ووجهه أنَّه مبني على وجوب الضم، فإذا ثبت ذلك، فلا أحد قال به إلاَّ قال بجواز أخذ بعضه عن بعض؛ ولأنهما في التزكية قد صارا كالجنس الواحد، فوجب أن يجوز إخراج بعضه عن بعض؛ ولأن أموال التجارة لما وجب فيها الضم جاز أن يخرج عنه كل واحد من الذهب أو الفضة، فكذلك الذهب والفضة؛ إذ قد وجب فيهما الضم.(27/43)
باب القول في زكاة المواشي
مسألة
قال أحمد بن الحسين ـ رحمه الله ـ: لا زكاة في الماشية، إلاَّ أن تكون سائمة، فأما العوامل من الإبل والبقر المعلوفة، وكذا المعلوفة من الشاء، فلا زكاة فيها.
وذلك منصوص عليه في (الأحكام)، وإليه ذهب عامة الفقهاء، وكان مالك يوجبها في العامل.
واستدل يحيى بن الحسين عليه السلام لذلك بما رواه زيد بن على، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام ، قال: ((عفا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عن الإبل العوامل تكون في المصر، عن الغنم تكون في المصر، فإذا رعت وجبت فيها الزكاة)).
وروى أبو بكر الجصاص بإسناده عن ليث، عن طاووس، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ليس في البقر العوامل صدقة))، وفي كتاب أنس الذي كتبه له أبو بكر: هذه فريضة الصدقة التي فرضه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين، هي التي أمر اللّه بها نبيه، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه))، وفيه ((وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين شاة شاة، فدل ذلك على أن غير السائمة لا زكاة فيه؛ لأنه قال: ((ومن سئل فوقها فلا يعطه)).
وروى محمد بن منصور بإسناده عن علي عليه السلام، قال: ليس في الإبل النقالة صدقة)).
فإن قيل: روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم [أنه] قال: ((في خمس من الإبل شاة))، وعمومه يجب في السائمة وغيرها.
قيل له: قوله ((في خمس من الإبل شاة))، يقتضي خمساً ما، وليس في ما يقتضي العموم، على أنَّه لو كان عاماً لخصه ما ذكرناه من النصوص.(28/1)
فإن قاسوا المعلوفة على السائمة؛ بعلة أنَّه حيوان يجري في جنسه الزكاة، عارضناهم بقياس العوامل على عبيد الخدمة؛ بعلة(1) أنَّه حيوان يرتبط للاستعمال، ونرجح علتنا بأموال التجارة، فأنها متى جعلت للقنية، لم يلزم فيها الزكاة، ونرجحها ـ أيضاً ـ بما وجدناه في الأصول من أن لا زكاة في الخيل التي تكون للركوب، وفي البغال، وفي الظباء، وبقر الوحش لما كانت غير مرصدة للنماء، فكذلك ما اختلفنا فيه، وليس يعترض ذلك إيجابنا الزكاة في الحلي، فإن الحلي كالورق، والسبائك في أن التبائع به ممكن، وطلب النماء به متأت، كما يتأتى في الورق والسبائك، على أن الناضح كانت كثيرة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روي أن عثمان، وعبد الرحمن بن عوف كانت لهما نواضح كثيرة، ولم يرو أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الزكوات منها، وليس يلزم على ذلك الخضراوات، وقول من يقول: إنَّه لم يرو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ منها الصدقة؛ لأنها كانت قليلة بمكة والمدينة، ولعل الرجل الواحد لم يكن يبلغ ماله من الخضراوات حداً تلزم فيه الزكاة.
مسألة
قال: ولا زكاة في الإبل حتى تبلغ خمساً، فإذا بلغت خمساً ففيها شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياة، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حقه، وفي إحدى وستين جذعه، وفي ست وسبعين ابنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة، ثم تستأنف الفريضة بعد ذلك بالغة ما بلغت ما ذكرناه في فريضة الإبل إلى عشرين ومائة.
