ما أخبرنا به أبو عبد اللّه محمد بن عثمان النقاش، حدثنا(1) الناصر للحق عليه السلام، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا أحمد بن عيسى، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد الواسطي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام، قال: بينا أنا ورسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم جالسان في المسجد؛ إذ أقبل رجل من الأنصار حتى سلم ـ وقد تطهر وعليه أثر الطهور ـ فتقدم في مقدم المسجد ليصلي، فرأى رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم جانباً من عقبه جافاً، فقال لي: يا علي، أترى ما أرى؟ قلت: نعم. قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( يا صاحب الصلاة، إني أرى جانباً من عقبك جافاً، فإن كنت قد أمسسته الماء، فامض في صلاتك، وإن كنت لم تمسسه الماء، فاخرج من الصلاة. فقال: يا رسول اللّه كيف أصنع؟ أَسْتقْبِل الطهور؟ قال: (( لا. بل اغسل ما بقي )). فقلت: يا رسول الله، لو صلى هكذا. كانت مقبولة؟ قال: (( لا. حتى يعيدها )).
وأخبرنا محمد بن عثمان، حدثنا الناصر، حدثنا محمد بن منصور/45/، حدثنا(2) أبو طاهر، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( خللوا أصابعكم قبل أن تخلَّل بالنار )).
وأخبرنا أبو الحسين علي بن إسماعيل، حدثنا(3) الناصر، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا أحمد بن عيسى، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه(4)، عن علي عليه السلام، قال: جلست(5) يوماً أتوضأ، فأقبل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديث فيه بعض الطول إلى أن قال ـ: وغسلت قدميَّ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( يا علي، خلل بين الأصابع لا تُخلَّل بالنار )).
__________
(1) في (ب) و(ج): قال حدثنا. في جميع السند.
(2) في (ب) و(ج): قال حدثنا. في جميع السند.
(3) في (ب) و(ج): قال حدثنا. في جميع السند.
(4) في (ج) وهامش (ب): أبيه.
(5) في (ج): جئت.(4/18)
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا(1) أبو جعفر الطحاوي، حدثنا فهد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كرب، عن جابر بن عبد الله، قال رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لُمعة في قدم رجل لم يغسلها فقال: (( ويل للعراقيب من النار ))(2).
وحدثنا(3) أبو بكر، حدثنا(4) أبو جعفر، حدثنا أبو بكرة، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كرب، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( ويلٌ للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء ))(5).
وأخبرنا أبو بكر، حدثنا(6) أبو جعفر، حدثنا إبراهيم بن مرزوق، حدثنا وهب، حدثنا شعبة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد اللّه بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى قوماً توضؤا، وكأنهم تركوا من أرجلهم شيئاً، فقال: (( ويل للعراقيب من النار، اسبغوا الوضوء ))(7).
فهذه الأخبار كلها نصوص، أو كالنصوص في إيجاب غسل القدمين مع التوعد على الإخلال بشيء منه.
ويدل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الواقع موقع البيان:
__________
(1) في (ب) و(ج): قال حدثنا. في جميع السند.
(2) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/38.
(3) في (ب) و(ج): أخبرنا.
(4) في (ب) و(ج): قال حدثنا. في جميع السند.
(5) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/38.
(6) في (ب) و(ج): قال حدثنا. في جميع السند.
(7) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/40.(4/19)
أخبرنا(1) أبو بكر، أخبرنا أبو جعفر، حدثنا محمد بن محمد بن خزيمة(2)، وإبراهيم بن أبي داود، قالا: حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي، عن عبد العزيز بن محمد بن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن(3) عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توضأ، فغسل رجليه ثلاثاً(4).
وأخبرنا أبو بكر، أخبرنا(5) أبو جعفر، حدثنا ابن أبي عقيل، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافري، قال: سمعت أبا عبد الرحمن بن يزيد، يقول: سمعت المستورد بن سنان القرشي يقول: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه(6).
وأخبرنا أبو بكر، حدثنا(7) أبو جعفر، حدثنا حسين بن نصر، حدثنا الفريابي، حدثنا زائدة، حدثنا خالد بن علقمة، عن عبد خير، قال: دخل علي عليه السلام الرحبة، ثُمَّ قال(8) لغلامه: ائتني بطهور، فأتاه بماء وطشت، فتوضأ فغسل(9) رجليه ثلاثاً ثلاثاً، وقال: هذا طهور رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم(10).
فإن قيل: فهذه الأخبار الواردة في الأفعال كيف تقتضي الوجوب؟
قيل له: لأن هذه الأفعال بيان للواجب، وما كان بياناً للواجب، كان عندنا محمولاً على الوجوب.
