وإذا ثبت وجوب الصلاة على محمد وآل محمد بما تقدم، كان الأولى أن يقال على هذا اللفظ؛ لما أخبرنا به أبو الحسين البروجردي، حدثنا سفيان بن هارون، حدثنا علي بن حرب، عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قلنا: يا رسول الله، لو(1) علمتنا كيف نسلم عليك، وكيف نصلي عليك؟ قال: (( قل: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد )).
مسألة [ في التسليم وكيفيته ]
قال: ثُمَّ يسلم تسليمة عن يمينه، وتسليمة عن يساره، إن كان وحده، نوى بذلك الملكين، وإن كان في جماعة، نوى الملكين ومن معه من المسلمين، يقول: السلام عليكم ورحمة الله.
وذلك كله منصوص عليه في (الأحكام)(2)، ومروي فيه عن القاسم عليه السلام.
والأصل فيه ما أخبرنا به أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا علي بن شيبة(3)، حدثنا عبدالله بن موسى العبسي، قال: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عن يمينة وعن شماله حتى يبدو بياض خده: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله(4).
__________
(1) ـ (قد) في نسخة بدلاً عن لو، وهو الموافق للرواية.
(2) ـ انظر الأحكام 1/102، فحيث ذكر أنه يسلم فقط.
(3) ـ في (ب): ابن أبي شيبة، إلا أنه ذكر في الهامش أن الأصل ما أثبت.
(4) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/267. وفيه: عبيد الله، بدل: عبد الله.(16/30)
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا فهد، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن يزيد بن أبي مريم، عن أبي موسى، قال: صلى بنا علي صلوات الله عليه يوم الجمل صلاة ذكرنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إما أن نكون نسيناها، أو تركناها على عمد، فكان يكبر في كل خفض ورفع، ويسلم عن يمينه ويساره(1).
فإن قيل: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه سلم تسليمة واحدة.
قيل له: خبرنا أولى؛ لأن فيه زيادة، سيما وأخبارنا أكثر وأشهر.
وروى أبو بكر الجصاص بإسناده، عن جابر بن سمره، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسلم أحدنا، أشار بيده من عن يمينه، ومن عن يساره، فلما صلى، قال: (( ما بال أحدكم يومئ بيده(2) كأنها أذناب خيل شمس، أما يكفي ـ أو لا يكفي ـ أحدكم أن يقول هكذا ـ وأشار بإصبعه ـ يسلم على أخيه عن يمينه وعن يساره ))، فدل صلى الله عليه وآله وسلم على أن ذلك سلام على الحاضرين، فينبغي أن ينويهم حتى يقع موقعه.
على أن قول القائل: السلام عليكم مخاطبة تقتضي المخاطب، ولا بد من أن يقصد إلى أن يكون الخطاب خطاباً له، ولا مخاطب، قيل فيه ذلك إلاَّ الحفظة من الملائكة، والحُضّر من المسلمين معه في الصلاة، فوجب أن ينويهم بالسلام.
فصل [ ولا يُحل الصلاةَ إلا التسليمتان ]
قال في (المنتخب)(3): ولا يُحل الصلاةَ إلا التسليمتان، ولا صلاة إلاَّ بتسليمتين، فكأنه جعلهما جميعاً فرضين.
__________
(1) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/267.
(2) ـ يومئ بيديه كأنها ، في نسخة.
(3) ـ انظر المنتخب ص44.(16/31)
والأصل فيه ما ثبت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّه كان يسلم تسليمتين على ما بيناه، وقد قال: (( صلوا كما رأيتموني أصلي )). فثبت وجوبهما، وقد بينا فيما مضى أن أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة تدل(1) على الوجوب؛ لأنها بيان لمجمل واجب، فوجب بهذا ـ أيضاً ـ أن تكون التسليمتان واجبتين.
وليس لأحد أن يقول: إن الأذكار لا ينطلق عليها اسم الصلاة؛ لأن الاسم يتناول جملتها، وجملتها مشتملة على الأفعال والأذكار، وفي حديث معاوية بن الحكم السلمي، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنما الصلاة التسبيح، والتحميد، وقراءة القرآن )). فبين صلى الله عليه وآله وسلم، أن الأذكار من الصلاة.
مسألة [ صيغة أخرى للتشهد ]
قال: فإن(2) قال في التشهد: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، [أشهد أن لا إله إلاَّ الله، ويتم التشهد، فلا بأس به.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(3).
