ما أخبرنا به أبو العباس الحسني رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن محمد الروياني، والحسين بن أحمد البصري، قال علي: أخبرني، وقال الحسين: حدثني الحسين بن علي بن الحسين، حدثنا زيد بن الحسين، عن أبي بكر بن أبي أويس، عن ابن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، أنَّه(1) كان يقول في الذي يأتي امرأته وهي حائض:" و عاجز لا كفارة عليه، إلاَّ الاستغفار".
وأخبرنا أبو العباس الحسني، أخبرنا محمد بن بلال، حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن جميل، حدثنا إسماعيل بن صبيح، عن عمرو، عن ليث، عن مجاهد، قال: أقبل رجل حتى قام على رأس علي عليه السلام، فقال: إني أتيتها وهي على غير طهر، فما كفارته؟ فقال علي عليه السلام: "انطلق فوالله ما أنت بصبور، ولا قذور، فاستغفر اللّه من ذنبك، ولا تعد لمثلها، ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم".
فإن قيل: إن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أمر الواطئ في الحيض أن يتصدق بدينار، أو نصف دينار.
قيل له: قد روي يتصدق بدينار أو بنصف دينار. وروي: يتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار. وهذه التقديرات تتدافع فلا يجوز أن يكون طريقها، الوجوب بل يجب أن يكون طريقها الاستحباب.
وأما ما يدل عل أن للرجل أن يأتي امرأته وهي حائض فيما دون الفرج:
فما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يباشر نساءه وهن حِيَّض في إزار واحد )).
وما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (( افعلوا كل شيء بالحائض، ما خلا الجماع )).
وأما الاستحباب التي ذكرنا من استقبال القبلة في أوقات الصلاة والتطهر والتسبيح والتهليل إلى غير ذلك؛ فلأن جميع ذلك مندوب إليه، والحيض لم يمنع من ذلك، فوجب أن يكون على ما كان عليه، وليكون ـ أيضاً ـ فرقاً بين المسلمة والكافرة في أوقات العبادات.
__________
(1) ـ في (أ): أنه قال.(8/19)


باب القول في النفاس
أكثر النفاس أربعون يوماً، وأقله لا حد له، فإن زاد الدم على الأربعين، فهو استحاضة. وقد نص يحيى عليه السلام في (الأحكام)(1) على أن ما زاد على الأربعين من الدم فهو استحاضة، وهو صريح بأن(2) أكثر النفاس أربعون يوماً، ودل فيه على أن أقله لا حد له.
والذي يدل على ذلك:
ما أخبرنا به أبو العباس الحسني، أخبرنا عيسى بن محمد العلوي، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا عبَّاد بن يعقوب، عن المحاربي، عن سلام بن سليم، عن حميد الطويل، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( تقعد النفساء أربعين يوماً، إلاَّ أن ترى الطهر قبل ذلك )).
وأخبرنا أبو العباس الحسني، أخبرنا عبد الرزاق بن محمد، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن عقبة السدوسي، أخبرنا يونس بن أرقم الكندي، حدثنا محمد بن عبد الله، عن زيد بن علي، عن مسة الأزدية، قالت: قلت لأم سلمة: هل كنتن سألتن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عن النفساء، كم تجلس في نفاسها؟ قالت: نعم سألناه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( تجلس أربعين ليلة، إلاَّ أن ترى الطهر قبل ذلك )).
وأخبرنا أبو العباس الحسني، حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا شجاع بن الوليد السكوني، عن علي بن عبد الأعلى، عن أبي سهل، عن كثير بن زياد، عن مسة الأزدية، عن أم سلمة، قالت: كانت النفساء تجلس على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً، وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف.
فقد دلت هذه الأخبار على أكثر ما تجلس النفساء، وعلى أن الأقل غير محدود؛ إذ في الخبرين المتقدمين: (( إلا أن ترى الطهر قبل ذلك )) فأشار إلى رؤية الطهر من غير اعتبار الدم المتقدم عليه.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/75.
(2) ـ في (ب) و(ج): لأن.(9/1)


