قال: ويجب الخمس في الأموال التي تجبى من الخراج، أو جبايات الأرض التي أخذت صلحاً.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (1).
ووجهه: أنَّه مال استُحق في الأصل بالإسلام على أهل الكفر فشابه الغنيمة.
فإن قيل: فالخراج قد يؤخذ من المسلم إذا ملك أرض الخراج.
قيل له: علتنا هذه عمت ما سألت عنه؛ لأنا قلنا: إنَّه مال استحق في الأصل بالإسلام، وهكذا سبيل الخراج الذي يؤخذ من المسلم؛ لأنَّه كان في الأصل مستحقاً على أهل الكفر لرقبة /95/ الأرض التي جعلت لهم بعد استحقاق المسلمين لها، ولا يجب أن يتغير حكم الخراج عما كان عليه في الأصل في باب الخمس، وإن كان مأخوذاً من المسلم، ألا ترى أن حكمه في المصرف لا يتغير عما كان عليه في الأصل؟ وإن كان مأخوذاً من المسلَّم فكذلك في باب الخمس.
مسألة [في حكم ما يخرج من البحر والمعادن]
قال: ويجب الخمس في كل ما يخرج من البحر من الدر، والياقوت، واللؤلؤ، وفي كل ما يخرج من المعادن نحو الفيروزج، والذهب، والفضة، والكحل، والمغرة، والزئبق، والشب، والزرنيخ، والفصوص، والزمرد.
وجيمع ذلك منصوص عليه في (المنتخب) (2).
ونص في (الأحكام) (3) على إيجاب الخمس في الدر واللؤلؤ، وما يخرج من معادن الذهب والفضة.
والأصل في ذلك الحديث المشهور، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ((في الرِّكَاز الخمس))، وقد ثبت أن الركاز اسم للمعدن، كما أنه اسم للمال المدفون.
يدل على ذلك ما:
__________
(1) ـ انظر الأحكام 2/501 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر المنتخب 82 ـ 83 لكنه لم يذكر الفيروزج.
(3) ـ انظر الأحكام 1/189 ـ 190 وكذلك ص 177.(34/5)


أخبرنا به أبو العباس الحسني(1)، قال: أخبرنا أبو أحمد الأنماطي، قال: حدثنا صالح بن محمد الرازي، قال: حدثنا سهل بن نصر، قال: حدثنا حيان بن علي بن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، ((الركاز الذي ينبت مع الأرض)).
وروى عبد اللّه بن سعيد، عن جده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((في الركاز الخمس )). قالوا: يا رسول الله، وما الرِّكَاز؟ قال: ((الذهب والفضة الذي خلقه اللّه في الأرض يوم خلقه)).
وروي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رجلاً سأل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عما يوجد في الخراب العادي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((فيه وفي الركاز الخمس)).
فدل ذلك على أن الركاز اسم للمعدن؛ لأنَّه صلى الله عليه وآله وسلم فصل بينه وبين ما يوجد في الخراب العادي وهو المدفون بالواو.
ويدل على ذلك ما حَكي عن العرب أنهم يقولون: ركز المعدن، إذا كثر فيه المطلوب.
ويدل ـ أيضاً ـ على أن الرِّكاز اسم لما خفي في الأرض، وغُيِّب فيها قولهم(2): ركز فلان رمحه، إذا ركزه في الأرض.
ومنه الرِّكْز، وهو الصوت الخفي، فإذا ثبت ذلك، ثبت أن اسم الركاز ينطلق على الذهب والفضة المخلوقَين في الأرض، فيجب فيه الخمس بدلالة قوله: ((وفي الرِّكاز الخمس)) على أن الركاز يسمى به الكنز؛ لأنَّه غُيِّب في الأرض، وكذلك ما في المعادن، ولا فرق بينهما إلاَّ أن الكنز غيبه الآدميون، وما في المعدن غيبه الله، وأسماء الأفعال لا تتغير بالفاعلين.
وقد روي إيجاب الخمس في المعادن، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وعن عمر.
__________
(1) ـ في (أ): رحمه الله تعالى.
(2) ـ في (أ): وقولهم.(34/6)


أخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا أبو أحمد الأنماطي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز البغوي، قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، قال: حدثنا حجاج، عن حماد بن سلمة، قال: حدثنا سماك بن حرب، عن الحارث، عن أبي الحارث الأزدي، أن أباه كان اشترى معدناً استخرجه رجل بمائة شاة متْبَع، فقال علي عليه السلام للبائع: ما أرى الخمس إلاَّ عليك، فخمَّسَ المائة الشاة. فهو قياس [على] (1) المدفون؛ بعلة أنَّه مال مستخرج من الأرض لا مالك له حين الاستخراج، فوجب فيه الخمس، فإذا ثبت بما بيناه أن الخمس واجب فيما يستخرج من المعادن من الذهب والفضة، وجب /96/ في سائر ما ذكرناه قياساً عليه، والمعنى أنه مستخرج من الأرض بتَموُّل غالباً، لا مالك له حين الاستخراج، ونحترز بقولنا بتمول غالباً من المال والطين المبتذل والأحجار المبتذلة.
فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم، إن العلة في الذهب والفضة المستخرَجين من المعدن هي الانطباع، فيجب على هذه العلة في الحديد والرصاص وما يجري مجراهما، على ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه؟.
قيل له: علتنا أولى من علتكم؛ لأنها تشتمل على علتكم، وتفيد فائدتها، وتزيد فوائد أخر، على أنها لو لم تفد إلاَّ فائدة علتكم، لكُنا نقول بالعلتين، إذ لا تنافي بين موجَبيهما، على أن التعليل بكونه مما يُتمول أولى من التعليل بكونه مما ينطبع؛ لأنا وجدنا الحقوق تتعلق بالتمول، ولها تأثير في تعلق الحقوق به، والانطباع لا تتعلق الحقوق به، ولا تأثير له في ذلك، فما له تأثير في تعليق الحقوق به أولى بالتعليل مما لا تأثير له فيه، وهذا كما نقول: إن التعليل لتحريم التفاضل بالكيل(2) أولى منه بالأكل؛ لأن الكيل له تأثير في التحليل والتحريم، ولا تأثير للأكل فيه.
فإن قيل: فنحن نقيسه على الماء والحجر؛ بعلة أنَّه لا ينطبع.
__________
(1) ـ سقط من (أ) و (ب): ونبه في الهامش أنها نسخة.
(2) ـ في (أ): منذ أولى؛ لأن الكيل.. الخ.(34/7)


