قال: (( والوجه من مقاص الشعر إلى الأذنين إلى اللحيين إلى الذقن ))، (( والكعبان هما العظمان الناتئات عند مفصل الساق من القدم )).
وقد نص يحيى عليه السلام على تحديد الوجه بما ذكرناه في (الأحكام) من(1) باب التيمم، وقد نص على تحديد الكعبين في (المنتخب) (2).
ولا خلاف فيه إلاَّ ما يحكى عن مالك أنَّه كان يقول إن البياض الذي بين اللحية والأذن ليس من الوجه بعد نبات اللحية، وهو أيضاً ليس ينكر أنَّه قبل نبات اللحية من الوجه، فيجب أن لا يتغير حكمه بعد نبات اللحية.
والإمامية تذهب إلى أن الكعبين هما العظمان الناتئان على ظهر القدم، وهذا القول أظهر فساداً من أن يحتاج إلى الكلام؛ لأن الناس كما يعرفون سائر الأعضاء يعرفون هذا العضو، وقد ذكر أبو عبيد في كتابه المسمى (غريب المصنف) ـ ذلك، وخطَّأ من قال: إن الكعب هو: العظم الناتئ على ظهر القدم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( تحشر أمتي غراء من أثر السجود، محجلين من أثر الوضوء )).
والتحجيل لا يكون إلاَّ عند مفصل الساق، فبان أن الوضوء إليه، وقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، يدل على ذلك؛ لأن المراد به كل رجل إلى الكعبين؛ لانه لا يجوز أن يكون المراد به الأرجل إلى الكعبين؛ لان الأرجل يكون لها أكثر من الكعبين بالإتفاق، فلم يبق إلاَّ أن يكون المراد ما قلناه، فثبت أن في كل رجل كعبين، وفي ثبوت ذلك صحة ما ذهبنا إليه؛ لأن من قال: إن الكعب هو العظم الناتئ على ظهر القدم يقول في كل رجل كعب واحد.
مسألة [ في التسمية ]
والتسمية فرض على الذاكر تخريجاً.
__________
(1) في (أ): في. وانظر الأحكام 1/68..
(2) ذكره في المنتخب ص27.(4/28)


ذكر القاسم عليه السلام في (مسائل النيروسي)، أن التسمية على الوضوء كهِيَ على الذبيحة، وأومأ يحيى عليه السلام إلى هذه النكتة في (المنتخب) (1)، وقال في (الأحكام) (2): (( إن القليل من ذكر اللّه تعالى مجز ))(3) ـ يعني على الوضوء ـ وقال في (الأحكام) (4) في كتاب الذبائح: إن من ترك التسمية على الذبيحة ناسياً، أكلت ذبيحته، ومن تركها متعمداً، لم تؤكل ذبيحته، وَفُسِّر على ذلك قول القاسم عليه السلام في الذبيحة أن الملة تكفيه، فإذا شبهوا التسمية على الوضوء بالتسمية على الذبيحة ـ ونص يحيى عليه السلام على فساد الذبيحة إذا ترك التسمية عمداً ـ ثبت وجوبها على المتوضئ حسب وجوبها على الذابح(5)، فقلنا: إنها في الوضوء فرض على الذاكر؛ لأنها عند الذبيحة فرض على الذاكر/50/ عنده عليه السلام.
والذي يدل على ذلك:
ما أخبرنا به أبو العباس الحسني رضي اللّه عنه، أخبرنا الحسن بن محمد بن مسلم المقرئ الكوفي، حدثنا محمد بن الحسين الخثعمي، حدثنا عبَّاد بن يعقوب، حدثنا عيسى بن عبد اللّه العلوي، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا صلاة إلاَّ بطهور، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )).
__________
(1) انظر المنتخب ص22.
(2) ذكره في الأحكام 1/50، ثم قال: ولو نسيه ناسٍ لم يكن لينقض عليه طهوره.
(3) في (أ): يجزي.
(4) انظر الأحكام 2/394.
(5) في (أ): الذبائح.(4/29)


