قال القاسم عليه السلام: لا بأس للأمة أن تصلي بغير خمار.
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ويجزئ المرأة أن تصلي في رداء واحد غامر لرأسها وجسدها إذا لم تجد خماراً(1).
فدل ذلك على أنَّه يرى أن جميع أعضائهن عورة، واستثنى الوجه؛ لأنَّه قال في (الأحكام)(2) في كتاب النكاح: ولا بأس أن ينظر الرجل من المرأة التي يريد أن يتزوجها إلى ماليس بعورة منها، فلينظر إلى وجهها.
فدل ذلك على أن الوجه ليس من العورة عنده.
قال أبو العباس الحسني رحمه الله في (النصوص): كلها عند القاسم عليه السلام عورة غير الوجه، والكف، والقدمين، ويمكن أن يخرج قول يحيى عليه السلام على ذلك، وكان الظاهر ما ذكرناه، على أن القاسم عليه السلام قال في (مسائل النيروسي): إذا لم تجد المرأة ما تختمر به، صلت، واجتزت بثوب واحد إذا سترت شعرها وقدميها.
فدل على أن القدمين عنده من العورة، وهو المأخوذ به.
والذي يدل على ذلك ما رواه أبو العباس عليه السلام في (شرح الأحكام)، يرفعه إلى أم سلمة، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أتصلي المراة في درع وخمار، ليس عليها إزار؟ قال: (( نعم. إذا خمرت الذراع والقدمين )) فدل ذلك على وجوب ستر القدمين.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يقبل الله صلاة حائض إلاَّ بخمار )). يدل على ستر الشعر.
وروي ـ أيضاً ـ عن أم سلمة أنها قالت: لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني امرأة إطيل ذيلي في الصلاة، فأمرها بإطالته شبراً.
فدل ذلك أيضاً على وجوب ستر القدمين.
فأما الوجه فلا خلاف في أنَّه ليس من العورة، ألا ترى أن المحرمة يجب عليها كشفه، والمسلمون قد أجمعوا على أن من أراد أن يتزوج بامرأة، جاز له النظر إلى وجهها، وكذلك يجوز ذلك للشهادة عليها.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/110,
(2) ـ انظر الأحكام 1/364.(15/4)
قال: فأما الكف، فلا أحفظ عن أحد من أئمتنا عليهم السلام نصاً في إيجاب سترها، فليس يبعد أن يكون حكمها حكم الوجه، وقد قيل في تفسير قوله تعالى: {إِلاَّ مَاظَهَرَ مِنْهَا}[النور: 31]، الكحل والخاتم، فدل ذلك على أن الكف بمنزلة الوجه، وأما سائر أعضاء المرأة فلا خلاف في أنها عورة.
مسألة: [في عورة الأمة] (1)
قال القاسم عليه السلام: لابأس للإمة أن تصلي بغير خمار، وذلك منصوص عليه في (مسائل النيروسي)، وقال أبو العاباس في النصوص: فأما الأمة فكالرجل عند القاسم عليه السلام، والأصل أن للأجنبي أن ينظر إلى شعرها، ويروى أن عمر كان يقول للإماء: إكشفن رؤوسكن، ولا تشبهن بالحرائر. فصار حكم شعورهن حكم شعر الرجل، فوجب أن لا يكون عورة، على أن من يريد أن يشتريها يجوز أن ينظر إلى ذراعها وصدرها، فلم يبعد أن تكون عورتها مثل عورة الرجل.
مسألة [ وندب ستر الهبرية والمنكب والظهر والصدر]
قال: ويستحب للرجل أن يستر هبريته ومنكبيه، وظهره وصدره في الصلاة، ولا بأس بالصلاة في الثوب الواحد إذا كان صفيقاً، وستر جميع ما يجب ستره للرجال والنساء.
وكل ذلك منصوص عليه في (الأحكام)(2).
والوجه ما قدمنا ذكره من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( من صلى، فليلبس ثوبيه )).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من صلى فيأتزر، وليرتد )).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لسلمة بن الأكوع حين قال: أصلي في قميص واحد؟ قال: (( نعم وزره ولو بشوكة )). فدل قوله: (( وليلبس ثوبيه، وليرتد، وليأتزر ))، على أنَّه يستحب ستر ما ذكره يحيى عليه السلام.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/122.
(2) ـ انظر الأحكام 1/110.(15/5)
وأخبرنا أبو بكر، حدثنا الطحاوي، حدثنا عبدالرحمن بن عمر الدمشقي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا فطر بن خليفة، عن شرحبيل بن سعد، حدثنا جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يقول: (( إذا اتسع الثوب فاعطفه على عاتقك، فإذا ضاق فأتزر به، ثُمَّ صل )). فدل ذلك ـ أيضاً ـ على أن ستر ما ذكرنا مستحب.
وروي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّه قال: (( إذا صلى أحدكم في ثوبه، فليجعل على عاتقه منه شيئاً ))(1).
مسألة [في الصلاة في الحرير والقز والمشبع صبغاً]
قال: ولا يجوز للرجل الصلاة في الحرير المحض والقز، إلاَّ أن يكون ما سواهما غالباً عليهما، وكذلك الثوب المشبع صبغاً.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(2).
قال في (المنتخب)(3): يجوز ذلك إذا كان نصفه حريراً، ونصفه قطناً.
ووجه كراهة ذلك ما ورد من النَّهي في الآثار للرجال عن لبسه، فلما ثبت كره الصلاة فيه، وشدد(4) في (المنتخب)، وقال: "لا تجوز الصلاة فيه"(5).
