قيل له: التخصيص لخبركم بخبرنا أولى؛ إذ هو بموضع الخلاف أخص؛ لأن فيه بيان الوقت الذي يجب فيه الإخراج، وفيه تنازعنا، وخبركم فيه بيان المقدار المأخوذ فقط، فصار استعمالنا أولى من استعمالكم.
فإن قاسوها على صدقة العشر، قسناها على الزكاة في الحول الثاني؛ بعلة أنها زكاة تتكرر(1)، فوجب أن يراعى فيها الحول، ويمكن أن يقاس الحول على النصاب؛ بعلة أنَّه أحد شرطي الزكاة المتكررة، على أن المسألة وفاق؛ إذ قد انقرض فيها الخلاف بعد ابن عباس، فلم يحفظ فيها خلاف عن أحد إلى زمان الناصر (ع)، والخلاف(2) إذا انقرض في زمان، لم يصح القول به، على أن الذي نذهب إليه هو قول أمير المؤمنين، رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام.
مسألة [في المال المستفاد في بعض الحول هل تجب منه الزكاة]
قال: ولو أن رجلاً ملك النصاب في أول الحول، ثم استفاد إليه في بعض الحول شيئاً من جنسه، لزمه عند رأس الحول إخراج الزكاة عن الأصل والمستفاد جميعاً سواء كان ذلك عيناً أو غيره.
وذلك منصوص عليه في (الأحكام)(3) .
والدليل على ذلك قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيْهِمْ بِهَا}[التوبة: 103] فاقتضى عموم قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} وجوب الأخذ من الفائدة والأصل جميعاً.
وقوله: ((في خمس من الإبل شاة، ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشراً، فإذا بلغت عشراً، ففيها شاتان))، فأوجب الزكاة في الزيادة على سبيل الإطلاق غير مقيد بشرط، فوجب ما ذهبنا إليه.
يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((وفي خمس وعشرين ابنة مخاض، إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة، ففيها بنت لبون))، ولم يشترط أن تكون الزيادة في أول الحول أو آخره، فاقتضى ما ذهبنا إليه.
__________
(1) . في (أ): تكررت.
(2) . في (أ) و (ب): فإذا.
(3) . انظر الأحكام 1/201.(27/3)
ويدل على ذلك ما: روي عن عاصم بن ضمرة، عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صدقة المواشي، أنَّه قال: ((يُعدُّ صغيرها وكبيرها))، وَعدُّ الصغير يقتضي أنه يعتد به قبل الحول.
وروي عن عمر أنَّه قال للمتصدق: ((عِد عليهم السخلة، وإن راح بها الراعي على كفه)).
وروي عن جابر بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ((اعلموا من السنة شهراً تؤدون فيه زكاة أموالكم، فما حدث من مال بعده، فلا زكاة فيه حتى يحول رأس السنة)) وذلك لا يكون إلاَّ بأن لا يعتبر حول الفوائد؛ لأنَّه لو اعتبر لكل فائدة حولها، لم يجب أن يكون وقت الأداء وقتاً واحداً، بل كان يجب أن(1) تختلف أوقاته بحسب اختلاف أوقات الفوائد.
فإن قيل: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول))، يقتضي /4/ أن الفائدة لا يجب زكاتها، إلاَّ بأن يحول حولها.
قيل له: المراد الحول(2) هو حول الأصل، ألا ترى أنَّه معرَّف بالألف واللام، وهما للعهد، وليس يمتنع أن يقال: إن حول الأصل قد حال على الأصل والفائدة؛ لأن حول الحول اسم لوقوع آخر جزء من الحول. يبين ذلك أنك تقول: (اليوم)(3) حال الحول على مالي(4) ، والمراد به وقوع آخر جزء منه، وإذا كان ذلك كذلك، كان هذا الخبر ملائماً لمذهبنا؛ لأنا لا نوجب الزكاة في الفائدة إلاَّ بأن يحول عليها الحول، إلاَّ أنا نعتبر بحول(5) الأصل دون حولها، وليس في الخبر ما يوجب أن الاعتبار يجب أن يكون بحولها، و ـ أيضاً ـ لا(6) خلاف في أن السخال تضم إلى الأمهات، فتزكى مع الأمهات بحولها، فكذلك سائر الفوائد؛ والعلة أنها زيادة مال في حول على نصاب من جنسه.
__________
(1) . في (ب): أنه.
(2) . في (أ) و (ب): بحول الحول.
(3) . ساقط من (أ).
(4) . في (أ): مال.
(5) . في (أ): حول.
(6) . في (أ): فلا.(27/4)
فإن قيل: ليست العلة في ضم السخال إلى الأمهات ما ذكرتم، وإنما العلة فيها أنها من الأمهات، فوجب الحق فيها من طريق السراية.
قيل له: هذه علة لا تتعدى موضع الوفاق، على أنها لا تدافع علتنا، فلو قلنا بهما جميعاً لم يكن علينا معتَرض، وـ أيضاً ـ لا خلاف بيننا وبين الشافعي ـ وهو المخالف في هذه المسألة ـ أنَّه لا معتبر بنصاب الفائدة، وإنما المعتبر بنصاب الأصل، فوجب أن يكون الحول كذلك قياساً عليه؛ والعلة أن كل واحد منهما سبب وجوب الزكاة.
فإن قاسوها على الأصل، أو على الفائدة من غير جنسه، كان قياسنا أولى؛ لاستناده إلى الظواهر التي ذكرناها؛ ولأن قياس الفائدة على الفائدة أولى من قياسها على الأصل؛ ولأن قياس المتجانسين أولى من قياس المختلفي الجنس، على أنَّه لا خلاف بيننا وبينهم أن من ملك مأتي درهم أشهراً، ثم اشترى عروضاً للتجارة، فصارت قيمتها يوم استكمال حول المأتين ثلاثمائة درهم أنَّه يزكى العرض بقيمته، وهذا يشهد لعلتنا، ويبين أن حكم الفوائد يجب أن يكون حكم الأصل.
