ما أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا محمد بن الحسين بن اليمان، حدثنا محمد بن شجاع، حدثنا أبو نعيم، عن موسى بن علي، قال: سمعت أبي، قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني، قال: ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين ضيفت الشمس للغروب حتى تغرب.
والذي يدل على أن هذا الخبر خاص فيما عدا المكتوبات:
ما أخبرنا به أبو الحسين(1)، حدثنا ابن اليمان، حدثنا ابن شجاع، حدثنا سعيد بن عامر، ويزيد بن هارون، قالا: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من نسي صلاة، أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها ))، فاقتضى عموم هذا القول جواز فعل الفوائت في كل وقت يُذكرن فيه، فبان أنها تقضي في هذه الأوقات الثلاثة، وأن النهي خاص فيما عدا ما ذكرناه.
فإن قيل: ليس خبركم بأن يكون مخصِّصاً لخبر النهي بأولى من أن يكون خبر النهي مخصصاً لخبركم؛ لأنَّ كل واحد منهما عام من وجه، وخاص من وجه.
__________
(1) ـ في (ج): أبو الحسين بن إسماعيل.(13/12)


قيل له: إن كان الأمر على ما ذكرتم، فإن الخبرين قد تعارضا في الوجه الذي اختلفنا فيه؛ لأن عموم النهي يحظر قضاء الفوائت في هذه الأوقات، وعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( فليصلها إذا ذكرها )) يوجب قضائها فيها، فإذا(1) ثبت ما بينا من التعارض في الخبرين من الوجه الذي ذكرناه، لم يستقر النهي من قضاء الفوائت فيها، وإذا لم يستقر النهي لم يكن فرق بين هذه الأوقات الثلاثة، وبين سائر الأوقات في وجوب قضاء الفوائت فيها، على أن ما قدمنا ذكره من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغروب الشمس، فقد أدرك العصر، ومن أدرك ركعة قبل طلوع الشمس من الفجر، فقد أدرك الفجر ))، نصٌ فيما نذهب إليه، وقد ذكرنا إسناده فيما تقدم. يؤيد ذلك:
ما أخبرنا به أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا علي بن معبد، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس(2)، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( من أدرك من صلاة الغداة ركعة قبل أن تطلع الشمس فليُصلَّ إليها ركعة ))(3).
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا بن مرزوق، قال: حدثنا أبو عامر العَقدي، حدثنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي زكريا، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (( من أدرك من صلاة العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس، فقد تمت صلاته ))(4)، فكل ذلك نص صريح في إجازة فعل المكتوبة في هذين الوقتين.
__________
(1) ـ في (ب) و(ج): وإذا.
(2) ـ في (أ): جلاس.
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/299، وفيه: فليصل إليها أخرى.
(4) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/399، وفيه: يحيى بن كثير، بدلاً عن: يحيى بن أبي زكريا.(13/13)


فإن قيل: خبر النهي أولى في الوجه الذي اختلفنا فيه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( فليصلها إذا ذكرها ))؛ لأن خبر النهي وارد في وجه بيان الوقت وتفصيله، وخبركم وارد في بيان لزوم القضاء في الفوائت.
قيل له(1): خبرنا وإن كان وارداً في لزوم القضاء في الفوائت فإنه يتضمن الوقت؛ لأن قوله: إذا ذكرها يوجب أن وقت ذكره لها هو وقت أدائها.
فإن قيل: فإن خبر النهي خاص، وخبركم عام، وأنتم ترون بناء العام على الخاص.
قيل له: قد مضى(2) فيما تقدم أن كل واحد من الخبرين عام في وجه، خاص في وجه، فلا يلزم فيهما ما ذكرتم.
فإن قيل: فإن خبرنا حاظر، وخبركم مبيح، وذلك أن خبرنا يحظر الصلاة في هذه الأوقات، وخبركم يبيحها؛ لأن مَنْ مذهبه قضاء الفوائت فيها يرى أنَّه يجوز تقديم نوافلها عليها، فالخبر على هذا مبيح لها عندهم؛ إذ جائز عندهم أن تفعل، وجائز أن تؤخر.
قيل له: ليس الأمر على ما قدرت، وذلك أنَّه وإن جاز تقديم النافلة عليها في ذلك الوقت، فلا يدل ذلك على أن تلك الصلاة غير واجبة فيها؛ لأن الواجب على ضربين: واجب مضيق، وواجب موسع، فأكثر ما في هذا أنَّه واجب موسع، وذلك لا يقتضي الإباحة، ألا ترى أنا نوجب الصلاة في أول وقتها، ومع هذا فيجوز تأخيرها عن أول وقتها، وإذا كان هذا هكذا، لم يكن خبرنا مبيحاً، بل يكون موجباً، ولا يمكن تقديم الحاظر عليه؛ لأن الحظر والإيجاب يتقابلان، وليسا كالحظر والإباحة.
__________
(1) ـ في (ج): قيل ليس الأمر على ما ذكرت، وذلك أن قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: "فليصلها إذا ذكرها"، وإن كان يتضمن لزوم قضاء الفائت فإنه يتضمن الوقت.
(2) ـ في (أ): قد نص.(13/14)


