قيل له: ليس الأمر كذلك، بل لتلك الساعة في هذا الباب مزية، فإنه إذا أمكنه أن يصلي الوتر قبل صلاة الفجر، كان المستحب أن لا يؤخره، وليس كذلك سائر الأوقات، ويجوز أن يقال: إنَّه وقت للمضطر ـ أعني: ما بين طلوع الفجر إلى أن يصلي الفجر ـ.
والذي يبين أن تأخيره إلى آخر الليل أفضل: قول الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}[الإسراء:79]، والتهجد لا يكون إلاَّ بعد القيام من النوم، فلما ندب الله تعالى إلى ذلك، علم أنَّه أفضل.
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا صالح بن عبد الرحمن، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشم، أخبرنا أبو حمزة، حدثنا الحسن، عن سعد بن هشام(1)، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام من الليل، افتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ثُمَّ صلى ثماني ركعات، ثُمَّ أوتر(2).
ففي هذا الخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوتر إذا قام من الليل بعد صلاة الليل، ومن المعلوم أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لا يعدل عن الأفضل.
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا ربيع المؤذن، حدثنا أسباط، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي عليه السلام، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوتر في أول الليل وفي وسطه وفي آخره، ثُمَّ ثبت له الوتر في آخره.
__________
(1) ـ في (أ): هشيم.
(2) ـ أخرطه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/510، وفيه: أبو مرة بدلاً عن أبي حمزة.(11/21)


ففي هذا الخبر تصريح بأن أول الليل إلى آخره، وقت للوتر، وقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ثُمَّ ثبت له الوتر في آخره"، دليل على أن آخر الليل أفضل، وليس لأحد أن يحمل قوله عليه السلام: "ثُمَّ ثبت له الوتر في آخره" على النسخ لما فعل أولاً من الإيتار في أول الليل؛ لأنَّه ليس فيه النهي عن ذلك، سيما وأمير المؤمنين عليه السلام قد قال في الخبر الذي رويناه: "إن وقته بين العشاء إلى طلوع الفجر".
ولما أخبرنا به أبو الحسين البروجردي، حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الدينوري، حدثنا سعيد بن سيف، حدثنا القاسم بن حكم، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، عن أبي عبد الله الجدلي، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوتر أحياناً أول الليل، وأحياناً وسطه، وأحياناً آخره؛ ليكون سعة للمسلمين أيما أخذوا به، كان صواباً.
مسألة [ في الصلاة قبل الوقت ]
قال: وأيما رجل ابتدأ بصلاة مفروضة قبل دخول وقتها، عالماً بذلك أو جاهلاً، ثُمَّ علم به، فعليه الإعادة لها، سواء علمها في الوقت أو بعد تصرمه.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب)(1)، ولا خلاف فيه بين المسلمين، والوفاق أؤكد الدلالة.
__________
(1) ـ انظر المنتخب ص37.(11/22)


باب القول في صلاة الكسوف والاستسقاء
[مسألة: في صفة صلاة الكسوف]
صلاة الكسوف عشر ركعات في أربع سجدات، يقوم الإمام، ويصطف المسلمون وراءه، فيكبر، ثم يقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر، ثم يركع، ثم يرفع رأسه، ثم يقرأ، ثم يركع، ثم يرفع رأسه، ثم يقرأ حتى يفعل ذلك خمس مرات، ثم إذا رفع رأسه من الركوع الخامس، كبر، وسجد سجدتين، ثم يقوم، ويفعل كما فعل أولاً، ثم يتشهد، ويسلم.
ويستحب أن يثبت مكانه، ويكثر من الاستغفار والتهليل، ويدعو بما حضره لنفسه وللمسلمين، ويجهر بالقراءة، وإن شاء، خافت بها.
وذلك [كله](1) منصوص عليه في (الأحكام) و(المنتخب)(2).
ووجه(3) عدد الركعات ما ذكره أبو دواد في (السنن)، قال: حدثت عن عمر بن سفيان، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلى بالناس، فقرأ في الركعة الأولى بسورة(4) من الطوال، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية، فقرأ سورة من الطوال، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو، مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) انظر الأحكام 1/137 ـ 138، إلا أنه تخير في القراءة الإخلاص والفلق سبعاً. ولم يذكر فيه التخيير بين الجهر والمخافتة في الصلاة وإنما ذكر الجهر بادعاء فقال: ولا يجهد بذلك جهراً شديداً.
وانظر المنتخب ص60 ـ 61، وذكر فيه التخيير بين الجهر والمخافتة في الصلاة وفي الجهر بالدعاء، قال: ويجهر بذلك جهراً شديداً.
(3) في (ب): وجه.
(4) في (أ): سورة.(12/1)


