وأخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا ابن الشروشاني، قال: حدثنا الحسين بن علي بن الربيع، قال: حدثنا ابن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن سعيد، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي عليه السلام، قال: إذا زادت الإبل على العشرين والمائة، فيجب إذاً أن يستقبل بها الفريضة، [فبالحساب، استقبل بها الفريضة].
وأخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا ابن الشروشاني، قال: حدثنا أبو حاتم، قال: حدثنا أبو نفيل، قال: حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، في الإبل، قال: إذا كانت إحدى وستين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، ثم ترجع الفريضة إلى أولها.
وروي عن شريك بن مخارق، عن طارق، قال: خطبنا علي عليه السلام، قال: (والله ما عندنا كتاب نقرأُه، إلاَّ كتاب اللّه، وهذه الصحيفة)، قلنا: وما فيها؟ قال: (أسنان الإبل، أخذتها من رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم).
وروي عن ابن عمر، قال: بعث علي عليه السلام إلى عثمان بصحيفة فيها كتاب يقول: مر سعاتك يعملوا بما فيها، فإن فيها سنن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فكان فيما روي في ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام وجهان من الدلالة:
أحدهما: أنَّه إذا قال قولاً، وجب أتباعه.
والثاني: إن هذين الخبرين دَلاَّ على أنَّه أخذ صدقات الإبل عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون الموقوف عنه في هذا الباب كالمسند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فثبت بما ذكرناه من هذه الآثار صحة ما نذهب إليه من القوم باستئناف الفريضة.
فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ((فإذا كثرت الإبل))، وفي بعض الأحاديث ((فإذا زادت الإبل على المائة والعشرين، ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون)).(28/5)


قيل له: المراد به هو المأخوذ من الزائد على المائة والعشرين، وهو الذي نذهب إليه؛ لأن الزائد إذا كان أربعين، وجبت فيه ابنة لبون، فإذا كان خمسين، وجب فيه حقة، والغرض في هذا القول هو التنبيه على أن حكم الفرض بعد العشرين ومائة حكم الابتداء لا يتغير، على أنا لو لم نقل بهذا التأويل، لم يكن استعمال الأخبار كلها، ووجب أن يسقط خبر الاستئناف، فبان به صحة تأويلنا.
فإن قيل: كيف يسوغ لكم أن تقولوا في أربعين ابنة لبون، وفي خمسين حقة، وابنة لبون تجب في ست وثلاثين، وحقة تجب في ست وأربعين.
قيل له: كون ابتداء وجوب ابنة لبون في ست وثلاثين لا يمنع أن تكون هي الواجبة في الأربعين؛ لأن وجوبها يستمر إلى خمس وأربعين، وكذلك كون ابتداء وجوب الحقة في ست وأربعين لا يمنع أن تكون هي الواجبة في خمسين؛ لأن وجوبها يستمر إلى ستين.
وهذا نحو ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن عمر، قال: كتب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كتاب الصدقة ثم ذكر فيه: ((فإذا زادت الغنم على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى مائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياة إلى ثلاث مائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة))، قال: فإذا زادت على المأتي واحدة ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة وإن كانت ثلاث شياة هي الواجبة إلى أربعمائة.
فإن قيل: روي عن يونس عن الزهري، قال: هذه نسخة كتاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم التي كتب في الصدقة، وأقرأنيها سالم، وفيه: فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون.(28/6)


قيل له: الأخبار الواردة في هذا الباب وردت باللفظ الذي قدمناه، وهذا الراوي يجوز أن يكون اعتقد أن أقل الزيادة واحدة، وكان قد سمع فإذا زادت الإبل ففي كل أربعين ابنة لبون، فرواه بالمعنى الذي اعتقدوه، دون اللفظ الذي سمع؛ فإذا زادت الإبل، ففي كل أربعين ابنة لبون. فرواه بالمعنى الذي اعتقده دون اللفظ الذي سمع؛ إذ سائر الأخبار ليس فيها ذكر الواحدة ولا فيها ذكر ثلاث بنات لبون، وقد قيل: إن هذا اللفظ لم يروه غير يونس عن الزهري، على أنَّه قد روي ما يعارض هذا الحديث، عن عمرو بن حزم، عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أن في كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب عمرو: ((أن صدقة الإبل إذا زادت على عشرين ومائة، فليس فيما دون عشرين ومائة شيء، حتى تبلغ ثلاثين ومائة، فيكون فيها حقة وابنتا لبون))، فهذا الحديث يمنع تغير الفرض بالواحد، والحديث الأول يوجب تغيره بالواحد، فوجب أن يكونا متعارضين، وإذا تعارضا سقطا، وسلم لنا خبر الاستئناف.
فإن قيل: هذان الخبران يعارضان خبركم.
قيل له: خبرنا أولى بالإستعمال؛ لأنَّه لا يوجب تغيير الفرض المتقدم، وأخبارهم تقتضي تغييره، على أن الفرض الثابت لا يوجب نقله إلاَّ بالتوقيف أو الاتفاق، فإذا عدم الاتفاق ولم يثبت التوقيف للتعارض الحاصل بين الأخبار وجب إبقاؤه، وإذا وجب إبقاؤه فلا قول بعده، إلاَّ القول باستئناف الفرض.
ويدل على ذلك فساد قول من أوجب تغيير الفرض بزيادة الواحد، أن الواحد الزائد لا يخلوا من أن يكون عفواً، أو يكون الوجوب فيه وفيما قبله، فإن كان عفواً، فيجب أن لا يتغير الفرض المتقدم؛ ولأن أصول الزكوات أجمع مبنية على أن العفو لا يغير الفرض، أو يكون الوجوب فيه، وفيما قبله، فإذ كان كذلك وجب أن تكون ابنة لبون تجب في كل أربعين، ثلث من الإبل، وهذا خلاف السنة التي تعلقوا بها، فلا بد لهم من مخالفة خبرهم، أو مخالفة أصول الزكوات.(28/7)


