وأما البدوي في هذا الوقت، فلا فرق بينه وبين الحضري؛ إذ البادية من دار الإسلام كالحضر، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا هجرة بعد الفتح ))، فالصلاة خلف البدوي كالصلاة خلف الحضري، فإن كان في الدين/173/ على الصفة التي إذا كان عليها الحضري جازت الصلاة خلفه(1)، وإن كان على خلاف تلك الصفة لم تجز الصلاة خلفه.
فأما المطلق، فله أن يصلي خلف المقيد إذا كان القيد لا يمنع من توفية جميع حقوق الصلاة؛ لأن المقيد إذ ذاك يكون سبيله سبيل المطلق، فأما الحديث المروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في النهي عن صلاة المطلق خلف المقيد، فهو محمول على من يكون قيده ثقيلاً يمنعه من توفية حقوق الصلاة عند القيام والقعود.
مسألة: [في ائتمام ناقص الصلاة بكاملها]
ولا يصلي اللابس خلف العريان، ولا القائم خلف القاعد، ولا المتوضئ خلف المتيمم، ولا المؤدي فرضه خلف المتطوع، ولا الرجل خلف المرأة أو الصبي.
نص في (الأحكام)(2) على المنع من صلاة اللابس خلف العريان، والقائم خلف القاعد، والمتوضئ خلف المتيمم.
وخرج أصحابنا المنع من صلاة المؤدي فرضه خلف المتطوع، والصبي من قول القاسم عليه السلام في المنع من صلاة المسافر خلف المقيم، إنَّ فرضه غير فرضه.
وخرجوا المنع من صلاة الرجل خلف المرأة، من منعه ائتمام النساء بالرجال إذا لم يكن معهن رجل.
والأصل في ذلك: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن )).
فدل ذلك على أن صلاة المؤتم معقودة بصلاة الإمام؛ إذ لو كانت صلاة كل واحد منهما على حيالها لم يكن لقوله: (( الإمام ضامن )) معنى.
__________
(1) في (ب): الحضري صلى خلفه جازت الصلاة خلفه.
(2) انظر الأحكام 1/143.(17/2)
وإذا ثبت ذلك، ثبت أن حكم صلاة المؤتم حكم صلاة الإمام، فإذا كان الإمام عرياناً، أو قاعداً، أو(1) متيمماً، كانت صلاة المؤتم صلاة العريان، أو صلاة القاعد، أو صلاة المتيمم، مع القدرة على اللباس والقيام والوضوء، فوجب أن تكون فاسدة، وكذلك القول في التطوع.
ومما يؤكد ذلك ما قد ثبت أن الإمام إذا صلى جنباً متعمداً فسدت صلاة من ائتم به بالإجماع، وكذا إن صلى كافراً، ويلزم المؤتم من السهو ما يلزم الإمام، فكل ذلك يكشف أن صلاة المؤتم معقودة بصلاة الإمام، وأن صلاة المؤتم هي في حكم صلاة الإمام.
ويدل على ذلك الحديث الذي ذكرناه في مسألة صلاة العليل، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً، فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً، فصلوا قعوداً ))، فتضمن ذلك النهي عن صلاة القائم خلف القاعد، وهو يقتضي الفساد.
ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يؤم أحدٌ بعدي قاعداً )).
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: لا يؤم المتيمم المتوضئين، ذكره عنه عليه السلام يحيى بن الحسين عليه السلام في (الأحكام)(2)، ومحمد بن منصور في كتابه.
وروى محمد بن منصور، عن حكم بن سليمان، أخبرنا(3) أسد بن سعيد، عن صالح بن رستم، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله قال: كنا في غزاة، فأصابت عمرو بن العاص جنابة، فتيمم، فقدَّمنا أبا عبيدة بن الجراح؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يؤم المتيمم المتوضئين )).
وإذا ثبت ذلك في صلاة المتيمم بالمتوضئ، ثبت في سائر الصلوات التي ذكرنا؛ إذ لا أحد فيما أحفظ أبطل صلاة المتوضئ، خلف المتيمم إلا/174/ وأبطل سائر ما ذكرنا، وأيضاً لا خلاف بين المسلمين أنَّه لا صلاة للرجل خلف المرأة، فكذلك ما ذكرناه قياساً عليها، والعلة أنه ائتم بمن صلاته قاصرة عن كمال صلاته.
__________
(1) سقط من (أ): أو.
(2) انظر الأحكام 1/143.
(3) في (ب): قال أخبرنا.(17/3)
فإن قيل: ماذا تريدون بقولكم: إن صلاة الإمام قاصرة؟
قيل له: القصر عند الكمال معقول، وإن كانت تختلف، فقصور صلاة المرأة عن صلاة الرجل أنَّها لا تعتدل في الركوع، والسجود، وتتضمم، وتترك التجافي، الذي هو مأمور به، وقصور صلاة العريان، أن صلاته تقع مع ظهور العورة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم )).
والأصل في ذلك: أن صلاة الإمام إذا وقعت على وجه لو وقعت عليه صلاة المؤتم وهو على ما هو عليه، لكانت صلاته فاسدة، أو ناقصة، كانت صلاته قاصرة، وكل ذلك يبين أن المؤدي فرضه لا يؤدي خلف المتطوع، وإذا ثبت ذلك، ثبت أنَّه لا يجوز للرجل أن يصلي خلف الصبي؛ لأن الصبي في حكم المتطوع أو دونه، على أن العراقيين يوافقوننا على المنع من صلاة اللابس خلف العريان، فوجب أن يكون سائر ما ذكرناه قياساً عليه.
