وأخبرنا(1) أبو الحسين بن إسماعيل(2)، حدثنا الناصر للحق عليه السلام قال: أخبرنا محمد بن علي بن خلف، قال: أخبرنا عمر بن عبد الغفار، حدثنا مسعود بن سعد الجعفي، عن عمران بن مسلم، قال: عُوتب سويد بن غفلة في القنوت في الفجر، فقيل له: إن أصحاب عبدالله لا يقنتون. قال: فقال سويد: أما أنا، فلا استوحش إلى أحد في القنوت، صليت خلف أبي بكر فقنت، وخلف عمر فقنت، وخلف عثمان فقنت، وخلف علي عليه السلام فقنت.
وقد ذكرنا في مسألة الوتر ما ورد في قنوت الوتر، وبينا فيها الوجه الذي من أجله اخترنا أن يكون القنوت بعد الركوع، وحديث أنس يصرح بذلك، وكذلك حديث ابن ضميرة، عن علي عليه السلام.
فأما وجه الجهر، فهو: أن الاختيار عندنا أن يكون القنوت بآية من كتاب اللّه عزَّ وجل، ووجدنا القراءة في الصبح وفي الوتر مجهوراً بها، فألحقنا حكم القنوت بحكم القراءة فيها.
وأما ماله اخترنا أن يكون القنوت بآية من كتاب اللّه، فما ذكرناه في مسألة التأمين من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ))، ولأن الغرض في القنوت هو الدعاء، والثناء على اللّه عزَّ وجل، فإذا أمكن ذلك بآية من كتاب اللّه عزَّ وجل، كان أولى.
وأخبرنا محمد بن عثمان النقاش، قال: أخبرنا الناصر عليه السلام، عن محمد بن منصور، عن محمد بن جميل، عن إسماعيل، عن عمرو، عن جابر(3)، عن أبي جعفر، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول في القنوت: (( لا إله إلاَّ اللّه العلي العليم ـ أو العظيم ـ والحمدلله رب العالمين، وسبحان اللّه عما يشركون، والله أكبر أهل التكبير، والحمدلله الكبير، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا... )) إلى آخرها.
__________
(1) ـ في (أ): حدثنا.
(2) ـ في (ج): الحسين علي بن إسماعيل.
(3) ـ في (أ): بن جابر.(16/45)


وأخبرنا أبو العابس الحسني، قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق، حدثنا علي بن محمد بن الحسن النخعي، حدثني سليمان بن إبراهيم المحاربي، حدثني نصر بن مزاحم، حدثني إبراهيم بن الزبرقان، حدثني أبو خالد الواسطي، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي علهيم السلام أنَّه كان يقنت في الفجر بهذة الآية: {آمَنَّا بَاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ..} إلى آخر الآية [البقرة:136].
مسألة [ في الجهر والإسرار بالقراءة]
قال: ويجهر بالقراءة في الركعتين الأولتين من المغرب، والعشاء، والفجر، ويخافت بها في الظهر والعصر.
وقد نبه على ذلك في (الأحكام)(1) وتأول عليه قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيْلاً} [الإسراء:79]، قال: فمنع من المخافتة في صلاة الليل، والجهر في صلاة النهار، وهو مما لا خلاف فيه بين الأمة، وهو نقل الخلف عن السلف فعلاً وراوية.
مسألة [ في عدد تسبيح الركوع والسجود ]
قال: ويستحب أن لا يسبح في ركوعه وسجوده بأقل من ثلاث تسبيحات.
وقد نص على ذلك في (المنتخب)(2)، وذكر أن أقل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث تسبيحات.
وروي عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( إذا ركع أحدكم، فليقل في ركوعه: سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاثاً، فإذا فعل ذلك، فقد تم ركوعه وذلك أدناه ))(3).
وروى الطحاوي بإسناده عن حذيفة، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك في الركوع والسجود ثلاثاً ثلاثاً(4). على أني لا أحفظ فيه خلافاً.
مسألة [ في صلاة العليل ]
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/91.
(2) ـ انظر المنتخب ص40.
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/232.
(4) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/235.(16/46)


قال: ويصلي العليل على قدر ما يمكنه، إن أمكنه قائماً، فقائماً، وإن أمكنه جالساً، فجالساً، إن صلى جالساً، جلس متربعاً في موضع القيام، وفعل جميع ما يفعله في الصلاة، وإن لم يقدر على السجود، أومأ برأسه إيماءً، يكون سجوده أخفض من ركوعه، وإن لم يقدر على الجلوس توجه إلى القبلة وصلى، فأومأ(1) في ركوعه وسجوده كما ذكرنا، فأما أن يقرب وجهه من شيء، أو شيئاً من وجهه، فلا يجوز، إنما هو سجود لمن أطاق، وإيماء لمن لم يطق.
وكل ذلك منصوص عليه في (الأحكام)(2)، ولا خلاف أن العليل يصلي على قدر ما يمكنه قائماً إن أمكنه، وإن لم يمكنه فجالساً، وإن لم يمكنه فبإيماء.
وأخبرنا أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا ابن اليمان، حدثنا بن شجاع، حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سقط من فرس، فانقلب قدمه، فدخلنا عليه نعوده، وهو يصلي جالساً، فصلينا بصلاته ونحن قيام، فأومأ إلينا أن اجلسوا، فلما صلى قال: (( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً، فصلوا قياماً، وإذا صلى جالساً، فصلوا جلوساً )).
وروى محمد بن منصور، عن أحمد بن عيسى، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: دخل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح، فقال: يا رسول الله، كيف أصلى؟ فقال: (( إن استطعتم أن تجلسوه، فاجلسوه، وإلا فوجهوه إلى القبلة، ومُروه فليومئ إيماءً )).
__________
(1) ـ في (أ) و(ب): وأومأ.
(2) ـ انظر الأحكام 1/121.(16/47)