فأما إذا لم يكن حريراً محضاً فإنَّه لم يكرهه؛ لما ورد في الآثار في إجازة اليسير منه كالعلم ونحوه، وما نقلت عن الصحابة، وأفاضل أهل البيت عليهم السلام من لبس الخزّ.
وكذلك الثوب المشبع صبغاً كرهه، لما ورد من النهي عن لبسه للرجال، وسنذكر هذه الأخبار بأسانيدها ونوضح ما يجب إيضاحه منها في كتاب اللباس، إن شاء اللّه تعالى.
مسألة [ في الصلاة في جلود الخز ]
قال: وتكره الصلاة في جلود الخز.
__________
(1) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/382، إلا أنه قال: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عبد الرحمن بن عمر، والدمشقي.
(2) ـ انظر الأحكام 1/131.
(3) ـ انظر المنتخب ص122.
(4) ـ في (ب) و(ج): وشدده.
(5) ـ المنتخب ص122.(15/6)
وقال في (الأحكام)(1): "وأكره الصلاة في الخز لأني لا أدري ما هو، وما(2) ذكاه دوابه، ولا(3) أمانة عماله، وأخاف أن يكونوا يجمعون فيه بين المذكى والميتة(4). وقال في (المنتخب)(5): "ولا أحب الصلاة في الخز لأني لا آمن أن يكون أصله ميتة".
فدل هذا الكلام على أن المراد(6) جلود الخز دون وبره؛ إذ قد نص هو، والقاسم عليهما السلام على طهارة شعر الميتة، وصوفها، ووبرها إذا غسل.
ووجه كراهته(7) ما ذكرنا من أنَّه لا يأمن أن يكون ميتة. وقد بينا فيما تقدم أن جلود الميتة لا تطهر بالدباغ.
فإن قيل: فيلزمكم هذا في كل جلد لم تعلموا فيه أنَّه بعينه مذكى، وهذا يوجب أن تكره الصلاة في جميع الجلود التي لم تعلموا حالها.
قيل له: هذا ليس بواجب؛ لأن الأغلب في الجلود التي يتبايعها المسلمون، وتكون في بلد الإسلام أنها جلود المذكى فيكون الحكم للغالب، وليس كذلك حال جلود الخز عنده؛ لأنَّه لم يتحقق أن أصلها يكون في بلد الإسلام، فلم يجد ما يرجح به طهارته كما وجد في سائر الجلود التي يكون أصلها في بلد الإسلام، فأما وبر الخز، فقد بينا مذهبه فيه، وإن كان وبر الميتة، وقد دللنا فيما مضى على طهارة صوف الميتة، وشعرها، ووبرها إذا غسل، فلا طائل في إعادته، على أن لبس الخز بين المسلمين ظاهر، وليس يبعد أن يقال فيه إنَّه إجماع، بل هو الظاهر من حاله.
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا علي، حدثنا فهد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، قال: سمعت أبي يذكر عن الشعبي، قال: كان على الحسين بن علي عليه السلام عمامة خز.
__________
(1) ـ الأحكام 1/131.
(2) ـ في (أ): ولا ما.
(3) ـ في (أ): ولا ما.
(4) ـ في (ب) و(ج): بين الميت والذكر.
(5) ـ المنتخب ص122.
(6) ـ في (ب) و(ج): المراد به.
(7) ـ في (أ) وهامش (ب): كراهة.(15/7)
وأخبرنا أبو بكر، حدثنا الطحاوي، حدثنا علي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن الحارث، قال: رأيت على الحسين عليه السلام مطرف خز.
وروى الطحاوي يرفعه إلى وهب بن كيسان، قال: رأيت سعد بن أبي وقاص، وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك يلبسون الخز.
وروي أن علي بن الحسين عليه السلام كان يلبس الخز في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه، وتصدق بثمنه، وقال: أكره أن آكل ثمن ثوب أعبد اللّه فيه.
مسألة [ في الصلاة في جلد الميتة ]
قال: ولا تجوز الصلاة في جلود الميتة. وإن دبغت، ولا جلود مالا يؤكل لحمه، على وجه من الوجوه، فأما شعر الميتة وصوفها، فلا بأس بالصلاة فيهما بعد الغسل والإنقاء.
وكل ذلك منصوص عليه في (الأحكام)(1)، وقد مضى القول فيه بأتم بيان في كتاب الطهارة، فلا وجه لإعادته.
مسألة [ وتجب طهارة مكان المصلي ولبسَه ]
قال: ويجب على كل مصلٍ أن يطهر ما يلبسه في الصلاة، ويصلي عليه من كل نجس.
وذلك منصوص عليه في (الأحكام)(2).
والدليل على ذلك قول اللّه سبحانه: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[المدثر:3]، فأوجب تطهير الثياب، ولا خلاف في أنَّه لا يجب تطهيرها على من لم يرد الصلاة فيها، فثبت أنَّه يجب للصلاة.
ويدل على ذلك قول اللّه تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ..} الآية[المائدة:90]، فأمر عزَّ وجل بتجنب(3) الرجس على كل وجه من جميع الأحوال لعموم اللفظ، فوجب على المصلي اجتنابه، ويدل على ذلك الأخبار التي ذكرناها في كتاب الطهارة، منها:
__________
(1) ـ انظر الأحكام 2/413 ـ 414.
(2) ـ انظر الأحكام 1/131.
(3) ـ في (أ): باجتناب.(15/8)