وقلنا: إن يوم الفطر إن جاز وهو معدم، ثم أيسر، فلا شيء عليه؛ لأن المر بصدقة الفطر تعلق باليوم، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أغنوهم في هذا اليوم))، فأشار إلى يوم الفطر.
وعن ابن عمر، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، فعلق الأمر باليوم، على أن المسألة وفاق، فلا وجه لتقصي الكلام فيها.
فصل
التبست لفظة ليحيى بن الحسين عليه السلام في (المنتخب) على بعض أصحابنا، فظن أنها تقتضي أن من ملك قوت عشرة أيام، فليس له أن يأخذ زكاة الفطر، وهذا غلط؛ لأن السائل سأله عمن يأخذ زكاة الفطر، ولا يخرجها، فقال: مجيباً له من لم يملك قوت عشرة أيام، فظن القرائ لذلك أن من له أخذ زكاة الفطر هو الذي لا يملك قوت عشرة أيام، وليس الأمر كذلك؛ لأن السائل لم يسأل عمن له أخذ زكاة الفطر مطلقاً، وإنما سأله عمن يجمع أمرين، أحدهما: أخذها. والثاني ترك إعطائها، فأجاب بأن الذي يجمع بين الأمرين هو الذي لا يملك قوت عشرة أيام.
وهذا القول الذي ذهب إليه بعض أصحابنا على سبيل الغلط، ليس له وجه يعتبر، وليس هو محفوظ عن أحد من أهل العلم، قال اللّه تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِيْنِ}، فعم، وقال: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّ هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، فعم ولم يخص بشيء منها من لا يجد قوت عشرة أيام.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أغنوهم في هذا اليوم))، فأشار إلى جملة الفقراء على أن هذا مما يبعد أن يرد به التكليف، وذلك أن هذه البلدان التي هي بلدان الريف، يقل فيها من لا يجد قوت عشرة أيام، فلو قلنا: إنَّه لا يعطى إلاَّ من لا يجد قوت عشرة أيام، لم يمكن إخراج صدقة الفطر لجميع من يلزمه سيما على مذهبنا، فإنا نوجبها على من يملك قوت عشرة أيام. فليت شعري من الآخذ لها.(33/14)


أول كتاب الخمس
كتاب الخمس
باب القول فيما يجب فيه الخمس
[مسألة هل يعتبر الحول والمقدار في الخمس؟]
كل ما يجب فيه /93/ الخمس يجب في قليله وكثيره(1)، ولا اعتبار فيه بالمقدار، ولا بحول الحول، ويجب الخمس في كل ما يُغْنَم من أهل الحرب، وأهل البغي.
وهذا كله منصوص عليه في (الأحكام)(2) .
ونص في (المنتخب) (3) على: أن الخمس إذا وجب في الشيء، وجب في قليله وكثيره.
والأصل في ذلك قول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ..} الآية، وفيه دلالة على أنَّ الغنائم فيها الخمس وفيه دلالة على أنه يجب في القليل والكثير، وأنه يجب حين يملك الْمُخَمَّس؛ لأن الاسم يتناول كل مغنوم، ويتناول كثيره وقليله، ولا يملك إلاَّ والخمس غير ملك للغانم بقوله: {فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ} فدل ذلك على وجوب تخميس الغنائم، وأن لا اعتبار فيها بالمقدار ولا بالحول.
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا فهد، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يزيد بن مَيْسَرة العقيلي، عن عبد اللّه بن سفيان، عن رجل من قومه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوادي القرى، فقلت: يا رسول الله، لمن المغنم؟ فقال: ((لله سهم، ولهؤلاء أربعة أسهم)). قلت: فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ فقال(4): ((لا حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه، فليس به أحق من أخيه)) (5).
__________
(1) ـ في نسخة: كل مال يجب فيه الخمس يجب في قليله وكثيره حين يملك.
(2) ـ انظر الأحكام 1/189 ـ 190 وهو بالمعنى، أو ما وجوب الخمس في ما غنم من أهل الحرب والبغي، فنص عليه في الأحكام 2/494 ـ 509.
(3) ـ انظر المنتخب 81 ـ 82.
(4) ـ في (أ): قال.
(5) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/229، وفيه عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين.(34/1)


فدل ذلك على أن الخمس مأخوذ من جميع المغنم من غير اعتبار مقدار وزمان، ألا ترى أن السائل عرَّف المغنم بالألف واللام؟ وذلك يدل على الجنس، ويقتضي العموم.
وروى محمد بن منصور، عن أحمد بن عيسى، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد (بن علي)(1)، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((في الركاز الخمس))، ولم يشترط فيه المقدار، ولا الحول، فوجب في قليله وكثيره، وحين يوجد؛ لأن الألف واللام يدلان على الجنس؛ فهو على القليل والكثير.
فأما أهل البغي فالخلاف بيننا وبين مخالفينا في أنها تغنم، أم لا، فأما إذا ثبت أنها تغنم، فلا خلاف [في](2) أنها تَخَمَّس، ويدل على ذلك قول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ..} الآية.
مسألة [فيمن قتل قتيلاً هل له سلبه؟]
قال: ولو جعل الإمام لرجل سلبَ عدو إن قتله، فقتله، استحق سلبه، ووجب فيه الخمس.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (3).
والدليل على وجوب الخمس قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ [وَلِلرَّسُولِ](4)..} الآية، وهذا من الغنيمة، فوجب فيه الخمس.
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم حين سئل لمن المغنم؟ فقال: ((لله سهم، ولهؤلاء أربعة أسهم))، فعم السائل المغنم.
فإن قيل: روي عن عدة من القاتلين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاهم سلب القتلى، ولم يُرْوَ أنَّه أخذ منها الخمس.
وروي عن عوف بن مالك أنَّه قال: قلت لخالد بن الوليد يوم مؤتة: ألم تعلم أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يُخَمَّس السلب؟ فقال: نعم.
__________
(1) ـ سقط من (ب).
(2) ـ سقط من (ب).
(3) ـ انظر الأحكام 2/502.
(4) ـ سقط من (أ).(34/2)


