وهذا منصوص عليه في (الأحكام) و(المنتخب)(1)، وهذا الذي ذكرناه قد اختلف فيه في خمسة مواضع منه.
[1] ذهب بعض الناس إلى أن التكبير في أول الأذان أربع مرات، ومذهب يحيى عليه السلام أنَّه مرتان.
[2] وذهب بعض الفقهاء إلى الترجيع في الشهادتين، ولم ير ذلك عليه السلام، ولا أحد من أهل البيت عليهم السلام.
[3] ومذهب يحيى عليه السلام وعامة أهل البيت عليهم السلام التأذين بحي على خير العمل، وخالفهم على ذلك سائر الفقهاء، ولم يروا التأذين به.
[4] وذهب أكثرهم إلى التأذين بالصلاة خير من النوم، ولم يرَ يحيى عليه السلام ولا عامة أهل البيت عليهم السلام ذلك.
[5] وذهب يحيى عليه السلام إلى أن التهليل في آخر الأذان مرة واحدة، ومذهب الناصر عليه السلام، والأمامية أنه مرتان.
[التثنية في التكبير والترجيع في الشهادتين]
فالذي يدل على أن التكبير في أول الأذان مرتان:
ما أخبرنا به أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا أبو بكرة، حدثنا أبو عاصم، حدثني ابن جريج، أخبرني عثمان بن السائب، أخبرني أبي، عن عبد الملك ابن أبي محذورة، عن أبي محذورة، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأذان كما أُأَذِّن الآن، الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن لا إله إلاَّ الله. أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح حي على الفلاح. حي على خير العمل، حي على خير العمل. الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلاَّ الله(2).
__________
(1) ـ الأحكام 1/84. والمنتخب ص30.
(2) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/130، إلا أن فيه: أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة، وفيه: كما تؤذنون الآن.(10/6)


وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا أحمد بن داود(1) بن موسى، حدثنا يعقوب بن حميد بن محاسب، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر(2)، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن بلال أنَّه كان يثني الأذان، ويثني الإقامة(3).
والأخبار بهذا اللفظ، وما يرجع إلى معناه كثير، والخبر الأول ـ خبر أبي محذورة ـ قد صرح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علَّمه الأذان، فقال: الله أكبر مرتين، والخبر الثاني قد اقتضى ذلك، عمومه(4) بأنه قد كان يثني الأذان.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا هشام، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن المهيع(5) بن قيس، أن علياً عليه السلام، كان يقول: (أنَّ الأذان مثنى مثنى، والإقامة).
وأخبرنا أبو العباس الحسني، أخبرنا أبو زرعة أحمد بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا زكريا بن يحيى الواسطي، حدثنا زياد بن عبد الله الطائي، عن إدريس بن يزيد(6) الأودي، عن عون(7) بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: أذن بلالٌ ـ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ـ، مرتين، وأقام كذلك.
فإن قيل: فقد روي أن التكبير في أول الأذان أربع مرات، وقد ذكر أبو محذورة في أذانه الذي علمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الترجيع.
قيل له: يحتمل الترجيع، وتكرير التكبيرتين أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك على سبيل التعليم، أو قال ذلك بأنه لم يكن مد صوته، ألا ترى إلى ما روي أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم، قال له: (( ارجع فيه، ومد صوتك ))، فإذا احتمل ذلك، وكان قد روي ما تقدم ذكره، لم يجب أن يجعل تكرير التكبيرتين، وترجيع الشهادتين من أصل الأذان، فصح ما نذهب إليه في هذا الباب.
__________
(1) ـ في (أ): ابن أبي داود.
(2) ـ في (ب): ابن معمر.
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/134.
(4) ـ في (أ): وعمومه
(5) ـ في (ب) و(ج): الهجنع.
(6) ـ في (ب) و(ج): زيد.
(7) ـ في (أ): عوف.(10/7)


على أن القياس يصحح ما نذهب إليه؛ لأنَّه لا خلاف في غيرها من كلمات الأذان، أنها لا تكرر أكثر من مرتين على الولاء، والإقامة أيضاً تشهد لنا بصحة ما ذكرناه.
وقد قاس المخالف لنا التكبير على التهليل، فقال: لما ذكر التهليل في موضعين من الأذان، وجب أن يكون في الموضع الأول ضعف ما في الموضع الثاني، وكذلك التكبير؛ لأنَّه ذكر في موضعين من الأذان، إلاَّ أن قياسنا أولى؛ لِما ذكرناه من الأخبار؛ ولأنَّ أكثر كلمات الأذان أصلٌ لما ذكرناه.
ويمكن أن يقاس التكبير المبتدأ به على التكبير الذي في آخر الأذان.
وروي عن عمار بن سعد، عن أبيه سعد القرظي أنَّه سمعه يقول: إن هذا الأذان أذان بلال الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإقامته، وهو: الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد إلاَّ إله إلاَّ الله. أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله. [حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح، حي على الفلاح. حي على خير العمل، حي على خير العمل](1) إلى آخره، وكل ذلك يؤكد ما نذهب إليه.
والأذان المروي عن سائر مؤذني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير ترجيع، يصحح ما نذهب إليه من ترك الترجيع، ويبين أن التأويل فيما روي من الترجيع ما ذهبنا إليه.
[التأذين بحي على خير العمل]
وأما التأذين بحي على خير العمل، فالدليل على صحته:
ما أخبرنا به أبو العباس الحسني، أخبرنا علي بن الحسين الظاهري، حدثنا محمد بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا عبَّاد بن يعقوب، أخبرنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، حدثني أبي عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: (( إن(2) خير أعمالكم الصلاة ))، وأمر بلالاً أن يؤذن بحي على خير العمل.
__________
(1) ـ ما بين المعكوفين زيادة في (أ).
(2) ـ في هامش (أ): اعلم أن.(10/8)