مسألة [في زكاة المال المفقود]
قال: ولو أن رجلاً ضاع منه مال بسرقة، أو غيرها في بلد المسلمين، فغاب عنه سنين، لزمه أن يخرج زكاته متى ظفر به للسنين المتقدمة، وإن غلب عليه المشركون في دار الحرب، فبقي في أيديهم سنين، ثم ظفر به صاحبه، لم يلزمه زكاة لما مضى من السنين.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام) و(المنتخب)(1) . ويدل على ذلك قول اللّه تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيْهِمْ بِهَا}[التوبة: 103] وقوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}[البقرة: 267]. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((في خمس من الإبل شاة)). فلم يشترط في شيء من ذلك ملك اليد، فعموم ما ذكرناه يقتضي وجوب الزكاة في الأموال، سواء كانت في يد مالكها، أو كانت خارجة عن يده.
__________
(1) . انظر الأحكام 1/202 ، 203، وانظر المنتخب 74.(27/5)
وروى محمد بن منصور، عن علي بن صفوان، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: حدثنا أشعث، عن ابن سيرين، قال: حُدِّثْنَا أن علياً عليه /5/ السلام سئل عن المال الغائب يكون لرجل أيؤدي زكاته؟ قال: (نعم. ما يمنعه)؟ قال: لا يقدر عليه. قال: (فإذا قدر عليه، فليزك ما غاب عنه).
فإن قيل: فهلاَّ قلتم إنَّه يؤخذ عنها الزكاة، وإن لم يظفر بها؛ لأن الظواهر لم تستثن تلك الحال؟
قيل له: خصصناها بدلالة الإجماع، وبما رويناه عن علي عليه السلام، وـ أيضاً ـ قد ثبت أن ملكه كما كان لم يتغير، وأن المال مما تجب فيه الزكاة، وليس لهم أن يعترضوا هذه العلة بأن الزكاة لا تؤخذ عنها قبل أن يظفر بها؛ لأنا عللنا لإيجاب الزكاة، والإيجاب حاصل، إلاَّ أن وقت إخراجها هو حين الظفر بها.
فإن قيل: إنَّه إذا اغتصب عليه كان صاحبها ممنوعاً من ابتغاء نمائها، فأشبه المعلوفة.
قيل له: هذا لا يوجب إسقاط الزكاة، ألا ترى أن رجلاً لو حبس، ومنع التصرف (في ماله)(1) لم تسقط الزكاة عنه لما ملك، وكذلك لو سافر هو، وغاب عن المال(2) غيبة لا يمكنه معها التصرف، لم تسقط زكاة ماله، وكذا عندنا المحجور عليه للدين، والصبي، والمجنون.
وبهذا(3) الذي ذكرناه يسقط قول من يقول أنَّه يوجب نقصاً في الملك؛ لأنَّه ممنوع من التصرف فيه.
وقلنا: إن ما غلب عليه المشركون في دار الحرب إذا رجع إلى صاحبه لم يزكِّ(4) لما مضى من السنين؛ لأن ملك المالك يكون قد زال عنه، وصار ملكاً لمن اغتصبه؛ لأن الملك في دار الحرب يكون بالغلبة فقط، يبين ذلك أن أهل الحرب إذا اغتصب بعضهم أموال بعض، ثم أسلموا، خُلِّي كل إنسان منهم وما في يده.
__________
(1) . سقط من (أ) و (ب).
(2) . في (أ): عن الزمن.
(3) . في (ب) و (ب): هذا.
(4) . في (أ): لم يزكه.(27/6)
والأصل في ذلك قول اللّه تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِيْنَ الَّذِيْنَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ}[الحشر:8] فوصفهم اللّه تعالى بأنهم فقراء، مع أنهم كانت لهم أموال في دار الحرب، فلو كان استيلاء الكفار عليها لا يوجب تملكهم وخروجها(1) عن أن تكون ملكاً للمهاجرين، لم يسمهم اللّه تعالى الفقراء(2) ؛ لأن الفقير على الحقيقة من لا يملك، أو يملك الشيء اليسير، ومثله لا يعبر عنه بالأموال.
ويدل على(3) ذلك ما:
أخبرنا به أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة، أن رجلاً أصاب له العدو بعيراً، فاشتراه رجل منهم، فجاء به، فعرفه صاحبه، فخاصمه إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ((إن شئت، اعطه ثمنه وهو لك، وإلا فهو له)).
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا عبيد الله، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن خلاس، عن علي عليه السلام، قال: ((من اشترى ما أخذه العدو فهو جائز)).
وأخبرنا المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: حدثنا ابن المبارك، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب، أن عمر قال فيما أحرزه المشركون، فأصابه المسلمون، فعرفه صاحبه، قال: ((إذا(4) أدركه قبل أن يقسم، فهو له، وإن جرت فيه السهام، فلا شيء /6/ له.
فكل ذلك يحقق أن ما أحرزه المشركون يصير ملكاً لهم، فلذلك قلنا: إن صاحبه إن(5) ظفر به بعد سنين، لم يزكِّ لما مضى من السنين؛ لأن سبيله يكون سبيل مال مستفاد لتجدد الملك عليه.
__________
(1) . في (أ): أخرجوها.
(2) . في (أ) و (ب): فقراء.
(3) . في (أ) و (ب): عليه.
(4) . في (أ) و (ب): فإن أدركه.
(5) . في (أ) و (ب): إذا.(27/7)