وأخبرنا أبو الحسين عبد اللّه بن سعيد البروجردي، قال: حدثنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمد البغوي، قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب، قال: حدثنا سوار، عن مطرف، عن أبي الجهم، عن البراء، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما أكل لحمه فلا بأس ببوله )).
وقد ذكرنا في صدر هذا الكتاب بإسناده: ما رواه عبد اللّه بن الحسن بن الحسن عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّه قال: (( كل شيء يجتر فلحمه حلال، ولعابه حلال، وسؤره وبوله حلال )).
وأخبرنا أبو العباس الحسني، قال: حدثنا أبو أحمد الأنماطي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز المكي، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، عن حماد، عن قتادة وحميد وثابت، عن أنس، أن أناساً من عرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( اشربوا من أبوالها وألبانها )) يعني الإبل.
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا أبو بكرة، قال: حدثنا عبد اللّه بن بكر، قال: حدثنا حميد، عن أنس، قال: قدم ناس من عرينة على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، فاجتووها، فقال: (( لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها ))، قال: وذكر قتادة أنَّه حفظ عنه أبوالها(1).
وأخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن عثمان النقاش، قال: حدثنا الناصر للحق الحسن بن علي، عن محمد بن منصور، قال: حدثنا أحمد بن عيسى، عن الحسين بن علوان، عن أبي خالد الواسطي، عن زيد بن علي، عن علي عليهم السلام في الإبل، والبقر، والغنم، وكل شيء يحل أكله، فلا بأس بشرب ألبانها وأبوالها، ويصيب ثوبك.
وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا حسين بن نصر، قال: حدثنا الفريابي، قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا جابر، عن محمد بن علي عليه السلام قال: لا بأس بأبوال الإبل والبقر والغنم.
__________
(1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/107، بلفظه.(2/40)
وأخبر أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا حسين بن نصر، قال: حدثنا الفريابي، قال: حدثنا سفيان، عن عبد الكريم، عن عطاء، قال: كل ما أكل لحمه فلا بأس ببوله.
فقد روينا ما رُفع إلينا من أخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم المصرِحة بطهارة بول ما يؤكل لحمه.
ورويناه عن علي عليه السلام، ومن مذهبنا أن علياً عليه السلام إذا قال قولاً، وجب علينا(1) إتباعه، على أنه لم يُروَ عن غيره من الصحابة خلافه.
وهذا كثير من الناس يجعله مثل إجماع الصحابة، ثم قد رويناه عن التابعين، عن محمد بن علي الباقر، وعن عطاء.
ومثل هذا لا يجب أن يُعتَرض عليه بما يعترضه المخالف من عموم يتعلق به، أو قياس يورده، لأن من حكم العموم أن يخص بما ذكرناه، ومن حكم القياس أن لا يقابل به(2) ما أوردناه.
فأحد ما يتعلقون به من العموم ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين، فقال: (( إنهما ليُعَذَبان، وما يعذبان في كبير، إن أحدهما كان لا يتنزه عن البول، والآخر كان يمشي بالنميمة )).
قالوا: والبول يقتضي الجنس لدخول الألف واللام.
وهذا الحديث أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن اليمان، قال: حدثنا محمد شجاع، قال: حدثني القاسم، ويحيى بن آدم، عن وكيع عن الأعمش، قال: سمعت مجاهداً يقول عن طاووس، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين، فقال: (( إنهما ليُعَذَبان وما يُعذَبان في كبير، أحدهما كان لا يستبرئ، أولا يستنزه من بوله، والآخر كان يمشي بالنميمة ))، شك أبو عبد الله.
فهذا كما تَرى ورد خاصاً في بول الإنسان، فليس له عموم يتعلق به، على أنَّه قد روي ماله عموم.
__________
(1) سقط من (ب): علينا.
(2) سقط من (ب): به.(2/41)
روى أبو بكر الجصاص في كتابه المسمى (بشرح مختصر الطحاوي)، حديثاً يرفعه إلى عمار بن ياسر رضوان الله عليه، قال: مر بي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا أغسل ثوبي من نخامة، فقال: (( إنما تغسل ثوبك من البول، والغائط، والمذي، والماء الأعظم، والدم، والقيء )).
فإن تعلق به متعلق، أو بما رواه أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (( أكثر عذاب القبر من البول ))، خصصناه بالأخبار التي قدمنا، لأن من مذهبنا بِناء العام على الخاص.
وليس لأحد أن يقول: إنَّا نرجح خبرنا بالحظر، لأن ذلك يكون بعد التساوي، فأما إذا كان خبرنا خاصاً وخبرهم عاماً فلا يجب ذلك، بل يجب تخصص أخبارهم بأخبارنا.
فإن قيل: الذي ورد في العُرنيين، إنما هو على سبيل التداوي، وعلى سبيل الضرورة، فليس يدل على طهارة أبوال الإبل.