وقد ثبت ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام؛ لما: رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، أنه كان إذا صلى بالناس صلاة الكسوف، بدأ فكبر، ثم قرأ الحمد وسورة من القرآن، يجهر بالقراءة ليلاً كان، أو نهاراً، ثم يركع نحواً مما قرأ، ثم يرفع رأسه، فيفعل في الثانية كما فعل في الأولى يكبر كلما رفع رأسه من الركوع الأربع، ويقول في الخامس: سمع الله لمن حمده، فإذا قام، لم يقرأ، ثم يكبر، فيسجد سجدتين، ثم يرفع رأسه، فيفعل في الثانية كما فعل في الأولى، يكبر كلما رفع رأسه من الركوع الأربعة، ويقول: سمع الله لمن حمده، في الخامس، ولا يقرأ بعد الركوع الخامس.
وهو رأي أهل البيت عليهم السلام، لا يختلفون فيه.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه صلى أربع ركعات، وأربع سجدات. وروي ست ركعات، فأربع سجدات. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه صلى ركعتين /229/ كسائر التطوع.
قيل له: قد روي ذلك، إلاَّ أنا اخترنا ما رواه أُبي، ولما(1) صح أن عليّاً عليه السلام اختاره؛ ولأنه أتم ما روي، فكان المصير إليه أولى، ويدل على(2) [أنَّه يجب أن يكون فيها ركعات زائدة، أنا وجدنا كل صلاة نفل سن فيها الاجتماع](3)، خصت بأمر زائد، كصلاة العيدين خصت(4) بالتكبيرات الزائدة، فوجب أن تختص صلاة الكسوف بأمر زائد، وليس فيها أمر زائد بالإجماع غير الركعات، فوجب أن تكون مختصة بها.
__________
(1) في (أ) لما.
(2) في (أ) و(ب): على أنها.
(3) سقط ما بين المعكوفين من (أ) و(ب).
(4) في (أ): خصتا.(12/2)


وقلنا أنه يثبت مكانه، ويكثر من الاستغفار والدعاء؛ لما: أخبرنا به أبو بكر المقري، قال: حدثنا الطحاوي، عن ابن مرزوق، قال: حدثنا أبو الوليد، عن زائدة، عن زياد بن علاقة، قال: سمعت المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم عليه السلام، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فصلوا وادعوا حتى تنجلي ))(1).
وأخبرنا أبو بكر(2)، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا فهد، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: كسفت الشمس في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقام فزعاً، فخشي أن تكون الساعة قد قامت، حتى أتى المسجد، فقام فصلى أطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قط، قال: ثم قال: (( إن هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يرسلها الله يخوف بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً منها فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره ))(3).
وفي حديث أُبي أنَّه جلس صلى الله عليه وآله وسلم كما هو(4) مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها.
وقلنا: إن شاء جهر بالقراءة، وإن شاء خافت بها لما أخبرنا به أبو بكر المقري، قال: حدثنا الطحاوي، عن حسين بن نصر، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا زهير بن معاوية، عن الأسود بن قيس، عن ثعلبة بن عبادة، عن سمرة بن جندب، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الكسوف، ولم نسمع له صوتاً(5).
__________
(1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/330، وفيه حتى ينكشف.
(2) في (أ): أبو بكر المقرئ.
(3) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/331 ـ 332، وفيه خسفت.
(4) في (أ): وهو.
(5) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/333، إلا أنه قال: ثعلبة بن عباد.(12/3)

47 / 138
ع
En
A+
A-