وأخبرنا المقري، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا عمر بن خالد، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهر بالقراءة في كسوف الشمس(1).
فلما روي أنه خافت مرة، وجهر مرة أخرى، قلنا: إن المصلي بالخيار، إن شاء خافت، وأن شاء جهر.
فصل [في تكرير الفلق]
واستحب(2) يحيى عليه السلام أن يكرر قراءة (( قل أعوذ برب الفلق )) في صلاة الكسوف.
ووجهه ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعوذ(3) بها الحسن والحسين عليهما السلام، فلما كانت حالة صلاة الكسوف حال الاستعاذة، استحب يحيى عليه السلام تكرير قراءة سورة الفلق فيها.
على أن محمد بن سليمان حكى أن يحيى عليه السلام صلى بهم صلاة الكسوف، فأطال، قال فسألته عما قرأ، فقال: قرأت الكهف، وكهيعص، والطواسين، وطه، فدل هذا على أن الاختيار هو لمن لم يحفظ السور الطوال.
مسألة [في صفة الاستسقاء]
قال: والاستسقاء أن يخرج المسلمون الذين(4) في البلد الذين أصابهم الجدب إلى ساحة بلدهم، فيجتمعون، ثم يتقدم إمامهم، فيصلي بهم أربع ركعات، يفصل بينهما بتسليمة، ثم يستغفر الله، ويستغفره المسلمون، ويجأرون بالدعاء ومسألة الرحمة، ويُحْدثون التوبة /235/ لله، ويسألون قبولها.
وهذا كله منصوص عليه في (الأحكام)(5) فقط.
قلنا: إنه يخرج إلى ساحة البلد لما أخبرنا به أبو بكر المقري، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا ابن وهب، أن مالكاً حدثه، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى، فقلب رداءه(6).
__________
(1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/333، إلا أنه قال: عمرو بن خالد.
(2) في (أ): واستحسن.
(3) في (ب): تعوذ.
(4) في (أ): الذي.
(5) انظر الأحكام 1/138،139.
(6) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/323.(12/4)


ووجه قولنا: إنه يصلي أربع ركعات، أنَّه قد روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استسقى يوم الجمعة، وهو يخطب للجمعة، وصلاة الجمعة أربع حكماً؛ لأن الخطبتين بمنزلة الركعتين، فلما اقتصر صلى الله عليه وآله وسلم في استسقائه على صلاة الجمعة التي هي أربع حكماً، قلنا : إنَّه يصلى أربع ركعات إذا استسقى في غيره من الأيام، قياساً على الظهر إذا صلاها في سائر الأيام.
ووجه آخر وهو: أن صلاة الاستسقاء ليست مسنونة، لا يزاد عليها، ولا ينقص منها؛ بدلالة ما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقتصر في الاستسقاء على صلاة يوم الجمعة.
وروي أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم صلى ركعتين أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا(1) محمد بن شجاع، حدثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة، عن أبيه، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج يستسقي متواضعاً متضرعاً متبذلاً، لم يخطب خطبتكم هذه، بل دعا، وصلى ركعتين، وعبد الله بن زيد حين ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى، لم يذكر الصلاة.
وأخبرنا أبو العباس الحسني رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا علي بن الحسن البجلي، قال: حدثنا محمد بن شجاع، قال:حدثنا أبو عوانة، عن مطرف، قال: أخبرني من أدرك عليّاً عليه السلام أنَّه خرج يستسقي، فرجع ولم يصل.
وأخبرنا أبو العباس، قال: أخبرنا(2) محمد بن الحسين بن علي الحسيني، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا زيد بن الحسين، عن أبي بكر بن أبي أويس، عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام أنَّه كان يقول: إذا استسقيتم، فاحمدوا الله، واثنوا عليه بما هو أهله، وأكثروا من الاستغفار، فإنه الاستسقاء. ولم يذكر الصلاة.
__________
(1) سقط من (أ): حدثنا.
(2) في (أ): حدثنا.(12/5)