فإن قيل: روي أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مرضه جالساً بالناس.
قيل له: ذلك خاص فيه بدلالة قوله: (( لا يؤم أحدٌ بعدي قاعداً )).
قال: والذي خرجناه على مذهب أصحابنا المنع من صلاة القارئ خلف الأمي، وصلاة الصحيح خلف من به حدث لازم؛ لأن جميع ما ذكرنا في(1) صلاة اللابس خلف العريان، وصلاة القائم خلف القاعد يقتضيه.
مسألة [في إمامة الفاسق ومن عليه فائتة]
قال: ولا يجوز إمامة الفاسق. وقال القاسم عليه السلام: لا يؤمن من عليه صلاة فائتة.
نص يحيى عليه السلام في (الأحكام)(2) على المنع من الصلاة خلف الفاسق.
ونص القاسم عليه السلام في (مسائل عبد الله بن الحسن) فقال: لا يؤم القوم من عليه صلاة فائتة حتى يؤدي ما عليه.
__________
(1) في (أ): من.
(2) انظر الأحكام 1/111.(17/4)
والأصل في ذلك ما اعتمده يحيى عليه السلام، وهو: ما رواه محمد بن منصور، عن أبي طاهر، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: كنت مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فأتى بني مجمع، فقال: (( من يؤمكم؟ )). فقالوا: فلان. قال: (( لا يؤمكم ذو جرأة في دينه )).
وروى محمد بن منصور، عن إبراهيم بن حبيب، عن يحيى بن يعلى، عن يونس بن حباب، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يؤمنَّ فاجرٌ مؤمناً، ولا يصلي مؤمن خلف فاجر )).
وأخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الثقفي، حدثنا أبو نعيم الفضل بن العباس، حدثنا عبيد بن يعيش، حدثنا الوليد بن بكير، عن عبد الله بن محمد القروي، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن جابر بن عبدالله، قال: خطَبَنا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (( لا تؤمنَّ امرأة رجلاً، ولا يؤمنَّ فاجرٌ مؤمناً، إلاَّ أن يخاف سيفه أو سوطه )). وذلك كله تصريح بالنهي عن الصلاة خلف الفاسق، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، على أنَّه إجماع أهل البيت عليهم السلام، لا أعلم فيه بينهم خلافاً.
وأيضاً لا خلاف أنَّه لا تجوز الصلاة خلف الكافر، فوجب أن لا تجوز خلف الفاسق، والعلة أن كل واحد /175/ منهما يلزمه اسم الفجور، أو يقال: إنه يستحق الوعيد، وهذه علة قد نبه النص عليها، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يصلي مؤمن خلف فاجر )).
وإن تعلقوا بما روي (( صلوا خلف كل بر(1) وفاجر ))؟
قيل لهم: معناه صلوا، وإن كان أمامكم في الصف بَرٌّ أو فاجر، لا على وجه الائتمام، وهذا أولى؛ ليكون موافقاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يصلي مؤمن خلف فاجر ))، وقوله: (( لا يؤمنَّ فاجر مؤمناً )).
فإن قيل: إن ابن عمر صلى خلف الحجاج؟
قيل له: يجوز أن يكون اتقاه بما فعل، ولم يعتد بما صلى معه، أو لم ينوِ الائتمام به.
__________
(1) في (أ): بار.(17/5)
فأما قول القاسم عليه السلام: لا يؤم القوم من عليه صلاة فائتة، فالأقرب عندي أنَّه قال ذلك على سبيل الكراهة.
ووجه ذلك: أنَّه لم يأمن أن يكون من عليه صلوات(1) فائتة قد أخل بالقيام بقضائها، إذ وقت قضائها مضيق؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من نسي صلاة، أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها، لا وقت لها غير ذلك ))، فلما لم يأمن ذلك لم يأمن أن يكون سبيله سبيل من ترك الصلاة حتى يمضي وقتها لغير عذر، فكره لذلك أن يؤتم به.
مسألة [في كيفية الوقوف في الجماعة]
قال: وإذا صلى رجل برجل، وقف المؤتم عن يمين الإمام، فإن كانوا ثلاثة أو أكثر من ذلك، تقدم الإمام.
وذلك منصوص عليه في (الأحكام)(2).
والأصل فيه: ما أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا الناصر، عن محمد بن منصور، عن أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: أتينا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أنا ورجل من الأنصار، فتقدمنا، وخلَّفنا خلفه، ثم صلى بنا، ثم قال: (( إذا كان اثنان، فليقم أحدهما عن يمين الإمام )).
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا حسين بن نصر، حدثنا مهدي بن جعفر، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن أبي حزرة المدني يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: أتينا جابر بن عبد الله، فقال جابر: جئت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي حتى قمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، وجاء حيان بن صخر فقام عن يسارة، فدفعنا جميعاً حتى أقامنا خلفه(3).
__________
(1) في (أ): صلاة.
(2) انظر الأحكام 1/102.
(3) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/307، إلا أنه قال المديني، بدل: المديني، وقال: وجاء جابر بن صخر بدل: حبان.(17/6)