منصوص عليه فيه في (الأحكام) و(المنتخب)، ومروي في (الأحكام) عن القاسم عليه السلام النيروسي عنه في خمس وعشرين خمس شياة، فإذا زادت واحدة فبنت مخاض، وروي نحوه عن علي عليه السلام، إلا أن يحيى عليه السلام ضعف هذه الرواية عنه ولم يصححها، وكذلك سائر أهل العلم ضعفوها.
__________
(1) ـ في نسخة: على.(28/2)
والرواية الصحيحة عنه ما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، أنَّه قال: ((في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض))، ونسق فريضة الإبل من أولها إلى عشرين ومائة على ما ذكرناه في كتاب أبي بكر الذي كتب لأنس الذي يقول في أوله هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فريضة الإبل إلى عشرين ومائة، على ما ذكرناه.
وروى ابن أبي شيبة بإسناده نحوه عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب كتاب الصدقة فقرنه بسيفه أو قال بوصيته، ونسق فيه فريضة الإبل على ما ذكرناه إلى عشرين ومائة.
وأخبرنا أبو العباس الحسني رضي اللّه عنه، قال: أخبرنا عيسى بن محمد العلوي، قال: حدثنا الحسين بن القاسم القلانسي الكوفي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن جعفر العلوي، عن عمه علي بن الحسين، عن أبي هاشم المحمدي، قال: حدثني أبوك الحسين بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي بن الحسين، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب لعمرو بن حزم: ((بسم اللّه الرحمن الرحيم ـ فذكر ما يخرج من صدقة الإبل ـ إذا كانت أقل من خمس وعشرين، ففي كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها بنت مخاض، فإن لم يجد بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا كانت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين، ففيها ابنة لبون، فإذا كانت ستاً وأربعين إلى أن تبلغ ستين، ففيها جدعة، فإذا كن أكثر من ذلك، ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين، فإذا كانت أكثر من ذلك إلى أن تبلغ عشرين ومائة، ففيها حقتان، فإذا كانت أكثر من ذلك، فخذ من كل خمسين حقة.
فأما ما ذكرناه من استقبال الفريضة بعد العشرين والمائة، فهو منصوص عليه في (المنتخب).(28/3)
وقال في (الأحكام): فإذا كثرت الإبل، ففي كل خمسين حقة، فكان أبو العباس الحسني رحمه اللّه يلفق بين الروايتين، ويقول: إن الأصل استئناف الفريضة، ويحمل قوله في (الأحكام): فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة، على أن المراد به الزائد على المائة وعشرين، ووجوب الحقة في ست وأربعين إلى ستين، ليس يمنع وجوبها في خمسين.
واختلف أهل العلم إذا زادت الإبل على المائة والعشرين، فذهب مالك إلى أن الفرض لا يتغير حتى تكون الزيادة عشراً، فإذا كانت الإبل مائة وثلاثين، ففيها حقة وابنتا لبون.
وذهب الشافعي إلى أن الفرض يتغير بزيادة الواحد، فإذا صارت الإبل مائة وعشرين وواحدة، فيها ثلاث بنات لبون.
ومذهبنا هو استئناف الفريضة، ولا يزاد في الفرض عندنا حتى يكون الزائد خمساً، فإذا كانت الإبل خمساً وعشرين ومائة كان فيها حقتان وشاة. وهو مذهب أبي حنيفة، وهو قول أمير المؤمنين علي عليه السلام وابن مسعود.
والحجة فيه ما:
أخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا ابن الشروشاني، قال: أخبرنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: قلت لقيس بن سعد خذ لي كتاب عمرو بن حزم فأعطاني كتاب، أخبرني فيه أنَّه أخذه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتبه لجده، فقرأته وكان فيه: فإذا كانت أكثر من ذلك ـ يعني تسعين ـ ففيها حقتان إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، وما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل.
وروي عن عبد الرزاق، عن معمر عن عبدالله بن أبي بكر، عن أبيه، عن جده، عن عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((إذا كانت الإبل مائة وعشرين، ففيها حقتان، فإذا كانت أكثر من ذلك، فاعدد في كل خمس شاة، وفي كل خمسين حقة)).(28/4)