رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، أنَّه قال: (ليس فيما دون عشرين مثقالاً من الذهب صدقة، فإذا بلغ عشرين مثقالاً، ففيه نصف مثقال، وما زاد فبالحساب).
وروى محمد بن منصور بإسناده، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي عليه السلام، وأبو بكر بن أبي شيبة، بإسناده، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي عليه السلام، أنَّه قال: ((ليس في أقل من عشرين ديناراً شيء، وفي عشرين ديناراً نصف دينار، وفي أربعين ديناراً دينار)).
وفي بعض ما روى محمد بن منصور عنه عليه السلام أنَّه قال: ((ليس في تسعة عشر مثقالاً زكاة، فإذا كانت عشرين مثقالاً ففيها ربع العشر))، على أنَّه لا خلاف في أن للدراهم نصاباً، فوجب أن يكون للذهب نصاب، والمعنى أن كل واحد منهما يقول به المتلفات غالباً، أن يقاس على سائر ما تجب فيه الزكاة من المواشي وغيرها؛ والعلة أنَّه مال يجب في عينه الزكاة، فوجب أن يكون له نصاب في نفسه، فأما إذا بلغ عشرين مثقالاً، فلا خلاف أن فيه الزكاة، إلا ما روي عن الحسن البصري أنَّه قال: لا زكاة فيه حتى يبلغ أربعين ديناراً، وقد روي ـ أيضاً ـ عنه أنَّه قال: في عشرين ديناراً نصف دينار. وروى القولين أبو بكر بن أبي شيبة عنه، فوجب أن يتعارضا، فكأنه لم يرو عنه شيء فاستقر الإجماع فيما قلناه.
وأما الفضة فلا خلاف أنَّه لا زكاة فيها حتى تبلغ مائتي درهم.
والأصل في ذلك ما:
أخبرنا به أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا حسين بن نصر، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس في ما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة)).(27/33)
وأخبرنا أبو بكر، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا يزيد بن سنان، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا محمد بن مسلم، قال: حدثنا عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا صدقة في شيء من الزرع، أو الكرم، حتى تبلغ خمسة أوسق، ولا في الرقة حتى تبلغ مأتي درهم)).
وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه، قال: قال رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا بلغ المال مائتي درهم ففيه خمسة دراهم)).
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: ((ليس فيما دون المائتين من الورق صدقة، فإذا بلغت مائتين، ففيها خمسة دراهم)).
وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن زكرياء، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي عليه السلام، قال: ((إن لم يكن لك إلاَّ تسعة وتسعين ومائة فليس فيها زكاة)).
وأما الزيادة قول الناصر عليه السلام فيها مثل قولنا، وهو قول القاسم عليه السلام. وعند جعفر لا زكاة في الزيادة، حتى تبلغ أربعين درهماً. وهو قول أبي حنيفة.
والحجة فيه عموم ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قول: ((في الرقة ربع العشر)). وروي في حديث أيوب بن جابر، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((هاتوا ربع العشر في كل أربعين درهماً درهم، وليس فيما دون المائتين شيء، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم، وما زاد فبحساب ذلك)).
وفي حديث زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: ((إذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فبالحساب)).(27/34)
فإن قيل: ما روي عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((هاتوا ربع العشر من كل أربعين درهماً درهم، وليس فيما دون المائتين شيء))، دليل على أن الزائد على المائتين ليس فيه شيء حتى يكون أربعين درهما؛ لأنَّه عليه السلام ذكر المأتي وما دونها على الإنفراد، فدل ذلك على أن قوله: ((من كل أربعين درهماً درهماً))، المراد به فيما زاد على المأتيين.
قيل له: المراد بيان المقدار، وبيان أن الأوقية أربعون درهما، دون أن يجعل ذلك نصاباً؛ إذ كان قد روي ((لا زكاة فيما دون خمس أواق))، فإذا كان ما ذكرنا محتملاً، لم يجب أن يحمل على الوجه الذي ذكره.
يدل على صحة هذا التأويل أن علياً عليه السلام روى هذا الحديث وأفتى أن الزائد على المأتين فيه الزكاة بحسابه، لا يجوز أن يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول بخلاف، فدل على أنَّه عليه السلام عرف من تأويل الحديث ما ذكرناه.
فإن قيل: روي عن معاذ بن جبل أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا يأخذ من الكسور شيئاً، فإذا بلغ الورق مأتي درهم أخذ خمسة دراهم، ولا يأخذ مما زاد حتى يبلغ أربعين درهماً فيأخذ درهماً.