قيل له: هذا زيادة في الخبر لم يتضمنه الخبر، والصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (( أنَّه منع من التداوي بالخمر لما كانت نجسه محرمة ))، فلو كانت أبوال الإبل كذلك لمنع التداوي بها.
أخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ربيع المؤذن، قال: حدثنا يحيى بن حسان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال أبو جعفر: وحدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن طارق بن سويد الحضرمي، قال: قلت يا رسول الله، إن بأرضنا أعناباً نعتصرها، أفنشرب منها؟ قال: (( لا )). فراجعته، فقال: (( لا )). فقلت: يا رسول الله، إن نستشفي بها من المرض. قال: (( ذلك داءٌ، وليس بشفاء ))(1).
وروي عن عبد اللّه بن مسعود، أنَّه قال: (( لم يجعل اللّه شفاءكم فيما حرّم عليكم ))(2).
فبان أن تعلقهم بما تعلقوا به لاوجه له.
__________
(1) أخرجه في شرح معاني الآثار 1/108، بلفظه.
(2) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/109.(2/42)
والمعتمد في هذا أنَّه لم يثبت قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الترخيص للضرورة، وإنما ذلك ادعاء هؤلاء القوم، على أن سائر ما رويناه عنه عليه السلام يدل على أن ذلك لم يُبَحْ للضرورة.
وقد قاسوه على الروث؛ بعلة الاستحالة، وذلك لا معنى له لوجهين(1):
أحدهما: أنَّه ينتقض باللبن، لأن الاستحالة حاصلة في اللبن كحصولها في البول والروث.
والثاني: أن الأصل غير مُسلَّم لهم، لأنا لا نُنجّس أرواث ما يؤكل لحمه كما لا ننجس أبوالها.
وقد نص عليه يحيى عليه السلام في (الأحكام)(2) في مسألة الصلاة في أعطان الإبل.
على أن ما أخبرنا به أبو الحسين علي بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن اليمان، قال: حدثنا محمد بن شجاع، قال: حدثنا شريح، عن إسماعيل بن علية، عن يونس، عن الحسن، عن عبد اللّه بن المغفل، قال: (( كنا نؤمر أن نصلي في مرابض الغنم، ولا نصلي في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين )).
فدل على أنَّه لا فصل بين أرواثها وأبوالها، لأنَّه من المعلوم أن مرابض الغنم لا تخلو من أرواثها كما لا تخلو من أبوالها.
وربما قاسوها على أبوال سائر الحيوانات، وربما قاسوها على دمائها.
ونحن نقيسها على ألبان ما يؤكل لحمه؛ بعلة أنَّه خارج مائع معتاد من حيوان يؤكل لحمه من مخرج معتاد، فيجب أن يكون طاهراً كاللبن، ويمكن أن نقيسها على لعاب ما يؤكل لحمه بهذه العلة، ثم نرجح علتنا باستنادها إلى الظواهر التي ذكرناها.
قال: فأما بول مالا يؤكل لحمه فلا خلاف في تنجيسه، وقد ورد فيه من الأخبار ما ذكرنا في بول ما لا يؤكل لحمه، فلا طائل في إعادته.
مسألة [ في ماء البحر ]
وماء البحر طهور.
وقد نص عليه في (المنتخب)(3).
__________
(1) في (ب) و(ج): من وجهين.
(2) ذكره في الأحكام 1/119.
(3) ذكره في المنتخب ص23، ثم نفى الخلاف بين آل الرسول في ذلك.(2/43)
وهذا مما لا خلاف فيه، إلاَّ ما يروى عن عبد اللّه بن عمر، والإجماع المنعقد بعده يَحُجُّه، وكذلك المشهور من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في البحر: (( هو الطهور ماؤه، والحل ميتته )).
مسألة [ في موت ما لا نفس له سائلة في الماء ]
ولا ينجس الماء أن يموت فيه ما لا نفس له سائلة كالذباب ونحوه.
وهذا قد نص عليه في كتاب الأطعمة من (الأحكام)(1)، وهو مذهب عامة الفقهاء.
واستدل يحيى عليه السلام:
بما أخبرنا به أبو الحسين علي بن إسماعيل، قال: حدثنا الناصر للحق الحسن بن علي عليهما السلام، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا أحمد بن عيسى، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام، قال: (( أُتِيَ رسول اللّه اله صلى الله عليه وآله وسلم بجفنة قد أَدمت، فوجد فيها خنفساه أو ذبابة فأمر به فطرح ، ثم قال: سموا وكلوا فإن هذا لا يحرم شيئاً )).
فلما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه لا يحرم شيئاً،كان ذلك عاماً في حال حياته وحال موته، في المائعات غيرها.
__________
(1) ذكره في الأحكام 2/402. وهو هنا بالمعنى.(2/44)