وحكم ولد المشرك كحكم أبيه عند من يرى نجاسة الأب، فإذا بلغ حكم عليه لأجل اعتقاده.
ومن نجس فمه لم يأكل ولم يشرب حتى يغسله، فإن لم يتمكن من غسل فمه طهر فمه بمرور يوم وليلة قياساً على أفواه البهائم.
وجلود ذبائح الكفار نجسة لا تطهر بالدباغ وهي كالميتة ويجوز الانتفاع بها من غير ترطيب.
وفي دار ومحلة تمشي فيها الكلاب وغيره، فيصيب الإنسان من وحلها شيء إن الاعتبار بالكثرة والقلة وظهور النجاسة كوقوع النجاسة في الماء؛ لأن التراب أحد الطهورين، وإذا كان في ذيل الفرس نجاسة من بوله أو روثه وغمسه في الماء الكثير ورش به إنساناً كان نجساً.
وإزالة النجاسة واجبة على من تمكن قبل كل شيء، والمعتبر في تنجيس الطين بالزبل وشبهه أن يغلب عليه بحيث يظهر فيه ويتغير به الطين كما نقول في تغيير الماء الكثير سواء للخبر في ذلك.
وما يحكى في خبر قيس بن عاصم من استعمال السدر، وفي خبر غيره في الجنابة ((أمطه عنك بإذخره)) فأراد صلى الله عليه المبالغة في إزالة معظمه لدفع مضرة الاستقذار؛ لأنهما غير مزيلين بالإجماع على انفرادهما، ولو كان متعبداً بإزالة العين لوجب قطع الموضع.
فإن قيل: فيه ضرر.
قلنا: وكذلك في تطلب أكثر المزيلات ضرر.
ومن به جرح سائل أو سلس بول وجب عليه أن يتحرز من سائر النجاسات، ولا يجوز مباشرة المسجد بالنجاسة، ولا ينجس الفم بوقوع بعض السن فيه إلا أن يخرج من أصله وهو كأعالى القرون.(1/31)
[(ح) وفي ظاهر كلامه - عليه السلام - دلالة على أن طريقته كطريقة أبي حنيفة في أن العظام ليس فيها حياة، وهذا في العظام قوله الأخير أنه لا حياة فيها فلا تكون نجسة.
وأما ما ذكره في أعلى السن فلأنه مما لا يؤلم قطعه فيكون كأعالي القرون وأعالي الشعر وروس الأظفار].
(ص) والماء الذي على رأس الجرح حكمه حكم الدم، فإذا انعقد الدم على رأس الجراحة كان طاهراً (بالإستحالة).(1/32)
باب ذكر المياه
حد الماء الكثير قلتان من قلال هجر وهو خمسمائة رطل، وهو الذي صحت عندنا الرواية فيه عن النبي - صلى الله عليه وآله - فما غير لونه أو ريحه أو طعمه من النجاسة نَجَّسّهُ، وكذلك الماء الجاري فإنه لا ينجسه إلا ما غير أحد هذه الأوصاف من النجاسة، والجري يلحقه بالكثير في الحكم، فإن تغير بظهور النجاسة ثم زالت رائحتها ولونها وطعمها فإن زوال أمارتها تعيده إلى حكم الطهارة الأصلية.
والماء النجس إذا اجتمع أولاً فأولاً حتى صار كثيراً، فإن غيرته النجاسة في لون أو ريح أو طعم كان نجساً وإلا فهو طاهر لقول النبي -صلى الله عليه وآله-: ((الماء طهور المؤمن لا ينجسه إلا ما غير لونه أو ريحه أو طعمه))، ويجوز الوضوء بفضل طهور غيره.
ويجوز الوضوء من ماء في أرض غيره وإن كان محاطاً عليه إذا لم يضر بزرع ولا غيره، ولا اعتبار برضى صاحب الماء إذا لم يضر به للوضوء والغسل والشرب.
ولا يجوز الوضوء بالماء المغصوب، وإذا غسل اليدين ثلاث مرات بثلاث مياه صح ذلك.
[(ح) هذا إشارة إلى اعتبار العدد دون غالب الظن].