والأصل فيه الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى ابن مسعود بهذا اللفظ: "التحيات لله والصلوات والطيبات"](4)، بإثبات الواوين.
وروى غيره بغير هذا اللفظ، إلاَّ أن هذا أولى؛ لأن عبدالله قال: أخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقننيها كلمة كلمة.
واختار يحيى بن الحسين صلوات الله عليه ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، لما بيناه من أن ما يروى عنه أولى مما يروى عن غيره، وأن ما روي عنه موقوفاً مما لا مسرح فيه للاجتهاد، كان ذلك كالمسند إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
مسألة [ وتكره الحركات في الصلاة ]
__________
(1) ـ سقط من (أ): تدل.
(2) ـ في (أ) و(ب): وأن.
(3) ـ انظر المنتخب ص42.
(4) ـ ما بين المعكوفين ساقط من (أ) و(ب).(16/32)
قال: "ويكره للمصلي أن ينفخ في صلاته، وأن يشير، أو يتفكر، أو يمسح جبهته من أثر السجود، وأن يعبث بلحيته، أو يفرقع بأصابعه، أو يرفع إحدى رجليه في قيامه، أو يعبث بتنقية أنفه، أو يلتفت في صلاته عن يمينه، أو عن شماله".
وهذا كله منصوص عليه في (الأحكام)(1).
واستدل على ذلك:
بما أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا الناصر عليه السلام، عن محمد بن منصور، حدثنا أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً يعبث في الصلاة بلحيته، فقال: (( أمّا هذا، فلو خشع قلبه، لخشعت جوارحه )).
وقد قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ الَّذِيْنَ هُمْ فِيْ صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون:1،2]، وكل هذه الأحوال خلاف الخشوع.
وذكر أبو العباس الحسني رحمه الله في (كتاب النصوص) حديث عبدالله بن خارجة، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن ينفخ في الشراب(2)، وأن ينفخ بين يديه في القبلة.
وذكر أن في حديث أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يمسح الحصى إلاَّ مرة واحدة؛ ولأن تصبر عنه خير لك من مائة ناقة، كلها سود الحدق )). فكل ذلك يصحح ما ذكرناه.
مسألة [ في التامين بعد الفاتحة ]
قال: ولا يجوز أن يقول في صلاته بعد قراءة الحمد: "آمين".
وهذا منصوص عليه في (الأحكام) و(المنتخب)(3)، وهو مذهب جميع أهل البيت عليه السلام، إلاَّ ما يروى عن أحمد بن عيسى عليه السلام أنَّه أجازه، ومنع يحيى بن الحسين عليه السلام منه؛ لأنَّه ليس من القرآن.
والوجه في ذلك:
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/106.
(2) ـ في (ب): في التراب.
(3) ـ انظر الأحكام 1/106.(16/33)
ما أخبرنا به أبو العباس الحسني رحمه الله، حدثنا عبدالرحمن بن أبي حاتم، حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا حرب بن شداد، وأبان بن يزيد، عن يحيى بن كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعطس رجل - إلى جنبي -(1) فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت واثكل أماه، مالي أراكم تنظرون إليَّ، وأنا أصلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم يصمتوني، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته؛ بأبي وأمي ما رأيت أحداً - قبله ولا بعده - أحسن تعليماً منه، والله ما كهرني، ولا سبني، ولا ضربني، ولكنه قال: (( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنَّما الصلاة التسبيح، والتحميد، وقراءة القرآن )).
فدل ذلك على أن التأمين ليس من أذكار الصلاة.
فإن قيل: فقد روى التأمين وائل بن حجر.
قيل له: وائل عندنا غير مقبول؛ لأنَّه فيما روي كان يكتب بأسرار علي عليه السلام إلى معاوية، وفي دون ذلك تسقط العدالة، على أنَّه إن صح، كان منسوخاً بالحديث الذي قدمناه. ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ))(2).
ألا ترى أنَّه يمنع من كل كلام لا يكون من القرآن، وقوله: (( إنما الصلاة التسبيح والتحميد وقراءة القرآن ))، وفي بعض الروايات: (( التكبير ))، وهذا ـ أيضاً ـ يدل على ما قلناه.
__________
(1) ـ سقط من (ب): إلى جنبي.
(2) ـ في (أ): من كلام الناس، إنما الصلاة التسبيح والتحميد وقراءة القرآن. فدل ذلك على أن التأمين ليس من أركان الصلاة. فإن قيل: ألاترى ..(16/34)