نص في (المنتخب) (1) على أن من اشترى سمكاً من الصياد مع علمه أن الصياد لم يخرج خمسه، لزمه إخراج خمسه، فدل ذلك على أن الحق تعلق بعين ما اصطيد، ووجه ذلك قول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((في الرِّكاز الخمس)) فدل ذلك على أن الخمس مستحق من جملة المال الذي وجب فيه الخمس، فلما دلت الدلالة التي تقدم ذكرها أن سبيل هذه الأشياء التي وجب فيها الخمس سبيل الغنائم والركاز في ذلك، قلنا إن الخمس يجب في عينه، وهو قياس من كان له مال، ومعه شريك في جزء منه، أن الواجب تسليم ذلك الجزء من(2) عين ذلك المال إلى شريكه، والمعنى أن ذلك الجزء حق لصاحبه، فكذلك الخمس؛ لأنَّه جزء مستحق لأهله.
ويمكن أن يقاس على الزكوات بهذه العلة؛ إذا الزكوات لا تؤخذ فيها القيم على ما بينا.
ونص في (المنتخب) (3) على أن من وجد ياقوتة، أخرج الخمس من قيمتها، فدل ذلك على جواز إخراج القيمة(4) مما لا ينقسم، أو كانت القسمة تضره، ووجهه أن مالكه أولى بإخراجه، وله أن يخرج أي جزء منه أراد، فلما كان هذا هكذا، قلنا فيما يضره القسمة، أو لا يمكن القسمة فيه: إنَّه يخرج قيمة الخمس منه، كما قلنا فيمن له فواكه لا يمكن حبس أولها على آخرها: إنَّه يخرج قيمة العشر منها.
ونص في (المنتخب) (5) ـ أيضاً ـ على أن من أنفق مالاً للاصطياد في البحر، لزمه إخراج الخمس مما يصطاد من غير مراعاة ما أنفق فيه.
__________
(1) ـ انظر المنتخب 81 ـ 82 وهو فيه بلفظ مقارب.
(2) ـ في (أ): في.
(3) ـ انظر المنتخب 83 وهو بلفظ مقارب.
(4) ـ في (أ): قيمة الخمس.
(5) ـ انظر المنتخب 81 وهو بلفظ قريب.(34/10)
ووجهه قول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شِيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((في الركاز الخمس)) من غير اشتراط حط ما لزم المتملِك للشيء منه من المؤمنة في تملكه، وهو مقيس على ما يؤخذ من صدقات العشور والمواشي في أنها تؤخذ من غير مراعاة المؤن والإنفاق، والمعنى أنَّه حق لله تعالى تعلق ببعض المال، فوجب إخراجه من غير مراعاة ما يلزم عليه، وليس يلزم عليه ما ورد النص به من أخذ نصف العشر مما يسقى بالدوالي؛ لأن ذلك مما ثبت /98/ بالنص، لا بمراعاتنا واجتهادنا.
ووجه ما ذكرناه من أن المشتري إذا اشترى ما يجب فيه الخمس يخرج خمسه؛ لأنَّه اشترى ما لم يكن لبايعه أن يبيعه، وما هو حق لغير البائع، فلزمه إيصاله إلى مستحقه، كما نقول في الغصب؛ ولأن يحيى عليه السلام شبهه بالغصب.
وقلنا: إن المشتري يرجع بقدره من الثمن على البائع كما نقول في الغصب.
ونص في (الأحكام) (1) و(المنتخب)(2) على أن الخمس لا يتكرر وجوبه في شيء من الأموال.
ووجهه أن الخمس لزمه لتملكه ما وجب فيه الخمس، وهذا قياس على صدقة ما أخرجت الأرض، والمعنى أنَّه حق لله تعالى تعلق بعين المال من غير مراعاة الحول فيه، فوجب أن لا يتكرر.
باب القول في قسمة الخمس وفيمن(3) يوضع فيهم
(يقسم الخمس على ستة أجزاء، فجزء لله، وجزء لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (4)، وجزء لقربى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (5)، وجزء لليتامى، وجزء للمساكين، وجزء لابن السبيل.
فأما السهم الذي لله فيصرفه الإمام في أمور اللّه التي تقرب إليه من إصلاح طرق المسلمين، وحفر آبارهم(6)، وبناء مساجدهم، ورمها، وما أشبه ذلك بحسب ما يؤديه اجتهاده إليه.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/90 وهو بالمعنى.