قيل له: ما ذكرناه أخيراً من التأثير لترجيح علتنا يرجحها على هذه العلة كما يرجحها على الأولى، على أن الماء والحجر مما يشهد لعلتنا، ألا ترى أنهما لما لم يتمولا غالباً لم يجب فيهما الخمس.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ((ليس في الحجر زكاة )).
قيل له: كذلك نقول، وما أوجبناه فيما تقدم ليس بزكاة، ألا ترى أنا لا نجعل مصرفها مصرف الزكوات، على أنَّه يمكن الاستدلال بقوله: ((في الركاز الخمس)) في جميع ذلك؛ لأنا قد بينا أن الركاز اسم لكل ما يغيب في الأرض سواء غيبه اللّه تعالى، أو غيبه الناس، وكل ذلك مما هو مغيب في الأرض.
فإن قيل: ما يخرج من البحر ليس بمغيب في الأرض.
قيل له: هو مغيب فيها، وإن كان الماء زاده تغييباً.
فإن قيل: ربَّما رمى(1) البحر بالدر وما أشبهه.
قيل له: لا يخرجه ذلك من أن يكون(2) مغيباً في البحر، ألا ترى أنَّه ربما سقط الجدار فظهر بعض ما كنز تحته، وذلك لا يخرجه من أن يكون مغيباً في الأرض، فلا يتغير حكمه.
فأما أبو يوسف فإنه يوافقنا في إيجاب الخمس في الدر واللؤلؤ، وكل ما يخرج من البحر من الحلية، فيكون الكلام معه أحرى؛ لأن شيئا من ذلك لا ينطبع.
[مسألة في المسك والعنبر والقير والنفط]
قال: وفي المسك الخمس، وكذلك في العنبر والقير والنفط، فأما القير والنفط والعنبر فالكلام فيها ما تقدم، ولا يفصل أحد بين المسك والقير والنفط في ذلك، فإذا ثبت ذلك في القير والنفط، ثبت في المسك(3).
مسألة [في وجوب تخميس الصيد]
قال: ويجب الخمس في كل ما يصطاد. [وهو] منصوص عليه في (المنتخب) (4).
__________
(1) ـ في هامش (أ): رمى في البحر بالدر.
(2) ـ في (أ): كونه.
(3) ـ ذكره في الأحكام 1/190.
(4) ـ انظر المنتخب وهو بالمعنى.(34/8)


وإيجابه في الركاز. منصوص عليه في (الأحكام) (1) و(المنتخب) (2) جميعاً، وقد تقدم الكلام فيه، وفي ذكر ما روي فيه، والمسألة وفاق.
فأما إيجاب الخمس فيما يصطاد في [البر، و](3) البحر والنهر، فوجهه أنَّه لم يفرق أحد بينه وبين القير والنفط /97/ والمغرة، فإذا ثبت وجوب الخمس في ذلك، ثبت وجوبه فيما يصطاد في البحر.
وروي عن علي عليه السلام فيما ذكره محمد بن منصور في كتابه أنَّه وضع على أجمة الْبَرْسِ أربعة آلاف كل سنة، وقد علمنا أنَّه لا شيء في الأجام يؤخذ عنه شيء إلاَّ السمك، فإذا ثبت أن السمك مأخوذ [منه](4)، فما قال أحد فيه إلاَّ بالخمس.
فإن قيل: لو كان ذلك مأخوذاً على سبيل الخمس لم يجز أن يقع عليه مقاطعة مقدرة.
قيل له: لا يمتنع ذلك إذا رآه الإمام صلاحاً، وعلم أن قدر المستحق من الخمس نحو من ذلك، وهو قياس على الدر، واللؤلؤ، والعنبر، والمعنى أنَّه يستخرج من البحر بتمول غالباً.
وإذا ثبت وجوب الخمس في صيد البحر، ثبت وجوبه في صيد البر؛ إذ لا أحد يفصل بينهما في ذلك.
مسألة [هل يخرج الخمس من العين أو القيمة؟]
قال: وكل ما وجب فيه الخمس أخرج منه، لا من قيمته، إلاَّ أن يكون شيئاً لا يمكن القسمة فيه، أو كانت القسمة تضره.
قال: ولو أن رجلاً أنفق مالاً في استخراج بعض ما يجب فيه الخمس، لزم في جميع ما يخرج، ولا يُنظر إلى ما أنفق(5).
ولو أن رجلاً وجد شيئاً مما يجب في الخمس، فباعه قبل أن يخرج الخمس، وجب على المشتري إخراج خمسه، ويرجع على البائع.
ولا يتكرر وجوب الخمس في شيء من الأموال.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/191، وهو بلفظ قريب وجعل الركاز كنوز الجاهلية.
(2) ـ انظر المنتخب 80 وهو بالمعنى.
(3) ـ سقط من (ب).
(4) ـ سقط من (أ) و (ب)، ونبه في الهامش على أنها نسخة.
(5) ـ في (أ): يتفق.(34/9)

133 / 138
ع
En
A+
A-