باب القول في الدفن
ينبغي للمسلمين أن يلحدوا لموتاهم، إلاَّ أن يكون المكان غير محتمل للحد فيضرح، ويكره أن يبسط للميت في قبره شيء، وكذلك التزويق وإدخال الآجر فيه، ولا بأس بالقصب واللبن، وكذلك التطيين، وطرح الرضراض من(1) فوقه؛ ليمتاز من غيره.
قال القاسم عليه السلام: ويكره التجصيص، وكذلك التسقيف، قال: ويستحب أن يدخل الميت إلى القبر من جهة رأسه، توضع الجنازة عند موضع الرجلين من القبر، ويسل الميت سلاً، ويحرف وجهه إلى القبلة تحريفاً، ويوسد من بعض قبره، إما تراباً وإما نشزاً من اللحد يعمل، ولا يوسد غير ذلك.
قال: وقال القاسم عليه السلام: ولا يدفن الجماعة(2) في قبر واحد، إلاَّ من ضرورة، فإن دعت الضرورة إلى ذلك، حجز بينهم بحواجز من التراب.
قال: ويستحب للرجل أن يحثي على القبر ثلاث حثيات من التراب، ويستحب تربيع القبر، وهو أحب إلينا من التسنيم، ولا بأس به.
قال: وقال القاسم عليه السلام /248/ في من يموت في البحر ولا يتمكن من دفنه في البر: إنه يغسل، ويكفن، ويعصب، ثُمَّ يرسب في البحر.
وذلك كله منصوص على بعضه في (الأحكام) وبعضه في (المنتخب)(3) وبعضه في (مسائل النيروسي).
وقلنا: إنَّه يلحد لموتى المسلمين؛ لما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحفر له قالوا: أنلحد أم نضرح؟
فقال علي عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( اللحد لنا، والضرح لغيرنا ))، فلحد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وروي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللحد لنا، والشق لغيرنا )).
وقلنا: إنَّه يضرح عند الضرورة إذا لم يمكن غيره.
__________
(1) سقط من (ب): من.
(2) في (ب): جماعة.
(3) انظر الأحكام 1/161، 162، 163. والمنتخب ص68.(26/1)


وقلنا: إنَّه يكره أن يبسط للميت في قبره شيء؛ لأنَّه إضاعة مال؛ ولأنه لا يواري به، فلا غرض فيه.
وكرهنا التزويق، وإدخال الآجر، والتجصيص، والتسقيف؛ لأنَّه زينة الدنيا. ولما روى أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تجصصوا القبور، ولا تبنوا عليها".
ولم نكره التطيين، وطرح الرضراض فوقه؛ ليتميز عن غيره؛ لأنَّه لا يتميز إلاَّ بذلك، والسنة تمييز القبور.
وروى محمد بن منصور بإسناده، عن جعفر، عن أبيه، قال: رفع قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حصباء العرصة.
وقلنا: يدخل الميت من جهة رأسه إلى القبر، ويسل سلاً، ويحرف وجهه إلى القبلة؛ لما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جنازة رجل من ولد عبد المطلب فأمر بالسرير، فوضع من قبل رجلي اللحد، ثُمَّ أمر به فسل سلاً، ثُمَّ قال عليه السلام: (( ضعوه في حفرته على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، وقولوا: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تكبوه لوجهه، ولا تلقوه لقفاه )). فلما ألقي عليه التراب، حثى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث حثيات من تراب، ثُمَّ أمر بقبره فربع، ورش عليه قربة من ماء. وفي حديث حصين بن عامر أن أبا ذر حين أوصى إليّ فقال لي: يا حصين، إذا أنا مت، فافعل بي كذا وكذا، وسلني سلاً، وربع قبري تربيعاً.
وقلنا: إنَّه يوسد بعض قبره، إما تراباً، وإما نشزاً؛ ليستوي رأس الميت، وليبقى مستقبل القبلة، ولا يزول عن موضعه، ولا يدور.(26/2)


وقلنا: لا تدفن الجماعة في قبر واحد إلاَّ من ضرورة، فإن دعت الضرورة إلى ذلك، حجز بينهم بحواجز من التراب؛ لأن السنة جارية في أن يدفن كل واحد في قبره على حدة، وأجزنا أن يدفن الجماعة في قبر واحد للضرورة؛ لما روي أن يوم أحد أصاب الناس فيه جهد شديد، فشُكِيَ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (( احفروا، وأوسعوا، وأحسنوا، وادفنوا في القبر الاثنين والثلاثة )).
وقلنا: إنَّه يحجز بينهم بحواجز من التراب؛ ليكون كل واحد منهم قد ووري.
وقلنا: إنَّه يستحب أن يحثى في القبر ثلاث حثيات من التراب؛ لما روي في حديث زيد بن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حثى ثلاث حثيات.
وروى محمد بن منصور بإسناده، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله /249/ صلى الله عليه وآله وسلم: (( من حثى في قبر أخيه ثلاث حثيات، كفر الله عنه ذنوب عام )).
وقلنا: إنَّه يستحب تربيع القبر؛ لما في حديث زيد بن علي عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حثى ثلاث حثيات، أمر بالقبر فربع.
وروي أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم ربع قبر ابنه إبراهيم عليه السلام بيده.
وروي أنَّه ربع قبر حمزة عليه السلام بيده، وهما إلى الآن مربعان.
وفي حديث حصين بن عامر أن أبا ذر رحمه الله قال لي: (( ربع قبري تربيعاً )).
واختلف في قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمن الناس من قال: إنَّه مسنم، ومنهم من قال: إنَّه مربع.
وقلنا: في من يموت في البحر، ولا يتمكن من دفنه في البر أنَّه يغسل، ويكفن، ويعصب، ثُمَّ يُرسَّب في البحر؛ لأنَّه لا يمكن غيره، وهو أقرب ما يتأتى في مواراته؛ ولأنه لو لم يفعل به، لنتن وتغير وتأذى الناس به.(26/3)