فإن قيل: فكيف صارت هذه الأفعال بياناً؟
__________
(1) في (ب) و(ج): قال أخبرنا. في جميع السند.
(2) في (ب) و(ج): محمد بن خزيمة.
(3) في (ج): عن.
(4) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/36.
(5) في (ب) و(ج): قال أخبرنا.
(6) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/36، إلا أنه تحيد المغافري، وأيضاً المستورد بن شداد، وأثبته عليه في هامش (ب).
(7) في (ب) و(ج): قال حدثنا. في جميع السند.
(8) في (ب) و(ج): فقال.
(9) في (ب) و(ج): وغسل.
(10) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/35، إلا أنه فيه شك، فقال علقمة بن خالد أو خالد بن علقمة، والشك أيضاً ثابت في (أ) و(ج).(4/20)
قيل له: لأن قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، قد قرئ بنصب اللام وجرها، وقد حمل النصب على الغسل بأن جُعل نسقاً على الوجه واليدين، وقد حمل أيضاً على المسح.
وقيل: إنَّه نسق على موضع النصب؛ لأن الكلام(1) كان حقه النصب لولا دخول الباء عليه.
وقالوا أيضاً: إنَّه نُصبَ لنزع الخافض، فكان تقديره برؤوسكم وبأرجلكم، فلما نزع الخافض انتصب اللام.
وقد حمل الجر على/46/ المسح، وقالوا: إن الأرجل نسق على الرؤوس.
وحملوه على الغسل، وقالوا: إنَّه نسق على الوجه واليدين، ولكنه جر بمجاورة المجرور، كما قيل: جحر ضب خربٍ.
وهذه الوجوه كلها محتملة في اللسان والإعراب، فصارت الآية في حكم المجمل؛ إذ لم يقل أحد أن الآية موجبة للمسح والغسل جميعاً، وإذا كان الأمر على ما بينا وجب أن يكون فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بياناً لها، وإذا كان بياناً، كان محمولاً على الوجوب، على أنَّه ليس يبعد أن يقال: إن الآية إذا قرئت على وجهين، وصح أن يتأول كل واحد من الوجهين على الغسل والمسح، كان ذلك كالآيتين توجب إحداهما الغسل والأخرى المسح، والمسح داخل في الغسل، فإذا الغاسل قد استعمل ما اقتضاه الوجهان من الآية.
فإن قيل: روي أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم مسح على قدميه، وعلى نعليه؟
قيل له: قد بين أمير المؤمنين علي عليه السلام، أنَّه وضوء من لم يُحْدِث، ونحن لا ننكر أن من لم يكن مُحْدثاً وأحب تجديد الطهارة، فلا بأس أن يفعل ذلك.
__________
(1) في (ب): لأن اللام،(4/21)
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا أبو جعفر الطحاوي، حدثنا إبراهيم بن مرزوق، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة، قال: رأيت علياً عليه السلام صلى الظهر، ثم قعد للناس في الرحبة، ثم أُتِيَ بماء، فمسح بوجهه ويديه، ومسح برأسه ورجليه، وشرب فضله قائماً، ثم قال: إن أناساً يزعمون أن هذا يكره، وإني رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يصنع مثل ما صنعت، وهذا وضوء من لم يُحْدِث (1)، فقد صرح عليه السلام أنَّه وضوء من لم يحدث.
فإن قاسوا القدمين على الرأس؛ بعلة أنَّه يسقط في التيمم، عارضنا قياسهم بمثله، وهو أنا نقيسهما على اليدين؛ بعلة أنَّه محدود في الوضوء، على أن القائلين بهذا القول لا يرون القياس، فليس لهم أن يعتمدوه، فإن أوردوه على طريق الإلزام، عارضناهم بما ذكرنا، ورجحنا قياسنا بالاحتياط، وبأن فيه زيادة فائدة في الشرع.
مسألة [ في الترتيب ]
قال: وفرض الوضوء ما قدّمنا ذكره مرةً مرةً على الترتيب المرتب، والثانية والثالثة فضل وسنة.
وقد نص الهادي عليه السلام في (الأحكام) (2) على وجوب الترتيب، وكذلك على وجوب ترتيب اليمنى على اليسرى من اليد والرجل، وهو مذهب الناصر، ومذهب الإمامية، ولا أحفظ فيه خلافاً عن أحد من أهل البيت عليهم السلام، وقد ذكرنا في غير موضع أن إجماعهم عندنا حجة، فهو أوكد ما نعتمده في هذه المسألة.
__________
(1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/34، إلا أنه لم يجعل قوله: وهذا وضوء من لم يحدث، من كلام الإمام (ع)، حيث لم يذكر داخل القوسين، فقط.
(2) انظر الأحكام 1/50.(4/22)