قيل له: لا يمتنع أن يكون ما في الحديث من قوله: ((إذا بلغ الورق مأتي درهم أخذ خمسة دراهم، ولا يأخذ مما زاد حتى يبلغ أربعين درهماً))، قول الراوي؛ إذ ليس فيه ما يدل على أنَّه في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل فيه ما يدل على أنَّه من قول الراوي؛ لأنَّه حكاية قول معاذ، ألا ترى أنَّه قال: فإذا بلغ الورق كذا أخذ كذا، وهذا لأن يكون قول الراوي أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يأمر ويحكم، فأما حكاية فعل الصحابي فالأشبه أن يكون من قول الراوي عنه.(27/35)
ويحتمل ـ أيضاً ـ أن يكون المراد به أنَّه لم يكن يأخذ درهما كاملاً إلا إذا بلغ أربعين، فيكون الغرض بيان أن مقدار المأخوذ لا يتغير كما يتغير في زكاة المواشي، هو مقيس على زكاة ما أخرجت الأرض في أنَّه لا عفو له بعد أن يبلغ الحد الذي تجب فيه الزكاة بالإجماع بعلتين:
إحداهما: أنَّه لا ضرر في وقوع الاشتراك ودخول الكسر في الموجب.
والثانية: أن مقدار المأخوذ لا يتغير بعد النصاب.
يبين صحة هاتين العلتين أن ما يضر الاشتراك ودخول الكسر في موجبه، وأن ما يتغير مقدار المأخوذ بعد النصاب، يجب أن يكون له عفو بعد النصاب، وما لا يحصل له الوصفان لا يجب أن يكون له عفو بعد النصاب، فبان أن الحكم يتعلق بعلتنا، ويوجد بوجودها، فصار قياسنا يترجح على قياسهم الورق على المواشي؛ بعلة أن لابتداء زكاتها نصاباً؛ لأن مثل هذا الاعتبار لا يوجد في قياسهم على أن قياس ما ليس بحيوان على ما ليس بحيوان أولى من قياس ما ليس بحيوان على الحيوان، على أن قياسنا يتضمن الاحتياط والإثبات، فصار أولى.
مسألة
قال: ولو نقص من الذهب عن عشرين مثقالاً مقدار حبة، أو من الفضة عن مأتي درهم ذلك القدر، لم تجب فيه الزكاة.
وهذا منصوص عليه في (المنتخب)، وهو قول عامة العلماء.
وحكي عن مالك أنَّه قال: تجب الزكاة فيه إذا جازت جواز الوازنة..
والأصل فيه:
حديث أبي سعيد الخدري، قال: قال رسل اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((ليس فيما دون خمسة أواق صدقة)).
وحديث جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا صدقة في الرقة حتى تبلغ مأتي درهم))، وقد ذكرنا إسناد هذين الخبرين قبل هذه المسألة.
وروى ابن أبي شيبة، عن جعفر، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يكون في الدراهم زكاة حتى تبلغ خمس أواق)).
وعن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي عليه السلام أنَّه قال: ((ليس فيما دون مائتي درهم صدقة)).(27/36)
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، أنَّه قال: ((ليس فيما دون المأتين من الورق صدقة))، فكل ذلك يحقق صحة ما نذهب إليه من أن مع نقصان القليل والكثير عن النصاب لا تلزم الزكاة.
و ـ أيضاً ـ ما نقص مقدار حبة مقيس على ما نقص درهماً أو أكثر لا خلاف في أنَّه إذا كان كذلك لم يلزمه في الزكاة؛ والعلة أنَّه قاصر عن النصاب.
فإن قيل: إذا جاز جواز الوازنة فلا فرق بينه وبين الوازنة، فوجب أن تلزم فيه الزكاة.
قيل له: قولكم: إذا جاز جواز الوازنة لا يخلوا من أن يكون المراد به أنَّه يجوز جواز الوازنة على طريق المسامحة، وهذا لا يختلف باليسير والكثير، أو لا على طريق المسامحة فلا معنى له؛ لأن من كان حقه مائة درهم لا يجبر على أن أخذ مائتي درهم إلاَّ حبة، كما لا يجبر على أخذ مائتي درهم إلاَّ درهماً، فبان سقوط ما اعتمده في هذا الباب، على أنَّه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يجوز ذلك في الربا، ولا خلاف أنَّه لا يجوز.
فإن قيل: نقصان حبة وزيادة حبة قد يقع في التفاوت بين الميزاني، فوجب أن لا يكون له مدخل في الاعتبار، وإذا لم يجب الاعتبار به لم تسقط الزكاة من أجله ألا ترى أنَّه لما وقع بين صاعين فضل حبة أو حبتين لم يعتبر ذلك في الأوسق، فكذلك ما اختلفنا فيه.
قيل لهم: هذا الذي اعتمدتموه لا معنى له؛ لأنَّه قد يقع التفاوت بين الميزانين بمقدار درهم أو نحوه، ولا خلاف في أن الاعتبار به واجب على أن ذلك لو كان كذلك، لجاز ذلك في الربا ولأجبر صاحب الحق على أن يأخذ ما نقص من حقه ذلك القدر.
فأما ما ذكروه في الحبة والحبتين في المكيال فإنما لم يعتبر ذلك؛ لأن بذلك القدر لا يمكن أن يعلم الفضل أو النقصان في الكيل على الحقيقة، وليس كذلك حال الميزان؛ لأن بذلك القدر يعلم زيادة الوزن ونقصانه، فوجب الفرق بينهما.
مسألة
قال: ولو كان في الذهب أو الفضة رديء لم تسقط الزكاة، إلاَّ أن يكون ستوقاً، أو ما كان في حكمه.(27/37)