باب القول في كيفية وجوب الزكاة
[مسألة: في شروط وجوب الزكاة]
تجب الزكاة في أصول الأموال بحصول الشرطين:
أحدهما: النصاب.
والثاني: حلول الحول.
إلاَّ ما أخرجت الأرض، فإن الزكاة تجب فيه عند بلوغه وإدراكه، ولا بد فيه من التقدير.
وتقدير(1) جميع ما تجب فيه الزكاة لا يعدو أن يكون. [1] بالوزن نحو ما يقدر به الذهب والفضة. [2] أو العدد نحو ما يقدر به المواشي من الإبل والبقر والغنم.
[3] أو الكيل، نحو ما يقدر به ما يكال مما أخرجت الأرض.
[4] أو القيمة، نحو ما يقدر به أموال التجارة وما جرى مجراها، وما لا يكال مما أخرجت الأرض.
وقد نص في (الأحكام)(2) و(المنتخب) على تفاصيل هذه الجملة، وفيها خلاف من وجهين:
أحدهما: ما ذهب إليه بعض الفقهاء أن زكاة ما أخرجت الأرض تجب في قليله وكثيره، وسنذكر الكلام فيه على ما يجب في باب زكاة ما أخرجت الأرض.
والثاني: ما كان يذهب إليه الناصر للحق الحسن بن علي عليه السلام في أن الزكاة تجب في المال المستفاد يوم يستفاد، وقد حُكي هذا القول عن ابن عباس.
وسائر فقهاء أهل البيت عليهم السلام وغيرهم مجمعون على خلاف ذلك.
والأصل فيه ما:
أخبرنا به أبو العباس الحسني رحمه الله، قال: أخبرنا أبو زيد العلوي، قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوفي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن جعفر العلوي، عن عمه علي بن الحسين، عن أبي هاشم المحمدي، قال: حدثني أبو الحسن بن علي (بن عمر بن علي) عن أبيه، عن جده، (عن علي بن الحسين)(3) ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)).
__________
(1) . في (ب): بتقدير.
(2) . انظر الأحكام 1/170 ـ 195 والمنتخب 69/94.
(3) . ساقط من (ب) و (أ).(27/1)


وروى الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو بكر يحيى بن موسى، قال: حدثنا هارون بن صالح الطلحي، قال: حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((من استفاد مالاً، فلا زكاة عليه(1) حتى يحول عليه الحول)).
وروى الحسن بن سفيان بإسناده، عن عمر، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه. وروي غيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه.
وروى محمد بن منصور، عن جعفر بن محمد (بن عبد السلام)(2) ، عن أبي خلف الأحمر، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي عليه السلام، قال: ((ليس في مال زكاة حتى يحل عليه الحول)).
فإن قيل: المراد به المال الذي قد زكي.
قيل له: عمومه يقتضي أن لا زكاة في شيء من الأموال، زكي أو لم يزك، حتى يحول عليه الحول.
فإن قيل: فأنتم توجبون الزكاة في الزيادة على النصاب، وإن لم يحول عليها الحول.
قيل له: نحن لا نوجب الزكاة فيها، إلاَّ بأن يحول عليها الحول، إلاَّ أن الحول المراعى هو حول الأصل دون حول الزيادة، ألا ترى أنا لا نوجب فيها الزكاة يوم حصولها، وإنما نراعي انقضاء حول الأصل، فلم نخرج من ظاهر الخبر.
فإن قيل: فما أخرجت /3/ الأرض، فإن الزكاة تجب فيه حين حصوله من غير مراعاة الحول.
قيل له: هذا مخصوص من الخبر بقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: 141].
فإن قيل: فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((في الرِّقَة ربع العشر))، يقتضي وجوبها في أعم الأحوال.
قيل له: فهو مخصوص بقوله: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)).
فإن قيل: ليس تخصيصكم خبرنا بخبركم أولى من تخصيصنا خبركم بخبرنا.
__________
(1) . في (أ): فلا زكاة عليه فيه.
(2) . سقط من (أ) و (ب).(27/2)

100 / 138
ع
En
A+
A-