وقيل له: فإن للإنسان أن يصرف ما يستحقه إلى المسلمين، وإلى مصالحهم، ويحتمل أن يكونوا، أو بعضهم أخذه، ولم ينقل؛ لأنَّه ليس ينقل تفاصيل ما يجري في مثل هذا ، ألا ترى أنَّه لم ينقل ما فعلوه في سهم اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وإذا كان هذا هكذا، لم يدل ما ذكرتموه على ما ادعيتموه، كيف وقد روي أن فاطمة عليها السلام بعثت إلى أبي بكر، فقالت: مالك يا خليفة رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنت ورثت رسول اللّه، أم أهله؟ قال: بل أهله. قالت: فما بال سهم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: إني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إن اللّه سبحانه إذا أطعم نبيه طعمة، ثم قبضه، جعلها للذي يقوم مقامه، فرأيت أن أرده على المسلمين)). فقالت عليها السلام: ((أنت وما سمعت عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أعلم)).
وليس لأحد أن يدعي في ذلك خلاف الإجماع، فقد حكى الطحاوي في شرح(1) الآثار أن قوماً قالوا: إن سهم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم للخليفة.
وروي عن الحسن بن محمد بن علي أنَّه حكاه عن قوم.
مسألة [في سهم ذوي القربى]
قال: وأما سهم قربى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يوضع فيهم، وهم أربعة بطون: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (2).
والحجة لذلك قول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلْرَّسُوْلِ..} الآية، فجعل سبحانه لهم سهماً مسمى في الآيتين، فلا يجوز صرفها عنهم، كما لا يجوز صرف باقي السهام عن أهلها.
__________
(1) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/277.
(2) ـ انظر الأحكام 2/487.(34/15)


فإن قيل: إن اللّه تعالى قال: {لِذِي الْقُرْبَى} ولم ينسب القربى إلى أحد، واحتمل أن يكون المراد به قربى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واحتمل أن يكون المراد به قربى الإمام، واحتمل أن يكون قربى الغانمين، فلا متعلق لكم بظاهره.
قيل له: هذا الكلام(1) فاسد؛ لأن المسلمين أجمعوا على أن المراد به قربى رسول اللّه صلى الله /100/ عليه وآله وسلم، ولم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في سهمهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فادعى قوم أنَّه بطل بموت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وقال قوم: هو باقٍ كما كان، واختلفوا في الوجه الذي أخذوا به، فقال قوم: أخذوه بالفقر، وقال قوم: بل استحقوه، وأخذوه مع الغنى والفقر، يكشف ذلك ما:
أخبرنا به أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن مطر، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم، قال: لما قسم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذوي القربى أعطى بني هاشم وبني المطلب، ولم يعط بني أمية شيئاً، فأتيت أنا وعثمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقلنا(2): يا رسول اللّه، هؤلاء بنو هاشم فضلهم اللّه بك، فما بالنا وبني المطلب، وإنما نحن وهم في النسب شيء واحد، فقال: ((إن بني المطلب لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام))(3).
__________
(1) ـ في (أ): كلام فاسد.
(2) ـ في (أ): وقلنا.
(3) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/235 وفيه: حدثنا محمد بن بحر بن مطر، وعلي بن شيبة البغداديان، قالا به، وفي متنه لم يعط بني أمية شيئاً وبني نوفل.(34/16)


ألا ترى أنهما قالا: نحن، وهم ـ يعنيان بني المطلب ـ في النسب شيء واحد؛ إذ علمِا أن هذا السهم مستحق بالنسب؛ إذ لو كان استحقاقه بغير النسب، لكان كلامهما باطلاً، ثم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام)) تقرير لهما على ما علم من كون هذا السهم مستحقاً بالنسب؛ لأنَّه لو لم يكن كذلك، لأنكر عليهما، ولعرَّفهما أن النسب لا مدخل له في هذا الباب، فلما لم ينكر ذلك عليهما، وعرفهما أنَّه خص بني المطلب للوجه الذي ذكره، صح أن ما علمناه من كونه مستحقاً بالنسب، كان ما علماه(1)، ولم يذكر صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه مستحق بالفقر، فبان أن الغني فيه كالفقير، على ما اقتضاه ظاهر قوله تعالى: {وَلِذِيْ الْقُرْبَى} من غير تخصيص غني من فقير.
ويدل على ذلك ما:
__________
(1) ـ في (أ): ما علمناه.(34/17)


أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا الناصر عليه السلام، عن محمد بن منصور، عن محمد بن عمر بن وليد الكندي، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن بشير بن عاصم، عن عثمان بن أبي اليقظان، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: سألت علياً عليه السلام، فقلت: يا أمير المؤمنين، أخبرنا كيف كان صُنْع أبي بكر وعمر في الخمس؟ فقال: (أما أبو بكر، فلم يكن في ولايته أخماس، وأما عمر، فلم يزل يدفعه إليّ في كل مخموس، حتى كان خمس سوس وجندي سابور، فقال وأنا عنده: هذا نصيبكم أهل البيت من الخمس، وقد أحل ببعض المسلمين، واشتدت حاجتهم إليه، أفتطيب أنفسكم عنه؟ قال: فقلت: نعم، قال: فوثب العباس، وقال: لا أنعمن بالذي لنا. قال: فقلت: ألسنا أحق مَنْ رَفَّق بالمؤمنين، وشَفْع أمير المؤمنين؟ قال: فقبضه اللّه وما قضاناه(1)، ولا قدرت عليه في ولاية عثمان، ثم أنشأ علي عليه السلام يحدث. فقال: (إن اللّه حرم الصدقة على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فعوضه اللّه سهماً من الخمس، عوضاً عما حرم عليه، وحرمها على أهل بيته خاصة، فضرب لهم مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم سهماً عوضاً مما حرم عليهم).
وأخبرنا أبو الحسين بن إسماعيل، عن الناصر عليه السلام، قال: حدثنا محمد بن منصور، عن محمد بن عمر، عن يحيى بن آدم، عن علي بن هاشم، عن أبيه، عن حسن بن ميمون، عن عبد اللّه بن عبد اللّه مولى بني هاشم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي عليه السلام، قال: ولاني عمر حقنا من الخمس فقسمته حتى كان آخر سنِّي عمر، فأتاه مال كثير، فقال: يا علي، هذا حقك، أو حقكم، قد عزلناه لكم، فخذه، واقسمه حيث تقسمه، قال: فقلت: إن بنا عنه غنى، وبالمسلمين حاجة، فأردده عليهم، قال: فقال العباس: لقد نزعت عنا اليوم شيئاً لا يرجع إلينا، قال: فقال علي ما دعاني إليه أحد حتى قمت مقامي هذا.
__________
(1) ـ في الهامش كذا في نسخة ((فقبضه والله وما قبضناه)).(34/18)


وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا /101/ الطحاوي، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد بن أسماء، قال: حدثني جويرية بن أسماء، عن مالك، عن ابن شهاب، أن يزيد بن هرمز حدثه أن نجدة صاحب اليمامة، كتب إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى، فكتب ابن العباس أنَّه لنا، وقد كان عمر دعانا إلى رأيه في تسليم بعضه لننكح(1) به ايمنا، ونقضي به غراماتنا، فأبينا إلاَّ أن يسلم كله لنا ورأينا أنَّه لنا(2).
وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: سمعت علياً عليه السلام، يقول ـ في حديث طويل ـ قلت: يا رسول اللّه ، إن رأيت أن تولينا حقنا من الخمس في كتاب الله، فاقسمه [في] (3) حياتك حتى لا ينازعنيه أحد بعدك، فافعل، ففعل ذلك، فولانيه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فقسمته حياته.
__________
(1) ـ في (أ): لينكح.
(2) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/235، وفيه حدثني جويرية بن أسماء وفي متنه: ((إنه لنا، وقد كان دعانا عمر بن الخطاب لينكح منه أيمنا ويقضي عنه من غارمنا فأبينا إلا أن يسمه لنا كله.. الخ.
(3) ـ سقط من (أ) و (ب).(34/19)

135 / 138
ع
En
A+
A-