فإن قيل: ليس فيه مخالفة الأثر، وإن قلنا: إن الواجب فيه وفي الأصل كما قلتم أنتم في كل أربعين ابنة لبون، وإن كان وجوبها في ست وثلاثين.
قيل له: إذا وجبت ابنة لبون في ست وثلاثين، ولم يتغير الفرض إلاَّ في ست وأربعين فلا شك أن فرض الأربعين ابنة لبون، فكان ما قلناه في هذا الباب صحيحاً، فإذا كان مذهبكم أن ابنة لبون تجب في أربعين وثلث، لم يصح أن تقولوا في كل أربعين ابنة لبون، وجرى الفساد مجرى أن تقولوا: إنها تجب في ثلاثين، وإن كان لا تجب إلاَّ في ست وثلاثين.
ويدل على ذلك من طريق النظر أنَّه لا خلاف في أن ابنة لبون والحقة تتكرر في صدقات الإبل، فوجب أن تتكررابنة مخاض والجذعة، والمعنى أنها أسنان صدقة، وكل سن لصدقة الإبل يجب أن يتكرر في بعض الأحوال، وإذا ثبت فلا قول معه إلاَّ قولنا.
وبهذه العلة نحتج على أبي حنيفة في الجذعة؛ لأن الجذعة عنه لا تتكرر.
فإن قيل: فقولكم يؤدي إلى مخالفة أصول ما ثبتت عليه صدقات الإبل، وذلك أن كل زيادة يتغير بها حكم الصدقات هي زيادة واحدة، وقلتم فيما زاد على عشرين ومائة لا يتغير حتى تكون الزيادة خمساً.
قيل له: عن هذا الوجه أجوبة:
أحدها: أن في ابتداء فريضة الإبل لم يتغير حكم الفرض إلا بخمس؛ لأن في خمس من الإبل شاة، ولا تجب شاة ثانية إلاَّ بزيادة خمس، فلم يجب على هذا أن يكون قولنا خارجاً عن الأصول.
والثاني: أنا لا نغير حكم الفرض الأول، بل يبقى الفرض على حاله، ونوجب بالخمس الزائدة من الإبل شاة، فلا يجب أن يكون ذلك خروجاً عن الأصول؛ لأن ما ذكروه في أصول زكاة الإبل إنما وجب حيث كان الفرض يتغير دون الموضع الذي يقضى فرض الحول على حاله.
والجواب الثالث: أن هذا كلام في العبارة دون المعنى؛ لأن لنا أن نقول: إن في أربع وعشرين ومائة حقتين، فإذا زادت على ذلك واحدة، وجب الشياة مع الحقتين.(28/8)


وإن قلنا بالعفو عن الأوقاص وهو الأصح عندنا، قلنا: إن في إحدى وتسعين حقتين وثلاث وثلاثون عفو، فإذا صارت مائة وخمساً وعشرين وجبت الشاة مع الحقتين، وكل ذلك يبطل ادعاءهم علينا أن قولنا يؤدي إلى مخالفة الأصول.
فصل
قال: أبو العباس الحسني رحمه اللّه في (كتاب النصوص): روى أصحاب القاسم عليه السلام عنه في من له خمسة فصلان، أن يؤخذ منا واحد، إلاَّ أن يكون أفضل من شاة فيخير ربها فيهما.
فدل ذلك على أن رب الإبل لو أعطى عن خمس من الإبل بعيراً أخذ منه.
وكذلك من كان له إبل عجاف معيبة، فأعطى واحداً من خمس منها أخذ منه.
والأصل في ذلك ما:
رواه أبو داود في السنن بإسناده عن عمارة بن عمرو بن حزم، عن أبي بن كعب، قال: بعثني رسول اللّه مصدقاً فمررت برجل فقلت له: أدِّ ابنة مخاض فإنها صدقتك. فقال: ذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها. فقلت: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به، وهذا رسول اللّه منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت عليَّ، فافعل. فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر قصته، وقال: قد جئتك يا رسول اللّه بها فخذها. فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: ((ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك اللّه فيه وقبلناه))، وأمر رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بقبضها ودعا له.(28/9)

110 / 138
ع
En
A+
A-