ووجه ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من نسي صلاته(1)، أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها ))، فلم يستثن فرضاً من نفل، ويمكن أن يقاس النفل على الفرض، بعلة الفوات، فوجب أن لا يكره قضاؤها في جميع الأوقات كما لا يكره قضاء الفرض؛ ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر بعد ما صلى العصر.
مسألة [ في الحائض تطهر والمغمى عليه يفيق قبل فوات الوقت ]
قال: وأيما امرأة طهرت، أو مغمى عليه أفاق قبل غروب الشمس بقدر خمس ركعات لزمهما الظهر والعصر، ولو كان ذلك قبل طلوع الفجر بقدر أربع ركعات، لزم المغرب والعشاء، وإن(2) كان قبل طلوع الشمس بقدر ركعة، لزم الفجر، وهكذا الصبي إذا بلغ(3) والكافر إذا أسلم، والمسافر إذا أقام.
قد نص القاسم عليه السلام في (مسائل النيروسي) على ما ذكرنا في المرأة تطهر في آخر الوقت في النهار، أو آخر الليل، أو قبيل طلوع الشمس.
وقال ـ أيضاً ـ في (مسائل النيروسي): أن المغمى عليه إن أفاق في آخر نهاره صلى صلاة نهاره، وإن أفاق في آخر ليلة صلى صلاة ليله، ونص في (الأحكام)(4) على ما ذكرناه في الحائض تطهر، والمغمى عليه يفيق آخر النهار بقدر ما يصلي خمس ركعات.
فأما الصبي إذا أدرك، والكافر إذا أسلم، والمسافر إذا أقام، فإن أصحابنا خرّجُوه على ما ذكرنا من النصوص.
وروى محمد بن منصور، عن زيد بن علي عليهم السلام، أنَّه قال: إذا رأت المرأة طهراً من حيضها نهاراً، فعليها صلاة يومها، وإذا رأته ليلاً، فعليها صلاة ليلتها.
__________
(1) ـ في (ب) و(ج): صلاة.
(2) ـ في (ب) و(ج): ولو.
(3) ـ في (ب) و(ج): أدرك.
(4) ـ انظر الأحكام 1/90.(13/17)


والوجه فيه ما ثبت من امتداد وقت صلاة الظهر والعصر إلى آخر النهار، وامتداد وقت صلاة المغرب والعشاء إلى آخر الليل وامتداد وقت صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وقد ذكرنا في ذلك ما كفى وأغنى، مع ما روي: "مَن(1) أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر، ومن أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الفجر". فقيس عليه من أدرك من العشاء الآخرة قبل أن يطلع الفجر ركعة، فقد أدركها، فوجب أن يكون من أدرك أربع ركعات قبل طلوع الفجر في وجوب المغرب والعشاء عليه كمن أدرك خمس ركعات قبل أن تغرب(2) الشمس في وجوب الظهر والعصر عليه.
__________
(1) ـ في (أ): روي أن من.
(2) ـ في (ب) و(ج): غروب.(13/18)


باب القول في التوجه وفي البقاع التي يصلى عليها وإليها
[ في التوجه للكعبة أو التحري لجهتها ]
يجب على كل مصلٍ أن يتوجه إلى الكعبة إن أمكنه ذلك، فإن لم يمكنه، تحرى جهتها، وصلى إليها.
قال في (المنتخب)(1): فالقليل(2) من الكعبة والكثير يجزئ إذا كانت نية المصلي إليها، وقال في قوله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، أي جانباً منه، أيّ ناحية كانت من نواحيها.
وقال(3) في راكب السفينة "يصلي على قدر ما يمكنه، غير أنَّه يتبع القبلة"(4)، فنبه على التحري.
وقال في (المنتخب)(5): من أخطأ القبلة، وصلى، ثُمَّ لم يعلم حتى خرج الوقت، لم يعدها؛ لأنَّه قد تحرى القبلة عند توجهه.
فدل ذلك على أنَّه يرى وجوب التحري، وهذا مما لاخلاف فيه بين الأمة، وقد قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة:144]، والشطر لا بد من أن يكون معلوماً، أو مظنوناً؛ لأن أحكام الشريعة كلها راجعة إلى العلم، أو غالب الظن، ومن المعلوم أن العلم يحصل بالمعاينة، وأن الظن يحصل بالتحري، أو ماقام مقامه، فثبت أنه لا بد من التحري مع الغيبة عن الكعبة.
ومعنى قولنا: يجب على كل مصلٍ أن يتوجه إلى الكعبة، أو يتحرى جهتها إذا لم يكن الحال حال العذر؛ لأن المتنفل على الراحلة، والمصلي على السفينة(6)، والخائف لهم أن يصلوا إلى غير القبلة، وسنبين ذلك بعد هذا، إنشاء الله.
مسألة [ في انكشاف خطأ المتحري في الوقت وبعده ]
قال: ولو أن رجلاً تحرى القبلة فأخطأ وصلى، ثُمَّ علم بخطئه بعد مضي الوقت، لم يعد تلك الصلاة، وإن علم وهو في الوقت أعادها.
__________
(1) ـ انظر المنتخب ص50.
(2) ـ في (ب) و(ج): والقليل.
(3) ـ انظر المنتخب ص37. وفي نسخة (ج): وقال في الأحكام: يصلي صاحب السفينة على..إلخ.
(4) ـ الأحكام 1/122.
(5) ـ انظر المنتخب ص37.
(6) ـ في (ب): في السفينة.(14/1)