فإن استدلوا بما روي عن(1) النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا نام ـ هو ـ وأصحابه عن صلاة الفجر في الوادي، فاستيقظ وقد طلعت الشمس، أمر بالرحيل حتى لما ارتفعت الشمس، نزل وصلى، وفي بعض الروايات لما خرج من الوادي، انتظر حتى استقلت الشمس، وفي بعضها: فقعدوا هنيهة، ثُمَّ صلوا.
قيل لهم: هذه الأخبار في هذا الباب وردت مختلفة، واحتمل فيها التعارض، فحديث أبي قتادة ليس فيه ذكر الارتحال، بل فيه ما يدل على أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ارتحل.
أخبرنا أبو الحسين علي بن إسماعيل، حدثنا محمد بن الحسين بن اليمان، حدثنا محمد بن شجاع، حدثنا المعلى بن منصور، عن هشام(2)، قال: أخبرنا حصين، أخبرنا عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه أبي قتادة، قال: فاستيقظنا وقد طلعت الشمس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فانتشروا لحاجتهم، وتوضئوا [وارتفعت الشمس فصلى بهم الفجر، فهذا الخبر ليس فيه إلا أنهم انتشروا وتوضئوا](3)، فصلوا فصادف فعل الصلاة إرتفاع الشمس، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ارتحل، ولا أنَّه قصد تأخيرها إلى ارتفاع الشمس، فالكلام في هذا من وجهين:
أحدهما: أن التعارض قد وقع في كيفية فعله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يمكن التعويل عليه.
والثاني: أن التأخير يمكن أن يكون وقع للتوضؤ، ولأن يجتمع الناس، فصادف ذلك ارتفاع الشمس.
وأما الارتحال فإن صح، فيجوز أن يكون؛ لأن الموضع كان فيه شيطان على ما ورد به الخبر، فكره صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة في الموضع، لا في الوقت.
__________
(1) ـ في (ج): أن.
(2) ـ في (ج): هشيم.
(3) ـ سقط ما بين المعكوفين من (أ) و(ب).(13/15)


أخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، عن أبي بكرة، حدثنا أبو داود، حدثنا عباد بن ميسرة المقرئ، قال: سمعت أبا رجا العطاردي، حدثنا عمران بن الحصين، قال: أسرى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعرسنا معه، فلم نستيقظ إلاَّ بحر الشمس، فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله، والله(1) ذهبت صلاتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لم تذهب صلاتكم، ارتحلوا من هذا المكان )) فارتحل قريباً، فنزل وصلى(2).
فدل هذا الخبر على أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كره المكان، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ارتحلوا من هذا المكان )).
فإن قيل: ففي بعض الأخبار أنهم لما نزلوا، قعدوا هنيهة، ثُمَّ صلوا، فدل ذلك على أنهم طلبوا الوقت.
قيل له: لا يمتنع أن يكون قعودهم كان ليتلاحقوا، وليفرغ الكل من الوضوء، فيلحقوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على أن أبا حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أنَّه يجوز أن يؤدي الرجل عند غروب الشمس عصر يومه، فيمكن أن يقاس عليها سائر الفوائت، على أنَّه لا خلاف بيننا وبينهم في أن الفوائت تقضي بعد العصر، وبعد الفجر.
وإن كان النهي عن الصلاة في هذين الوقتين وارداً، فيجب أن تكون الأوقات الثلاثة كذلك في أن النهي عن الصلاة فيها يرجع إلى التطوع.
فصل [ في قضاء صلاة الليل ]
قال في (المنتخب)(3) ـ فيمن فاتته صلاة الليل حتى يطلع الفجر ـ: فقضاؤها بعد طلوع الفجر، وقد كرهه غيرنا، ولسنا نكرهه، وهو جائز.
فدل ذلك على أنَّه يجري النوافل مجرى الفرائض؛ لأن فواتها لا يكره قضاؤه في وقت من الأوقات.
__________
(1) ـ سقط من (ب) و(ج).
(2) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/400.
(3) ـ انظر المنتخب ص56.(13/16)

51 / 138
ع
En
A+
A-