قيل له: أما ما روي أنه أعطى عدة من القاتلين السلَب، ولم يُروَ أنَّه أخذ منها الخمس، فإنه يحتمل(1) أن يكون أخذ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الخمس منها، ولم يُروَ، كما أنَّه لم يرو في كثير من الحديث ما الذي جُعِل سلباً، وما الذي لم يُجعل سلباً، ولم يرو أنَّه جعله للقاتل مع تقدم قوله عند اللقاء من قتل قتيلاً فله /94/ سلبه، أو كان ذلك بغير تقدم هذا القول منه صلى الله عليه وآله وسلم، فلما جاز ترك رواية سائر ما ذكرنا، لم يمتنع أن يكون تُرِك رواية أُخِذ الخمس، وإن كان قد أخذ، ويحتمل ـ أيضاً ـ أن يكون ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ترك الخمس على القاتل على سبيل التنفيل، فلا يدل ذلك على أنَّه غير واجب.
وأما قول عوف بن مالك لخالد بن الوليد: ألم تعلم أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يخمس(2) السلب، فقال(3): نعم، فهو ـ أيضاً ـ لا يدل على أنَّه لا يجب الخمس؛ لأنه لا يمتنع أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم ترك ذلك على سبيل التنفيل، فإذا احتمل ما ذكرناه، دلت الآية والخبر الذي اعتمدناه على أن السلب يخمس كسائر الغنائم.
وروى الطحاوي بإسناده عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن ابن عباس، قال: كنت جالساً عنده، فأقبل رجل من أهل العراق، فسأله(4) عن السلب، فقال: ((السلب من النفل، وفي النفل الخمس)) (5)، فدل ذلك على أنَّه أوجب الخمس فيه، ولم يُروَ عن أحد من الصحابة خلافه.
__________
(1) ـ في (أ): محتمل.
(2) ـ في (أ): لم يخمس ترك السلب.
(3) ـ في (ب): قال.
(4) ـ في (أ): سأله.
(5) ـ أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/230، ومنه حدثنا يونس وربيع المؤذن، قالا: قال: حدثنا بشر بن بكر: حدثني الأوزاعي.(34/3)


فإن قيل: روي أن البراء بن مالك لما قتل المرزُبان بلغ سلبه ثلاثين ألف درهم، فقال عمر: ((إنا كنا حين نسلب لا نخمس الأسلاب، وأن سلب البراء قد بلغ مالاً، ولا أرانا إلاَّ خامسيه))، فقُوم ثلاثين آلاف درهم، ودفع إلى عمر ستة آلف، فدل قوله: إنا كنا لا نخمس الأسلاب، على أنَّه رأى أن أخذ الخمس منها غير واجب.
قيل له: هذا لا يدل على ما ذكرت؛ لأن عندنا أن للإمام أن ينفل، فيجوز أن يكون ترك الخمس منها على سبيل التنفيل، وَأَخْذه الخمس من سلب المرزبان دال على وجوب أخذه؛ لأنَّه لو لم يجب أخذه، وكان القاتل قد استحقه، لم يجز أخذه، فالأخذ يدل على أنَّه رآه واجباً لولاه لم يكن يجوز أخذه، وتركه لا يدل على أنه لم يكن واجباً، إذ جائز أن يكون تركه على سبيل التنفيل، فإذا ثبت ذلك، ولم يرو أن أحداً أنكره، جرى مجرى الإجماع بين الصحابة، والقياس يدل على أن في السلب الخمس، وذلك أنَّه مقيس على سائر الغنائم، والمعنى أنَّه مال استحقه المسلم على العدو بالغلبة، فكل مال هذه سبيله يجب أن يخمس.
فإن قيل: سبيل السلب سبيل ما يأخذه الإنسان على عمله كالأجرة وما جرى مجراها، فلا يجب أن يخمس.
قيل له: إنَّه وإن شَابَهَ العوض على العمل، فليس هو بأجرة صحيحة، وسبيله سبيل الغنائم؛ لأن سائر الغنائم ـ أيضاً ـ تصير للغانمين على سبيل العوض على أعمالهم، ألا ترى أن من لم يحضر الوقعة، لا يضرب له في الغنيمة بسهم، ومع ذلك يجب فيه(1) الخمس، فكذلك يجب أن يكون حكم السلب.
مسألة [في إخراج الخمس من الأموال التي تجنى من أرض الخراج أو الأرض التي أخذت صلَّى]]
__________
(1) ـ في هامش (ب) في بعض النسخ ما لفظه: ((ومع ذلك يجب له حقه من الخمس)) معناه أن القاتل يجب له السلب دونهم وهم أسوة في خمسه وخمس غيره، أعني من يستحق الخمس ممن لم يحضر الوقعة. تمت
وكذلك في هامش (أ) إلا أنه قال في الخمس: وخمس غيره.(34/4)

132 / 138
ع
En
A+
A-