وهذا منصوص عليه في (الأحكام) و(المنتخب)(1) جميعاً. وذكره القاسم عليه السلام في (مسائل النيروسي).
وهذا هو في من علم أنَّه صلى إلى الجهة التي يعلم على القطع أنها غير جهة القبلة؛ لأنَّه ذكره في (الأحكام)(2)، فقال: إذا صلى إلى غير القبلة وهو لا يعلم، ثُمَّ علم وكان وقت تلك الصلاة باقياً أعادها، وإن خرج وقتها فلا إعادة عليه(3).
وقال في (المنتخب)(4): "إن كان علم أنَّه صلى إلى غير القبلة، وهو في وقت من الصلاة أعادها".
وقال القاسم عليه السلام: فيمن صلى في يوم غيم إلى غير القبلة وهو لا يعلم، ثُمَّ علم، أعادها ماكان في وقتها. فحقق أن يكون المصلي يعلم أنَّه صلى إلى غير القبلة.
والدليل على أن الإعادة تلزمه قول الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَاكُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة:144]، فإذا علم أنَّه صلى إلى غير جهة القبلة(5) التي يغلب في الظن أنها جهة(6) شطر الكعبة، وجب إعادتها، و ـ أيضاً ـ فقد علمنا أن الصلاة إلى غير القبلة باطلة كصلاة الجنب، ولا خلاف أن من صلى جنباً ـ وهو ناسٍ ـ أن عليه الإعادة، فكذلك من صلى إلى غير القبلة؛ ولأن سبيله سبيل من حكم ثُمَّ علم أنَّه أخطأ النص في أن عليه أن ينقض الحكم، ولا يعتد به.
فإن قيل: إن القبلة أصلها التحري لمن كان غائباً عن الكعبة، فيجب أن يكون سبيل [من أخطأها سبيل](7) من لاح له اجتهادٌ خلاف الإجتهاد الأول، في أنَّه لا يجب أن يعيد ما فعله أولاً باجتهاده، ولا ينقضه إن كان حكماً.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/199، 120. والمنتخب ص37.
(2) ـ انظر الأحكام 1/119.
(3) ـ في (ج): فلا يجب عليه إعادتها.
(4) ـ المنتخب ص37.
(5) ـ في (أ): غير الجهة.
(6) ـ في (أ): أنها غير جهة.
(7) ـ سقط ما بين المعكوفين من (ب) و(ج).(14/2)


قيل له: إن القبلة وإن كان أصلها التحري، ففي الجهات ما يعلم على القطع أنَّه غير جهة القبلة، فإذا صلى إليها، ثُمَّ علم، كان سبيله سبيل من يعلم أن اجتهاده الأول وقع مخالفاً للنص في أنَّه يجب أن يعيده، ولا يعتد به، وينقضه إن كان حكماً، يبين ما ذكرناه من أن في الجهات ما يعلم قطعاً أنَّه غير جهة الكعبة، وأن في الجهات ما لا يجوز للمجتهد أن يصلي إليها، ويقطع على أنَّه مخطئ متى صلى إليها، وأن صلاته باطلة، على أنَّه لا خلاف أن الأسير إذا تحرى شهر رمضان، فأدَّاه ذلك إلى صيام شعبان، ثُمَّ علم به في شهر رمضان، أن عليه الإعادة، واختلفوا إن علم بعد شهر رمضان فأحد قولي الشافعي، أنَّه لا يعيد، حكاه ابن أبي هريرة في (التعليق)، وكذلك ذكر فيمن أخطأ عرفة، فوقف يوم التروية ثُمَّ علم به يوم عرفة، فعليه إعادة الوقوف، وإن لم يعلم به إلاَّ بعد مضي عرفة لم يلزمه إعادة الوقوف، وذكر أنَّه قول واحد، وهذا يمكن أن يجعل أصلاً، ويقاس عليه الخطأ في القبلة، بأن يقال: بأنَّه أخطأ فيما طريقه الإجتهاد في عبادة مؤقتة، فعليه إعادتها في الوقت، ولا إعادة عليه بعد الوقت.
فإن قيل: فإن سائر ما قد مضى الإستدلال به يوجب الإعادة قبل الوقت وبعده، فقد قلتم: إنَّه لا يعيد بعد الوقت.
قيل له: الإستدلال يوجب ذلك، إلاَّ أنا اتبعنا الأثر فيه، فقلنا: لا إعادة عليه، إذا علم به بعد الوقت؛ لِما روى جابر، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية كنا فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة ـ هاهنا قبل الشمال ـ وخطوا خطوطاً.
وقال بعضهم: القبلة هاهنا قبل الجنوب وخطوا، فلما أصبحنا، وطلعت الشمس، أصبحت الخطوط إلى غير القبلة، فسألنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عما فعلنا، فأنزل الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُولُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله}.(14/3)

52 / 138
ع
En
A+
A-