وروى أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حاتم، بن إسماعيل، عن جعفر(1)، عن أبيه، ومسلم بن أبي مريم، أن علياً بن الحسين عليه السلام كان يؤذن، فإذا بلغ حي على الفلاح قال: حي على خير العمل، ويقول هو الأذان الأول.
وليس يجوز لأحد أن يحمل قوله: هو الأذان الأول سوى(2) أذان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأخبرنا أبو العباس الحسني، أخبرنا محمد بن علي بن الحسن الصباغ، ويوسف بن محمد الكسائي، وأحمد بن سعيد بن عثمان الثقفي، قالوا: أخبرنا عمار بن رجاء، حدثنا أزهر بن سعد، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّه كان يقول في أذانه: حي على خير العمل.
وروى ابن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، حدثنا عبيد(3)، عن نافع، قال: كان ابن عمر ربما زاد في أذانه: حي على خير العمل.
[التأذين بالصلاة خير من النوم]
فأما التأذين بالصلاة خير من النوم، فالذي يدل على أنَّه ليس من الأذان:
ما رواه ابن أبي شيبة، حدثنا عبده بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن رجل يقال له: إسماعيل، قال: جاء المؤذن يُؤذن عمر بصلاة الفجر، فقال: الصلاة خير من النوم، فأُعجب عمر بها، وأمر المؤذن أن يجعلها في أذانه، فدل ذلك على أنها لم تكن في أذان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروي عن ابن جريج، قال: أخبرنا عمر بن حفص، أن جده سعد القرظي، أول من قال: الصلاة خير من النوم بخلافة عمر، ومتوفى أبي بكر، فقال عمر: بدعة.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن عمران بن أبي الجعد، عن الأسود بن يزيد، أنَّه سمع مؤذناً يقول في الفجر: الصلاة خير من النوم. فقال: لا تزيدنَّ في الأذان ما ليس منه.
__________
(1) ـ في (ب) و(ج): عن جعفر بن محمد.
(2) ـ في (ج): إلا أنه. في (ب): أنه، وظنن فوقها بـ إلا أنه.
(3) ـ في (ب) و(ج): عبيد الله.(10/9)


فإن قيل: روي عن أبي محذورة، قال: كنت غلاماً صيِّتاً فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( قل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم )).
قيل له: يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذلك لينبه الناس، لا لأنْ يجعله من الأذان، بدلالة ما روي عن عمر: إنها بدعة، وما رُوي أنَّه أُعجب بها حين سمعها.
فإن قيل: روي عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علَّمه في الأذان الأول من الصبح: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم.
قيل له: يجوز أن يكون معناه عند الأذان من الصبح ما قلناه بدلالة ما قدمناه، وبدلالة أن الأذان الذي ذكر أبو محذورة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علمه إياه، وليس فيه الصلاة خير من النوم، وقد ذكرناه بإسناده في صدر هذه المسألة.
ويدل على صحة ما نذهب إليه في هذا الباب أنَّه لا خلاف في أن أذان سائر الصلوات ليس فيه الصلاة خير من النوم، فيجب أن يكون أذان الصبح مقيساً على ما ذكرناه، ويبين ذلك أن سائر الكلمات تتفق في أنَّ ما يذكر في بعض الأذان، يذكر في سائره.
[تثنية التهليل في آخر الأذان]
وأما ما يبين أن التهليل في آخر الأذان مرة واحدة، فهو أنَّه المروي عن جميع مؤذني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يرو عن أحد منهم التثنية فيه.
وليس لأحد أن يتعلق بما روي من أن الأذان مثنى مثنى بتثنية التهليل في آخر الأذان، وذلك أنَّه مخصوص من جملة الأذان بما ذكرناه، على أن المخالف في هذا يقول: إن الإقامة مثنى مثنى، ومع هذا يقول: أن(1) آخرها مرة واحدة، فبان أن التهليل(2) مستثنى من ذلك.
مسألة [ في كلمات الإقامة ]
__________
(1) ـ في (ب) و(ج): أن التهليل.
(2) ـ في (ب): التهليل في الأخير.(10/10)

41 / 138
ع
En
A+
A-