قال القاسم عليه السلام، وكذلك القول في صداق المرأة يكون على زوجها.
وكل ذلك منصوص عليه في (الأحكام)(1)، وما حكيناه عن القاسم عليه السلام منصوص عليه في (مسائل النيروسي).
ولم يفصل أصحابنا بين أن يكون الدين على مليء، أو معسر، مقر أو منكر، وأي دين كان.
ووجهه أنَّه لا خلاف في من كان له دين على مقر واجد، وكان عن ثمنٍ ما تجب فيه الزكاة أن صاحبه إذا استوفاه، زكاه لما مضى من السنين. فوجب ذلك في سائر الديون.
والمعنى أنَّه حق ثابت في الذمة، فوجب أن يكون سبيله سبيل ما ذكرنا.
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنَّه كان يقول : ((زك الدين الذي لك)).
وروى محمد بن منصور، عن محمد بن جميل، عن إبراهيم بن ميمون، عن جرير، عن منصور، عن الحكم، عن علي عليه السلام، قال: ((إذا كان لك، أو لرجل دين سنين، ثم قبضه، فليؤد زكاته لما مضى من السنين)).
فإن قيل: روى محمد بن منصور ـ بإسناده في كتاب الزكاة ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ليس على من أقرض مالاً زكاة)).
قيل له: يحتمل أن يكون المراد به ما دام قرضاً، وكذلك نقول: إنَّه لا يلزم أداء الزكاة حتى يرجع إليه.
وقلنا: إلاَّ أن تنقصه الزكاة عن النصاب؛ لأن الزكاة عندنا تستحق في عين المزكى، وإذا استُحق، خرج المستحق عن ملك صاحبه، وسنبين الكلام في مسألة تأخير الزكاة.
مسألة [في زكاة الحلي والمراكب والأواني]
قال: والزكاة واجبة في الحلي، والمراكب، وأواني الذهب والفضة.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام) و(المنتخب)(2)، وهو مذهب زيد بن علي عليه السلام، وروي ـ أيضاً ـ عن الناصر، وروي عنه ـ أيضاً ـ أنَّه لا زكاة في الحلي.
__________
(1) . انظر الأحكام 1/191.
(2) . انظر الأحكام 1/189 والمنتخب 73.(27/13)


وروى أبو بكر(1) بن أبي شيبة مثل قولنا عن عمر بن الخطاب، وعبدالله بن شداد، وعبدالله بن عمرو، وهو المروي عن ابن مسعود، وعن جابر بن زيد.
والدليل على ذلك قول اللّه تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهْمْ صَدَقَةً /9/ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهُمْ بِهَا}[التوبة: 103] وهذا عام في جميع الأموال، فوجب أن تكون الحلي داخلاً فيها، وقوله عزَّ وجل: {وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ..} الآية.
وقد روي أن المراد به الزكاة.
قال أبو داود في (السنن): حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا عباد، عن ثابت بن عجلان، عن عطاء، عن أم سلمة، قالت: ((كنت ألبس أوضحاً من ذهب فقلت: يا رسول اللّه أكنز هو؟ فقال: ((ما بلغ أن تؤدى زكاته، فزكي، فليس بكنز)).
وروى أبو داود، وغيره، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعها بنت لها، في يد ابنتها مسكتان من ذهب غليظتان، فقال: ((أتعطين زكاة هذه ))؟ فقالت: لا. قال: ((أيسرك أن يسورك اللّه بهما يوم القيامة سوارين من نار)). فدل ذلك على وجوب زكاة الحلي.
فإن قيل: يجوز أن يكون المراد بالتزكية الإعارة، فقد روي ذلك.
قيل له: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي))، دليل على أن المراد به ليس هو الإعارة؛ لأن الإعارة لا تتعلق بالنصاب، وإنما يتعلق بها الزكاة المعهودة.
__________
(1) . انظر المصنف 2/332.(27/14)


وقوله: في الخبر الثاني: ((أتعطين زكاة هذا))، ـ أيضاً ـ يدل على أنَّه أراد إعطاء غيرها؛ لأن زكاتها ليست هي، والإعارة تكون إعطاءها نفسها، فبان أن المراد به هو الزكاة (التي نذهب إليها دون الإعارة، على أن الزكاة)(1) التي نذهب إليها دون الإعارة، على أن الزكاة إذا أطلقت في الشريعة، فإنها تفيد إخراج المال على وجه مخصوص دون الإعارة،، والواجب في ألفاظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تحمل على المعهود في الشريعة دون ما سواه إلاَّ بدليل، على أن الإعارة غير واجبة بالإجماع، فإذاً ما اقتضى الخبر إيحابه ليس هو الإعارة، فاقتضى ظاهر ما ذكرناه أن يكون المراد به التزكية دون الإعارة.
وروى أبو بكر الجصاص بإسناده، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله، أن زينب الثقفية امرأة عبدالله سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن لي طوقاً فيه عشرون مثقالاً، أفأؤدي زكاته؟ قال: ((نعم، نصف مثقال)). قالت: فإن في حجري بني أخ لي أيتام أجعله ـ أو أضعه ـ فيهم؟ قال: نعم.
وهذا صريح فيما ذهبنا إليه لا يحتمل التأويل.
ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم :((في الرِّقة ربع العشر))، وليس لهم أن يمنعوا من إجراء اسم الرقة على الحلي؛ لأنَّه اسم جنس الفضة.
ومما يدل على ذلك أنَّه لا خلاف في النقرة، والسبائك، وفي أواني الذهب والفضة، أن الزكاة تجب فيها، فكذلك (في)(2) الحلي، والعلة أنه جنس الأثمان التي يدور عليها البياعات (عاماً)(3).
ويمكن أن تقاس على المضروب؛ بعلة أنَّه جوهر يجري في جنسه الزكاة، أو(4) بأنه ذهب وورق.
وقياسهم على الإبل العوامل بعلة أنَّه غير مرصد للنماء منتقض بالسبائك والنقرة، على أنَّه لو سلم لكان قياسنا أولى؛ لأنَّه قياس الجنس على الجنس؛ ولأنه يفيد، ويوجب شرعاً.
مسألة [في زكاة مال اليتيم]
__________
(1) . ما بين القوسين سقط من (أ) و (ب).
(2) . سقط من (ب).
(3) . سقط من (أ) و (ب).
(4) . في (أ) و (ب): وبأنه.(27/15)


