحده، هلاَّ كنت دخلت في الصف، فإن لم تجد فيه سعة أخذت بيد رجل، فأخرجته إليك، قم، فأعد الصلاة )).
فإن استدل لجواز صلاة المنفرد مستدل بما روي أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أمَّ أنساً، وعجوزاً خلفه، لم يصح ذلك؛ لأن وقوف العجوز وحدها إنما هو للعذر؛ إذ لم يجز لها أن تقف مع أنس، وعندنا أنه إذا صلى منفرداً لعذر، جازت صلاته.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكرة حين أحرم خلف الصف وحده: (( زادك اللّه حرصاً، ولا تعد )). لا يدل على جواز صلاة المنفرد لغير عذر؛ لأنَّه أحرم قَبْل أن يلحق الصف حين خاف الفوات، فالحال حال العذر، على أنا لو استدللنا بقوله: لا تعد، على أنَّه لا يجزئ، كان صحيحاً.
مسألة [في الرجل يدرك الإمام راكعاً](17/11)

72 / 138
ع
En
A+
A-