فدلت هذه الأخبار على أن الصلاة غير مسنونة فيه، فإذا لم تكن مسنونة، جرت مجرى سائر التطوع الذي يكون للاجتهاد فيه مساغ، فاخترنا أن يكون أزيد من أقل ما يتطوع به، وذلك يكون أربعاً(1).
ووجه آخر، وهو أنا وجدنا كل صلاة نفل يسن فيها الاجتماع خصت بأمر زائد، كصلاة العيدين، وصلاة الكسوف، فلما لم تكن زيادة تختص بها غير ما ذهبنا إليه من أنها أربع، قلنا به.
وقلنا: إنَّه يفصل بينهما بتسليمة لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى )).
وقلنا: إنَّه يستغفر الله، ويستغفره المسلمون؛ لقول الله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً}[المعارج:10ـ11]، وقال تعالى:{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلِيْهِ}، فوعد الله تعالى إدرار السماء بشرط الاستغفار والتوبة، ولقول علي عليه السلام في الاستسقاء: "وأكثروا من الاستغفار، فإنه الاستسقاء".
مسألة [ويقلب الإمام رداءه ثم ينصرف]
قال: ثم يقلب الإمام شق ردائه الذي على منكبه الأيمن فيجعله على منكبه الأيسر، والذي على منكبه الأيسر يجعله على منكبه الأيمن/231/، ثم ينصرف، وينصرف الناس معه.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(2).
قلنا ذلك؛ لما أخبرنا به أبو بكر المقري، قال: حدثنا الطحاوي، عن محمد بن خزيمة، قال: حدثنا عبد الله بن رجاء، قال: حدثنا المسعودي، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عباد بن تميم، عن عمه، قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فاستسقى، فقلب رداءه، قال: فقلت جعل الأعلى الأسفل، والأسفل الأعلى؟ قال: لا، بل جعل الأيسر على الأيمن، والأيمن على الأيسر(3).
__________
(1) في (أ) و(ب): أربع ركعات، وهن أقل ما يتطوع به.
(2) انظر الأحكام 1/139.
(3) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/323 ـ 324.(12/6)


وفي حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى، فقلب رداءه.
وهذا الحديث يدل على أن قلب الرداء كان بعد الاستسقاء، كما ذهب إليه يحيى عليه السلام؛ لأنَّه قال: فاستسقى، فقلب رداءه، والفاء توجب التعقيب، فاقتضى أن قلب الرداء عقيب الاستسقاء.
مسألة [وهل يشترط فيها الإمام؟]
قال: وإن لم يكن إمام ظاهر للاستسقاء يفعل إمام مسجدهم كذلك إذا أجدب بلدهم.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(1).
ووجهه أنَّه لا خلاف في أن الإمام ليس بشرط في الاستسقاء، فشابه سائر الصلوات، والعبادات، وأنها تقام بغير إمام، وتقام بإمام المسجد .
__________
(1) انظر المنتخب ص62.(12/7)


مسألة [ في نوافل الفرائض ]
وأقل(1) ما يتنفل به: ركعتان بعد الظهر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان قبل صلاة الفجر، يصليهما بعد طلوع الفجر، والوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، يقنت في الركعة الثالثة بعد الركوع.
ما ذكرناه من تحديد أقل ما يتنفل به، وأن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، وأن القنوت بعد الركوع منصوص عليه في (المنتخب)(2)، وقد نص ـ أيضاً ـ في (الأحكام)(3) على أن القنوت بعد الركوع(4). ونص القاسم عليه السلام في (مسائل النيروسي) على أن ركعتي الفجر تصليان بعد طلوع الفجر.
والوجه لتحديد أقل ما يتنفل به بما حده يحيى عليه السلام أنَّه(5) أقل ما قيل، وأن في كل واحد مما ذكر ورد ضرباً من التأكيد، فنحن نبين ذلك.
فأما الركعتان بعد الظهر فقد ورد فيهما:
ما أخبرنا به أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا عبد الله بن خشيش(6) البصري، حدثنا أبو الوليد، حدثنا حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن ذكوان، عن عائشة، عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في بيتي ركعتين بعد العصر، فقلت: ما هاتان الركعتان؟ فقال: (( كنت أصليهما بعد الظهر، فجاءني مال فشغلني، فصليتهما الآن ))(7).
فقد روي هذا الخبر عن أم سلمة من طرق شتى، وبألفاظ مختلفة، كلها ترجع إلى هذا المعنى، فلما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضاهما حين فاتتا، ثبت التأكيد فيهما.
__________
(1) ـ في (ب): قال: وأقل.
(2) ـ انظر المنتخب ص49.
(3) ـ انظر الأحكام 1/107.
(4) ـ سقط ما بين المعكوفين من (أ) و(ب).
(5) ـ في (أ): أنه قال.
(6) ـ في (أ): حبيش.
(7) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/302، وفيه: عبد الله بن محمد بن خشيش.(13/1)

48 / 138
ع
En
A+
A-