والزكاة واجبة في مال اليتيم.
وهذا(1) منصوص عليه في (الأحكام)(2)، وبه قال: أحمد بن عيسى، والقاسم بن إبراهيم عليهم السلام.
قال محمد بن منصور: سمعت القاسم عليه السلام ينفي الزكاة في مال اليتيم، ثم سمعت جعفر بن محمد يروي عنه أنه قال: ((في مال اليتيم زكاة (3))) فكأنه هو قوله المرجوع إليه.
وقال محمد، زيد ابنا علي بن الحسين عليهم السلام: ((لا زكاة فيه))(4).
ويدل عليه قول اللّه تعالى: {وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ /10/ وَالْفِضَّةَ..} الآية. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((في الرقة ربع العشر))، . وقوله: ((في أربعين شاة شاة، وفي خمس من الإبل شاة))، وغيرها من الظواهر؛ إذ لم يخص ملكاً من ملك، فاقتضى عمومها وجوب الزكاة في مال الصبي كوجوبها في مال البالغ.
وروى الحسن بن سفيان بإسناده، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس فقال: ((من ولى يتيماً له مال، فليتجر له فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة)).
فدل ذلك على أن فيه الزكاة؛ إذ لو لم تجب فيه الزكاة لم يكن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((تأكله الصدقة))، معنى.
وروى محمد بن منصور، عن علي بن منذر، عن ابن فضيل، قال: حدثنا أشعث، عن حبيب، عن الصلت المكي، عن ابن أبي رافع، قال: كنا أيتاماً في حجر علي عليه السلام، وكان يزكي أموالنا، فلما دفعها إلينا وجدناها ناقصة. فقلنا له: يا أبا الحسن، مالنا ناقص. فقال: ((احسبوا زكاته)). فحسبنا زكاته، فوجدناه كاملاً، فقال: ((أترون أنَّه كان عندي مال يتيم فلا أزكيه)).
وروى محمد بن منصور بإسناده، عن حسين بن عبدالله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: ((يزكى مال اليتيم)).
__________
(1) . في (أ): وهو منصوص.
(2) . انظر الأحكام 1/191.
(3) . في (أ) و (ب): زكاته.
(4) . في (ب): عليه.(27/16)


وروى(1) ابن أبي ليلى، عن علي عليه السلام (مثله)(2).
وروى محمد بن منصور، عن علي بن منذر، عن وكيع، عن إسرائيل، عن عبدالعزيز، عن مجاهد، قال: قال عمر: ((ابتغوا في أموال اليتامى قبل أن تستهلكها الزكاة)).
وروي مثل قولنا عن ابن عمر، وعائشة، فجرى ذلك مجرى الإجماع منهم.
فإن قيل: روي عن ابن مسعود أنَّه قال: توقف زكاة مال اليتيم إلى أن يبلغ، ثم يُعَرَّف فإن شاء أخرج لما مضى من السنين، وإن شاء ترك.
قيل له: قول عبدالله لا يدل على أنَّه لم ير الزكاة، بل يدل على أنَّه رأى أن يجعل إخراجها إلى الصبي إذا بلغ؛ لأنَّه قال: يوقف، ويعرف اليتيم إذا بلغ، فلو كان لا زكاة، في ماله لكان لا معنى لقوله: يوقف ويعرف.
وقوله: إن شاء أخرج، وإن شاء ترك محمول على أن المراد التغليظ دون التخيير(3) مثل قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف:290] ليكون موافقاً لصدر كلامه، ولمذهب سائر الصحابة.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ((رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم))، فوجب بهذا الظاهر نفي الزكاة عن ماله؛ لأن إيجابها ينافي رفع القلم.
قيل له: نحن لا نوجب عليه شيئاً، وإنما نوجب على الولي إخراج الزكاة من مال اليتيم، يبين ذلك أن الولي هو الذي يستحق المأثم بأن لا يخرجها دون اليتيم.
وكذلك الجواب عن قولهم: الصبي لا تكليف عليه. فإن الخطاب لا يتوجه عليه، يكشف ذلك أن أروش الجنايات والنفقات وزكاة العشور تلزم في مال من لا تكليف عليه.
__________
(1) . في (أ) و (ب): وعن.
(2) . ساقط من (أ).
(3) ـ في (أ) و (ب): التخفيف.(27/17)

103 / 138
ع
En
A+
A-