وحدثنا(1) أبو بكر المقرئ، حدثنا أبو جعفر الطحاوي، حدثني محمد بن علي بن داود البغدادي، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا وهب، حدثنا عبد الرحمن بن حرملة أنَّه سمع أبا ثفال المزني يقول: سمعت رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب يقول: حدثتني جدتي أنها سمعت أباها يقول: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ))، وقد اقتضى ظاهر الحديث أن التسمية شرط في الوضوء، إلاَّ حيث يقتضي الدليل خلافه، وذلك في حال السهو، فإنه مخصوص بالإجماع.
فإن قيل: هذا الخبر لا ظاهر له، وذلك أنا نعلم أن الوضوء يقع ممن لم يذكر اسم اللّه عليه، فلا بد من أن يكون معناه نفي الإجزاء، أو نفي الكمال، وإذا لم يكن بد من التأويل، لم يكن أحد التأويلين أولى من الآخر، فلا يكون في الظاهر دليل؟
قيل له: هذا الذي ادعيت عندنا لا يصح في الاسماء الشرعية، والوضوء من أسماء الشرع.
ويبين ذلك أن الشرع إنما يقتضي كون الوضوء وضوءاً متى وقع على الصحة، فأما إذا وقع على الفساد، فالاسم يجري عليه من جهة الشرع على سبيل التوسع، وإذا كان ذلك كذلك، لم يصح قولك: إن الوضوء يقع ممن لم يذكر اسم اللّه عليه؛ لأن ذلك عندنا ليس بوضوء، وإذا كان ذلك كذلك، وجب حمل اللفظ على ظاهره، وظاهره يبين أن من غسل أعضاءه ولم يذكر اسم اللّه عليه لم يتوضأ؛ لأن النفي يتناول الوضوء، على أن الاسماء اللغوية إذا ورد النفي عليها أيضاً، وجب عندنا حمله على نفي الإجزاء والكمال جميعاً، وشرح ذلك يخرجنا عن(2) المسألة.
ويدل على ذلك أيضاً:
__________
(1) في (ب) و(ج): أخبرنا.
(2) في (أ): من.(4/30)


ما أخبرنا به أبو العباس الحسني، حدثنا علي بن محمد بن هارون الروياني، حدثنا محمد بن أيوب الرازي، أخبرني يحي بن هاشم، قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم اللّه عليه، فإنه يطهر جسده كله، وإن لم يذكر اسم اللّه عليه لم يطهر، إلاَّ ما مر عليه الماء )).
وقد ثبت أن المصلي مأخوذ عليه طهارة بدنه، فإذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا يطهر بدنه كله بالوضوء، إلاَّ مع التسمية، ثبت وجوبها.
وليس لأحد أن يقول: إن هذه زيادة على قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ..} الآية، والزيادة تقتضي النسخ؛ لأن عندنا أن الخبر يجب أن يكون كالمقترن بالآية، ومثله عندنا لا يوجب النسخ، فالسؤال عنا ساقط.
ويدل على ذلك أيضاً أن الوضوء عبادة تبطل بالحدث، فوجب أن تبطل بترك الذكر متعمداً، قياساً على الصلاة، ويجوز أن نقيسه أيضاً على الصلاة؛ بعلة أنَّه عبادة ترجع إلى الشطر مع العذر في حال القدرة عليه /51/، فإن قاسوه على الصوم بعلة أنَّه عبادة يصح المقام عليها، والخروج منها بغير نطق، فيجب أن يصح جميعه بغير نطق، رجحنا علتنا بالاحتياط، وبأنها تفيد شرعاً، وبأنها مستندة إلى الظواهر.
مسألة [في مسح الرقبة والسواك]
قال: ومسح الرقبة مع الرأس سنة، وكذلك السواك عند كل طهور سنة(1) سيما بالغدوات.
قد نص على جميع ذلك في (الأحكام) (2)، واستدل للسواك بماروي أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: (( لولا أن أشق على أمتي، لفرضت عليهم السواك مع الطهور )).
وروي عنه عليه السلام أنَّه قال: (( السواك مطهرة للفم، ومرضاة للرب )).
__________
(1) زيادة في هامش (أ).
(2) انظر الأحكام 1/48، 49.(4/31)


وأخبرنا محمد بن عثمان، حدثنا الناصر عليه السلام، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا أحمد بن عيسى، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (( من أطاق السواك مع الطهور(1) فلا يدعه )).
وحدثنا أبو العباس الحسني رحمه الله، حدثنا أبو أحمد الفرايصي، حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث الواسطي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا يحيي بن كثير، عن عثمان بن ساج، عن سعيد بن جبير، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (( إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك )).
ووجه تخصيص يحيى عليه السلام الغدوات هو أن الغرض بالسواك تطهير الفم؛ لما دلت عليه هذه الأخبار؛ لأن الغدوات أجمع الأوقات للروايح في الفم، فلذلك خصها.
ويبين أن مسح الرقبة سنة، ماحدثنا(2) به محمد بن عثمان، حدثنا الناصر عليه السلام، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا أحمد بن عيسى، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (( من توضأ(3) ثُمَّ مسح سالفتيه بالماء وقفاه، أمن من الغل يوم القيامة )).
وذكر محمد بن الحنفية، عن أبيه، علي عليه السلام ـ في حديث طويل ـ أنَّه لما مسح رأسه، مسح عنقه، وقال له(4) بعد فراغه من الطهور: (إفعل كفعالي هذا).
مسألة [في الفرق بين الغسل والمسح]
قال: والغسل ما جرى عليه الماء، والمسح دون ذلك.
__________
(1) في (أ): للطهور.
(2) في (ب): أخبرنا.
(3) في (أ) من توضأ تاماً.
(4) سقطت (له) من (أ).(4/32)

21 / 138
ع
En
A+
A-