(ص) وموت الحوت في الماء لا يفسده كملح البحر بخلاف ملح البر، ومن غسل بعض العضو بالماء (فتغير الماء بذلك) جاز إتمام العضو بذلك الماء ولو لم يجز ذلك لم تنعقد طهارة أصلاً.(1/33)
والماء المستعمل في الوضوء تزال به النجاسة ولا يستعمل لوضوء آخر، وسُؤْر من يظهر الشهادتين طاهر يجوز التوضي به ولم يرد الشرع بوجوب تجنب رطوبة من لا يعرف أحكام الطهارة منهم ولا أقل من أن تكون رطوبتهم كرطوبة البهائم، ولا يجب تجنب أسآرها وكذلك السباع خلا الكلب والخنزير، وقد كان زيد بن علي - عليه السلام - يتوضأ ويشرب من سؤر بغله، وكذلك حديث الهر وأن رسول الله - صلى الله عليه وآله - كان يصغي لها الإناء.
ولما سئل رسول الله - صلى الله عليه وآله - عن الحياض بين مكة والمدينة تردها السباع فقال: ((لها ما حملت في بطونها وباقيه لنا طهور))، فإذا لم تتعين نجاسة لم يجب تجنب رطوبة العوام، وإذا نجس الماء القليل نجس ما باشره وجاوره، ولو كسر رجل أعواداً فخرج منها من الماء ما يكفي لوضوئه أجزاه الوضوء به؛ لأنه ما لم يختلف فيه طعم ولا لون ولا ريح، والعيدان للماء بمنزلة القنا ولا فرق بين أن يجريه الله تعالى في عود أو حجر.
[(ح) أراد بذلك - عليه السلام - الماء الذي يقطر من سرع العنب إذا كسر وقطر منه من الماء ما يكفي للوضوء].
(ص) ويجوز الوضوء بالماء الذي خالطه القرظ ما لم يتغير اسم الماء، فإن كان القرظ غالباً وقل ما قرظ لم يجز، وكذلك حكم ما خالطه من الأشياء الطاهرة، فأما إذا كانت المخالطة في مقره أو ممره كعين تخرج من الشبِّ والكبريت والزرنيخ أو نبت فيه طحلب أو لطول المكث أو تفتت فيه حيوان خلق في الماء وعاش فيه فإنه طاهر مطهر، وكذلك حكم العنبر فإنه يجزي فهو بمنزلة الطحلب.(1/34)
ولا يستنفع من الماء النجس إلا بما يؤدي إلى استهلاكه كسقي الزروع وبل الطين وما أشبهه ويعفى عما تحمله الذباب والريح في المياه والمساجد والأبدان والثياب.
وإذا ذهبت رائحة ماء الورد واختلط بماء ولم يتغير أحد أوصافه فإن كان ماء الورد أقل من النصف جاز الوضوء به وإن كان النصف فما فوقه لم يجز الوضوء به لتغليب الحظر على الإباحة.
ويتحرى في ثلاثة أواني ولا يتحرى في اثنين إذا كان واحد نجساً، وإذا كانت آنية في بعضها ماء ورد وماء كرم وماء مستعمل وماء مطلق توضأ بالجميع ولم يتحرّ فيها، ومن توضأ بماء حلال معتقدا لكونه مغصوباً أو نجساً لم يصح وضوءه.
[(ح) هذا مثل قول المؤيد بالله].
(ص) وإن كان عنده أنه مملوك له أو مباح فكان مغصوباً أجزاه وعليه قيمة الماء، وإذا غلب على ظنه لخبر مخبر أن الماء نجس لم يتوضأ به سواء كان المخبر رجلاً أو امرأة.
والنجاسة إذا وقعت في الماء الكثير لم ينجس موضعها.
وما يتضح من النجاسة عند وقوعها في الماء الكثير لا يكون نجساً إلا أن تظهر فيه صفة النجاسة.
[(ح) هذا كمذهب الناصر - عليه السلام -]، فإن وقعت في الماء القليل وانفصلت عنه في الحال ولم تخالطه لم ينجس، كمن يرمي بحجر في الماء فينفصل من دون استقرار، كما لو وقعت نجاسة على المصلي ثم ارتفعت في الحال قبل أن يدخل في ركن آخر كما فعل بعض المشركين بالنبي -صلى الله عليه وآله- وهو في الصلاة.
وما يفضل من ماء البئر المتنجسة بعد النزح من البلل معفو، ويحكم بطهارة رأس البئر ووسطها والدلا والرشا قياساً على الخمر إذا غلا ثم عاد خلاًّ فإن الجميع طاهر كذلك هذا.(1/35)