وروى أبو بكر بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن طهمان، عن حسين المعلم، عن عبدالله بن بريدة، عن عمران بن حصين، قال: كان بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة؟ فقال: (( صلِّ قائماً، فإن لم تستطع [فجالساً، فإن لم تستطع](1) فعلى جنب )).
ورواه محمد بن منصور، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان.
وروى أبو الحسن الكرخي في (الجامع الصغير)، عن ابن مسعود أنَّه تأول قول اللّه تعالى: {الَّذِيْنَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِم}[آل عمران:191]، على نحو حديث عمران.
وأما اختياره أن يجلس متربعاً، فلما رواه محمد بن إسحاق بن خزيمة، عن محمد بن عبدالله بن المبارك، حدثنا أبو داود الحفري، وحدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو داود، وعمر بن سعيد(2)، عن حفص بن غياث، عن حميد، عن عبدالله بن شقيق، عن عائشة قالت: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يصلي متربعاً.
ومن الناس من رأى أن يجلس جلسة التشهد، ومنهم من رأى أنَّه يجلس كيف شاء، وما قلناه أولى بالحديث، ولأن في الصلاة قاعداً جلستين، جلسة هي الأصل وهي جلسة التشهد، وجلسة هي بدل القيام، فإذا جعلنا الجلسة التي هي بدل من القيام تربعاً، كنا قد فصلنا بين الجلستين، وذلك أولى.
ووجه آخر، وهو: أن الجلوس بدل من القيام، والقيام قد أخذ فيه الإستواء، فوجب أن يكون فيه الجلوس الذي هو بدل منه، كذلك بعلة أنَّه ركن يختص بالقراءة، ولا جلوس أشد استواء وتمكناً من جلوس المتربع.
فأما أن يقرب وجهه من شيء، أو يقربه إلى وجهه، فلا معنى له؛ لأنَّه لم يرد به شرع، ولأنه لا خضوع فيه، ولا هو موضع للعبادة والتذلل، وليس كذلك الإيماء؛ إذ فيه خضوع، ولا خلاف في أنَّه يأتي به إذا عجز عن سواه.
__________
(1) ـ ما بين المعكوفين سقط من (أ).
(2) ـ سقط الواو من (أ)، وفيها: عمر بن سعد.(16/48)


مسألة [ ولا بأس أن تحصي الركعات بالحصى أوالخط ]
قال: ولا بأس أن يخط الرجل عدد ركعات ما يركع في الأرض، أو يحصي ذلك بالحصى، أو يعد الآي إذا كان يفعل ذلك تحفظاً.
قال: ولا بأس أن يعتمد على الجدار أو غيره عند نهوضه في الصلاة إن احتاج إليه؛ لعلة، أو كِبر.
وذلك كله منصوص عليه في (الأحكام).
والوجه لما ذكرنا من عدد الركعات والآيات على الوجه الذي قلنا: قول اللّه تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}[البقرة:238]، فإذا كانت المحافظة عليها لا تتم إلاَّ بما ذكرنا، وجب أن يفعل.
وأما الإعتماد على الجدار وغيره عند النهوض في الصلاة فقد اعتمد بذلك يحيى بن الحسين عليه السلام على ما رواه محمد بن منصور، عن أحمد بن عيسى بن زيد، [عن محمد بن بكر](1)، عن أبي الجارود، قال: سمعت أبا جعفر يقول: كان لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عود في الحائط حين كبر وضعف، يعتمد عليه إذا قام يصلي، على أن حال من ترك القيام أصلاً دون حال من اعتمد عند القيام على شيء، فإذا عذر في ترك القيام؛ لضعفه، كان في الاعتماد على شيء عند القيام أعذر.
مسألة [ في الأفعال في الصلاة]
قال: ولا يجوز للمصلي أن يقتل حية، أو عقرباً في صلاته، ولا أن يرشد ضالاً، أو يشتغل عنها، ومن أضطر إلى شيء من ذلك، استأنف صلاته.
قال: ولا بأس أن يُسوِّي الرجل رداءه في صلاته إذا وقع عن كتفيه.
قال: ويكره له أن يضع يده على فيه عند التثاؤب، وأن يسوي الحصى بين يديه، إلاَّ إذا خشي أن لا يستوي سجوده.
وكل ذلك منصوص عليه في (المنتخب)(2).
والوجه في ذلك: أن الأفعال التي يفعلها المصلي مما ليست من الصلاة على ثلاثة أقسام.
قسم منها: أفعال كثيرة، وهي مبطلة للصلاة؛ بالإجماع، كالأكل، والمشي إذا كثر.
وقسم منها: أفعال يسيرة، وهي قسمان:
__________
(1) ـ ما بين المعكوفين في (أ) و(ب).
(2) ـ انظر المنتخب ص46،57.(16/49)

69 / 138
ع
En
A+
A-