(2) ـ انظر المنتخب 81.
(3) ـ في (أ): وفي الذين.
(4) ـ سقط من (ب).
(5) ـ سقط من (ب).
(6) ـ في (ب): بيارهم.(34/11)
وأما السهم الذي لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فهو لإمام المسلمين(1)، ينفق منه على عياله، وعلى خيله، وغلمانه، ويصرفه فيما ينفع المسلمين).
جميع ذلك منصوص عليه في (الأحكام) (2).
والأصل فيه قول(3) اللّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ..} الآية. وقوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ..} الآية.
فدلت هاتان الآيتان على أن الخمس يقسم على ستة أجزاء على ما ذهبنا إليه.
فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم: إنَّه لا يجب أن يجعل منها سهماً لله تعالى؛ لأن له الدنيا والآخرة؛ ولأن المراد بقوله(4): {للهِ} هو افتتاح الكلام، لا أنَّه يجب أن يُجْعَل له سهم؟.
__________
(1) ـ في (أ): الحق.
(2) ـ انظر الأحكام 2/485 ـ 487.
(3) ـ في (أ): قوله تعالى.
(4) ـ في (أ): بقول.(34/12)
قيل له: إن اللّه له الدنيا والآخرة، وما فيهما، وهذا مما لا يرتاب فيه مسلم، ولسنا نقول: إن لهذا السهم اختصاصاً بكونه له ملكاً ليس لغيره مما هو في الدنيا والآخرة، إلاَّ أنا نقول: إن الكلام لا يجب أن يعرى من فائدة، ألا ترى أن الله تعالى لما ذكر أصناف أهل الصدقات، قال: {وَفِيْ سِبَيْلِ اللهِ}، ومن المعلوم أن صرف الصدقات إلى الأصناف السبعة صرف لها في سبيل الله تعالى، إلا أن الكل من العلماء جعلوا لهذا السهم ـ وهو السهم الذي قال الله تعالى: {وَفِيْ سِبَيْلِ اللهِ} ـ وجهاً ومزية، ولم يجعلوه وصلاً للكلام، ولم يُخلوه من فائدة، فوجب أن يكون ذلك لحكم السهم الذي نسبه اللّه تعالى إلى نفسه من جملة سهام الخمس؛ لأنا لو قلنا غير ذلك كنا قد أخرجنا قوله: {فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ} من أن يكون له فائدة في الحكم، كما أنا لو لم نجعل لسهم السبيل من سهام الصدقات حكماً يختص به، كنا قد أخرجنا قوله: {وَفِيْ سَبِيْلِ اللهِ} من أن يكون له فائدة في الحكم، وأقوال اللّه تعالى ما أمكن حملها على الفوائد المحدودة في الأحكام، لا يجوز حملها على التكرير، أو على ما في العقول، وإذا ثبت أن هذا السهم /99/ يجب أن يكون له حكم يختصه بما بيناه، فأولى مصارفه وجوه القُرب مما ذكرناها وغيرها مما يراه الإمام صلاحاً.(34/13)
وقلنا: إن سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم الإمام فيه مقامه؛ لأنَّه ينوب منابه في النهوض بأعباء الدين، وتحمل المؤن في مصالح المسلمين، فيجب أن يكون سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصروفاً إليه؛ للعلة التي قلناها، على أن هذا السهم لا يخلو من أن يكون قد أُسقط، أو جعل للمسلمين، أو للإمام خاصة، وكونه للإمام خاصاً أولى؛ لأنَّه واحد من المسلمين، وله مزية قيامه مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونيابته منابه، وهذا كما ثبت في الميراث أن سبيل ما يؤخذ منه ـ ولا وارث للميت ـ أن يكون للمسلمين، فإذا وجد أحد من ذوي الأرحام، قلنا: إنَّه أولى به؛ لأنَّه شارك المسلمين في الإسلام، وحصلت له مزية القربى، فكذلك الإمام في سهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قيل: لم يرو عن علي عليه السلام، ولا غيره من الأئمة عليهم السلام أن واحداً منهم أخذ سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستبد به لنفسه، فدل ذلك على فساد ما قلتم.
قيل له: يحتمل أن يكونوا تبرعوا به وصرفوه إلى مصالح المسلمين، وإلى سائر أهل السهام، وهذا لا يدل على أنهم لم(1) يستحقوه.
__________
(1) ـ في (أ): لا.(34/14)