يوضح ما قلناه أن المقادير التي هذه سبيلها لا تؤخذ إلاَّ عن التوقيف، أوالإجماع، ولا توقيف فيما زاد على الأربعين، ولا إجماع فوجب سقوط القول به.
مسألة [ في حكم الدم إذا انقطع ثم عاد في الأربعين ]
قال: ولو أن امرأة نفست وطهرت، ثم عاودها الدم في الأربعين فهو نفاس، فإذا كان الذي تخلل بين الدمين طهراً صحيحاً، فالدم الثاني ليس بنفاس، وهو حيض، أو استحاضة، على ما تدل عليه العاقبة، فإن(1) لم يكن طهراً صحيحاً، كان الأربعون نفاساً.
قد نص في (المنتخب)(2) على أن معاودة الدم في الأربعين لا تخرج الطهر من أن يكون طهراً صحيحاً، ونص فيه(3) على أن الدم الثاني يكون حيضاً.
وقلنا: إنَّه يجوز أن يكون استحاضة تخريجاً؛ لأن مذهبه أن الدم في وقت الإمكان يجوز أن يكون حيضاً، ويجوز أن يكون استحاضة.
والذي يدل على أن الدم المعاود بعد طهر صحيح لا يكون نفاساً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( تقعد النفساء أربعين يوماً، إلاَّ أن ترى الطهر قبل ذلك ))، فاستثنى رؤية الطهر من النفاس، فوجب أن لا يحكم لها بالنفاس بعد الطهر.
فإن قيل: إن الدم المعاود في مدة أكثر الحيض يكون حيضاً، فكذلك الدم المعاود في مدة أكثر النفاس يجب أن يكون نفاساً؟
قيل له: إنما وجب في الدم المعاود في مدة أكثر الحيض أن يكون حيضاً، لتعذر حصول الطهر الصحيح فيها، ألا ترى أن أكثر الحيض عشر عندنا وهو عندنا أقل الطهر، وإذا كان ذلك كذلك لم يجب أن يكون سبيل النفاس في هذا سبيل الحيض فأما إذا عاود الدم في الأربعين بعد طهر يكون دون العشر، فيجب أن يكون نفاساً؛ لأن ذلك ليس بطهر شرعي؛ إذ قد ثبت أن أقل الطهر عشر.
__________
(1) ـ في (أ) و(ب): وإن.
(2) ـ انظر المنتخب ص29.
(3) ـ لم أجد في المنتخب نصاً بذلك.(9/2)


وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إلا أن ترى الطهر قبل ذلك )) محمول على الطهر الشرعي؛ لأن ألفاظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجب أن تحمل على ما يقتضيه الشرع، فإذا ثبت أن الَّتِي ترى النقاء دون العشر، لا تكون رأت الطهر، فيجب أن يكون حكمها حكم النفاس.
مسألة [ في المرأة إذا ولدت توأمين فنفاسها من مولد الأخير ]
ولو أن امرأة ولدت توأمين، كان النفاس من مولد الأخير منهما تخريجاً.
وكان أبو العباس الحسني رضي اللّه عنه يُخرِّج ذلك على مذهب يحيى عليه السلام؛ لأنَّه قال(1): لا يجتمع حبل وحيض، وقال في موضع آخر من (الأحكام): "الحيض والنفاس واحد في المعنى"(2).
واستدل على ذلك بما أخبرنا به أبو العباس الحسني، أخبرنا ابن أبي حاتم، حدثني الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل بن علية، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن زينب ابنة أم سلمة، عن أم سلمة، قالت: بينا أنا ورسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في الخميلة؛ إذ حضت، فانسللت، فأخذت ثياب حيضي، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم (( أنفست ))؟ قلت: نعم، فدعاني إليه إلى الخميلة.
فإذا ثبت أن الحيض والنفاس في المعنى واحد، وثبت أن الحيض لا يجامع الحبل، ثبت أن النفاس لا يجامعه، وإذا ثبت ذلك وولدت المراة ولداً وبقي في الرحم آخر، فالمرأة حامل بعد، وإذا كانت حاملاً، لم يكن ذلك منها نفاساً كما لا حيض، فوجب بهذا أن يكون النفاس من مولد المولود الأخير.
مسألة [ في المرأة إذا أسقطت ]
قال: وإن أسقطت ما بان بعض خلقه كالمضغة، ونحوها فهي نفساء، وإلا فلا.
__________
(1) ـ انظر المنتخب ص29.
(2) ـ الأحكام 1/75.(9/3)


وهذا يخريج على قوله في (المنتخب)(1) في باب تحريم بيع أمهات الأولاد: أن الأمة تصير أم ولد "إذا أسقطت ما علم أنه شيء تضمنته الرحم من مضغة، أو شيء علم أنَّه لحمة"، فلما أجري ذلك مجرى السقط، وأثبت الأمة بذلك أم ولد يجب(2) أن تصير المرأة لذلك نفساء، ولا تصير بغيره من العلل نفساء.
والذي يدل على ذلك أنها إذا أسقطت ما ذكرنا يعلم أنَّه ولد، فإذا أسقطت ما لم يعلم عن شيء من خلقه، لم يمكن أنَّه شيء اشتمل عليه الرحم لولادة؛ إذ يجوز أن يكون دماً، أو علة، فوجب أن تصير المرأة بإسقاط ما ذكرنا نفساء، (ولا تصير بغيره من العلل نفساء)(3).
مسألة [ في أن الحيض والنفاس في المعنى واحد ]
وحكم النفاس كحكم الحيض، تتجنب النفساء ما تتجنبه الحائض، ويستحب ويكره لها ما يستحب ويكره لها، وعليهما قضاء ما تركتا من الصيام دون الصلاة.
وقد دل على هذه الجملة في (الأحكام)(4) بقوله: "الحيض والنفاس في المعنى واحد"، وهذه الجملة مما لا أحفظ فيها خلافاً بين العلماء.
__________
(1) ـ المنتخب ص225.
(2) ـ في (أ): فيجب.
(3) ـ ما بين القوسين من (أ).
(4) ـ الأحكام 1/75.(9/4)

39 / 138
ع
En
A+
A-